فلسفة الأخلاق والسياسة
(المدينة الفاضلة عند كونفشيوس) (9)
تلخيص كتاب


السياسة عند كونفوشيوس :

من الصعب على من يقرأ لكونفوشيوس أن يجد فواصل بين الحديث عن الأخلاق أو التربية والتعليم وبين السياسة، فكلها مندمجة تقريبا فيما بينها...

حتى نجعل الموضوع مُيسراً للقارئ، دعنا نبدأ بسؤال سأله أحد أمراء الصين لكونفوشيوس بعدما قرأ كتابه (التعاليم الكبرى)، سأل الأمير: ماذا تقصد بقولك( ماذا تقصد بقولك: من أجل أن تحكم الدولة بشكل صحيح، لا بُد أولاً من أن تنتظم الأسرة؟)...

أجابه كونفوشيوس: (( من المستحيل أن يقوم المرء من تعليم الآخرين، بينما هو عاجزٌ عن تعليم وتثقيف أبناء أسرته، ولذلك فإن الحاكم لا يمكنه أن يُعلّم الشعب ويحثهم على الفضيلة، دون أن يكون ابتدأ بنفسه وأسرته، وينبغي عندها أن يتعامل أفراد الشعب مع حاكمهم وأفراد حكومته بطاعة كاملة والتفاف حوله، وهذا لن يتم إلا إذا تيقن الشعب من تغلغل الفضيلة في نفوس الحاكم ورجال حكومته)).

لكن ما علاقة ذلك بالأسرة؟

تعتبر الحكومة عند كونفوشيوس أمراً ضروريا على الإطلاق، وتستمد هذه الضرورة المطلقة من إيمانه بضرورة الاجتماع الإنساني، ذلك الذي لا يمكن أن يتحقق بشكل مثالي، إلا إذا كانت هناك سلطة عليا تنظم العلاقات بين الأفراد المكونين للمجتمع....

ذلك لو ترك للأفراد والجماعات أن تتصرف وفق إرادتها وكيفما يحلو لها، فإن المجتمعات الإنسانية تتحول الى ما يشبه مجتمع الغابة،

المجتمع الجيد يقوم على طاعة الأبناء للآباء، وطاعة الزوجة لزوجها، وطاعة الأخ الصغير للأخ الكبير.... وهذا النسق سينسحب على طاعة الموظف الصغير للموظف الأعلى منه حتى تصل لطاعة المدير العام، والجندي للضابط وحتى تصل رأس الحكم،، فإذا اختل نظام الطاعة في الأسرة امتد ذلك لكل مناحي الدولة...

الحكومة التي لا تُطاع ليست حكومة، وإذا بدأت الطاعة تبتعد عن الحكومة، بدأ الفساد ينتشر والعدل يغيب...

لكن، الطاعة ليست جبرية، بل تأتي بمحض إرادة الأفراد، فعندما يتفهم أفراد الأسرة محدودية إمكانات والدهم يلتزمون بتعليمات الوالدة بتفصيلات التدبير المنزلي، المهم أن يطلع رب المنزل أفراد الأسرة على تفاصيل أوضاعهم، لا يحجب عنهم المعلومات، عندها ستتفجر طاقات الأبناء لترميم أوضاع الأسرة....

كذلك هي الحكومات التي تكون صادقة مع شعبها، تتجاوز مشاكلها بسرعة، أما أن تطلب من شعبها التقشف لكي تتجاوز أزمة اقتصادية ما، ويشاهد الشعب سلوك الحاكمين المتسم بالإسراف والتنعم، فهذا لا يحقق التفاف الشعب حول حكومته....