#الشيخ_أحمد_الحارون رحمه الله
رئيس الأبدال في زمانه
إنه العارف بالله العالم الرباني الشيخ أحمد الحارون الدمشقي الصالحاني (نسبة للصالحية) الرفاعي (طريقة) الحجّار مهنة.
صاحب الكرامات والأحوال, الداعي إلى الله على بصيرة الواعظ التي كانت ترق لموعظته أعتى النفوس وأقسى القلوب.
النشأة والتربية:
ولد الشيخ أحمد في حي الصالحية بدمشق (قرب جامع الحنابلة) عام خمسة عشر وثلاثمئة وألف للهجرة الموافق 1897م لأب رفاعي الطريقة وأم شيبية دمشقية.
كان أبوه يعمل في تقطير الورد والزهر, وهي مهنة دمشقية عريقة تجرى باستخدام الأنبيق, وقد مات وولده صغير لما يجاوز السابعة.
فتعهدت الأم أن تكون أماً وأباً له.
أرسلته أمه للكتّاب فقرأ القرآن الكريم, ثم تعلم مهنة قطع ونحت الحجارة في جبل قاسيون قرب دمشق، لكن لم يتخل عن طلب العلم و التماسه من مظانه وساعده جو الأسرة والتنشئة الكريمة التي حرصت أمه على تلقينه إياها فنشأ محافظاً على الصلاة والصلاح والبر وكرم الخلق ودماثته, مراقباً لله تعالى في كل حركاته وسكناته, ولذلك نظم نفسه في سلك التصوف.
والتصوف منحى تربوي ذوقي سلوكي يهدف إلى تهذيب النفوس والارتقاء فيها بين مقامي الخوف والرجاء, متخذاً من الزهد والتوكل والحياء والصفاء والمحاسبة وسائل للوصول إلى الكمال بقدر الإمكان, والتشبه بمسالك الصالحين والسير على مدارجهم.
لقد التزموا التصوّف طريقاً للصفاء .
فهمه الشيخ حارون جهاداً وتربيةً وتهذيباً وعملاً صالحاً وكسباً لقوته بعرق جبينه .
⭐ طلب العلم والعمل:
كان لالتزام الشيخ أحمد الحارون سلك التصوف السني الصافي بعيداً عن الشطحات والبدع أثر في توجيهه إلى طلب العلم, دون أن يقعد عن العمل, فكان حريصاً على كسب قوته والأكل من عمل يده, فعمل في مهنة شريفة هي قطع الحجارة والطوب للبناء ونحت الأجران الحجرية, ومارسها في جبل قاسيون بدمشق رغم خطورتها وقسوتها فهي تحتاج إلى همّة عالية وجد وقوة عضلية وشدة تحمل, وكان يجمع مع هذه المهنة القاسية حرصه على طلب العلم وحفظ القرآن الكريم وتعهده خشية أن يتفلت منه حفظه.
وهكذا تعرف على ثلة طيبة من مشايخ دمشق أمثال: المحدث الحافظ بدر الدين الحسني (ت1354)، والشيخ عبد المحسن الأسطواني(ت1383هـ)،والشيخ أمين تكريتي(ت حوالي1350)،والشيخ عبد المحسن التغلبي(ت1361)، والشيخ أمين كفتارو(ت1357)، والشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت1345)، والشيخ أمين سويد (ت1355)، والشيخ محمود أبو الشامات(ت1341)
وقد حبب إليه في جميع مراحل حياته حفظ القرآن والاستمتاع بتجويده .
كما كان يحفظ بعض القصائد العرفانية لمحيي الدين بن العربي وأحمد زرُّوق المغربي، وعبد الغني النابلسي، وابن الفارض، ورابعة العدوية وغيرهم.
⭐الدعوة وعلاقته بالعلماء:
كان للشيخ الحارون شبكة من العلاقات الاجتماعية مكنته من ممارسة الدعوة إلى الله على طريقته براحة تامة, وكانت تربطه بعلماء دمشق أطيب العلائق، فكان يجلهم وكانوا يحترمونه, ولم يزعم مرة أنه من العلماء، بل كان حريصاً أن يردد بأنه تلميذ سالك.
حضور بديهيته:
مارس الدعوة أثناء عمله في نحت الحجارة فصدقت فيه مقولة الشيخ راشد الحريري(رحمه الله): ( كان ينحت القلوب قبل نحت الطوب).. نعم فقد كانت كلماته شفافة تلامس شفاف القلب وتنفذ إلى منطقة التأثر مباشرة.
