لقد قام مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، في بيروت بإصدار كتاب اسمه (صدام الحضارات) وذلك في عام 1995، وقد استوحى المركز اسم الكتاب من مقالة مثيرة للجدل بنفس العنوان للبروفيسور (صاموئيل هانتنغتون) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية.
وقد قام المركز بتجميع الردود على تلك المقالة التي سنحاول تلخيصها، ووضع تلك الردود في الكتاب الذي بين يدينا، وقد يكون من المفيد لمن أراد فهم مغزى هذه الزوبعة التي أثيرت حول الكتاب، أن يكون على اطلاع عن الكيفية التي يصنع بها القرار السياسي الأمريكي، كما يساعده في الفهم الاطلاع على مبادئ فلسفة التاريخ والنظرة التي رسخها المؤرخ الإنجليزي (أرنولد توينبي).. وقد حاولنا إفراد هذين الخطين الثقافيين (صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفلسفة التاريخ) في أكثر من موقع من مواقع الإنترنت.
ومن المهم القول أن إثارة موضوع (صراع الحضارات) ليست جديدة، ولكنها ظهرت بوضوح بعد أن أعلنت الولايات المتحدة، مبدأ الاحتواء المزدوج.
وقد لعب (معهد دراسات الشرق الأدنى) والذي كان يشرف عليه (مارتن أندك) وضم في هيئته الاستشارية (جين كيركباتريك) .. كما لا ينسى دور المستشرق اليهودي الأمريكي (برنارد لويس) الذي استغل وجود (هنري كيسنجر) في السبعينات من القرن الماضي في موقع مستشار الأمن القومي ووزيرا للخارجية ليزج بعناصر صهيونية في دوائر تلك الهيئتين العليتين ..
وتبرز خطوط فكرة (صراع الحضارات) بالتأشير على نقاط الانقسام الثقافي، لتكون مصدرا رئيسيا للنزاعات المقبلة في العالم، وأن الثقافات (الحضارات) يمكن أن تحتضن مجموعات متعددة من الشعوب، وأن تنقسم الى فروع أو تتوسع وتتبدل أو تنقرض وتزول، لكنها تظل تعبر عن واقع راسخ يتجاوز الأمم في ذاتها، ويذكرنا (صاموئيل هانتنغتون) بأن (أرنولد توينبي) قد أحصى (21) حضارة في التاريخ، لا يزال منها ستة حضارات، ولكن صاموئيل هانتغنتون يصر على أنها سبعة حضارات ويذكرها كما يلي: الغربية والكونفوشيوسية واليابانية و الإسلامية و الهندوسية والسلافية الأرثوذوكسية و الأميركية اللاتينية ..
ويعتبر (هانتنغتون) أن نقاط التماس في الصراع ستكون حول العرق والدين واعتبر أن هذا الصراع سيتحقق حيث أخذ العالم يضيق بسكانه.. وتنبأ أن تلك الخلافات التي تكون على هامش الدين والقومية ستحرك كل شعوب الأرض، في حين ستسقط الخلافات الأيديولوجية بين الناس ..
وعندما يصل الى الافتراق بين الغرب والإسلام فإنه يذكر بأن الصراع قائم منذ الفتوحات الإسلامية الأولى الى عهد حرب الخليج الثانية (الكويت) .. وتوقع أنه فيما لو تم تعميم الفكرة الديمقراطية فإن النصر الحاسم سيكون للإسلاميين، لا محالة .. وتوقع أن الاصطفاف سيكون في النهاية بين الغرب والمسلمين، في الوقت الذي ستصطف الدول الإسلامية بجانب بعضها في وجه الغرب، منجذبة الى أخوتها في الدين وانتمائها الى نفس المنشأ الحضاري ..كما ينوه الى احتمال اصطفاف الصين والهند كحضارتين متقاربتين في النشأة الشرقية في وجه الغرب.
وفي النهاية يطالب (هانتنغتون) أنه يجب على الغرب السرعة في توثيق صلاته بين مكوناته الأوروبية والأمريكية والتعاون مع الروس واليابان في وجه الرغبة الإسلامية والكونفوشيوسية في النمو والتطور وامتلاك التقانة .. مع وجوب التفوق الغربي العسكري في جنوب شرق آسيا و منابع النفط..
هذا باختصار شديد جدا مسار الكتاب الذي بين أيدينا والذي سنفصله تباعا مع الاختصار