💐أوتي حجة بالغة فعلا، و كان حاضر البديهة, فقد حاول أحدهم مرة أن يتهكم على الإسلام و المسلمين, فقال متندراً:
أعجب من كثرة سلامكم و صلاتكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف تصله الصلاة و السلام على بعد المسافات و اختلاف النواميس بين الدنيا و الآخرة؟
على الفور دون تلكؤ قال الحارون: ما اسمك يا أخي؟, فقال له اسمه، ثم سأله عن أبيه و جده و سلالته, فقال له: لو لعنت الآن أباك و جدك و جد جدك و سلالتك كلهم أتغضب ؟
فاكفهر وجه الرجل و قال: نعم أغضب ولا أسمح لك بذلك .
قال الحارون: كيف ستصل الشتيمة إلى هؤلاء؟
عندها بهت الرجل أمام حجة الشيخ الحارون القاطعة: مثلما تعتقد حضرتك بوصول المسبة نعتقد نحن بوصول الصلاة والسلام إلى نبينا الكريم عليه أفضل الصَّلاة وأتم التسليم
⭐ كرامات الحارون:
من المقرر شرعا: أن ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي, والأدلة الشرعية على ذلك كثيرة.
⭐ حدث عنه بعضهم أنه كان قادما من العراق مع جماعة وانقطع بهم الطريق بسبب نفاد البترول من السيارة فصار القوم في حيص بيص، وتيقنوا الهلاك, وتدارك الحارون الموقف فسحب مطاطة سرواله وقربّها من أذنه وفمه (كالهاتف النقال) وهتف بالصوت المعروف بالعاميةالشامية: ألو شكري....نحنا مقطوعين في طريق الرطبة.....)) واستهجن المرافقون وظنوه يمزح، وبعد ساعات فوجئوا بسيارة موفدة من رئيس الجمهورية شكري القوتلي (في حينها) وأنقذوا.
⭐من كراماته: أن ولدا لتلميذه (محمود غراب) اشتكى من عينه, وعالجه د.خالد الطباع، وأعلن ضرورة نقله للمستشفى بسبب نزف الشبكية الخطير, وكان الحارون حاضرا فمنعهم من نقله، وطلب بيضة ومدّ يده إلى سرواله وأخرج منه قطعة سكر نبات, ذوبها في زلال البيضة، وقطر عين الولد وشفي بالحال, واعترف الدكتور بعد معاينة الغلام ثانية على إثر علاج الشيخ الحارون له أن العين غدت سليمة.
⭐ وحدث الدكتور بكري الشيخ أمين (أستاذ جامعي في حلب / سورية) أنه ضاق ذرعا بحديث صديق له عن كرامات الحارون, وطلب رؤيته وحضر له سؤالا محيرا عن الروح، ولما ذهبوا إلى دمشق واجتمعوا بالشيخ, فوجئ الدكتور بطلب الحارون منه خاصة أن يتناول كتابا أمامه، ثم قال له افتح الصفحة كذا, ولما فتح يقول د.أمين: اقشعر بدني حين قرأت بالمداد الأحمر أعلى الصفحة قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } (سورة الإسراء/85 ) وصاح به الشيخ: "هل فهمت ؟ قال: فهمت. وبهت ولم يعد يتعرض بعدها لذكر الشيخ الحارون إلا بالخير.
🌹وعبارة "ألو شكري" يرددها الدمشقيون المعاصرون له.
⭐لقد كان سروال الحارون مليئا بالأعاجيب فمطاطته هاتف متحرك (موبايل) في عصر لا تعرف فيه الهواتف النقالة.
واستمرت كرامته بعد موته فقد توارث العلماء دكة السروال واتصلوا بها من
جبل عرفة على أحد المساجد ليتم نقل الدعاء
مباشرة وذلك قبل سنوات.
⭐كرمه وجوده:
عرف عنه السخاء والكرم الحاتمي, مقتديا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان يتصدق بكل ما ينتج, وإذا ما قبل الصدقة أو الهدية فلا يقبلها لنفسه, بل يناولها للمحتاجين, وكم امتحنه الناس في ذلك، وعرفوا أن المال لا يبيت في داره!!
💐 نفد الطحين من بيته وطلب من أحد معارفه شيئا منه, ولما حضر الطحين رأى رجلا بائسا يطيل النظر في كيس الدقيق على استحياء, فعاجله الشيخ: خذ الطحين لك يا أخي، و أمر الحمال بنقله إليه.
⭐ كان جوادا في بيته يؤوي الأقرباء والجياع والمرضى والمحتاجين ولا يخيب رجاء قاصده، وكان بيته قبلة القاصدين منذ صلاة الفجر حتى آخر الليل فلا يخلو من زائر ملتمس علاجا أو بركة أو علما أو صدقة من متاع الدنيا فلا يقصر عن أحد (رحمه الله)
⭐وفاته وثناء العلماء عليه:
توفي الشيخ العارف بالله أحمد الحارون ليلة الجمعة 19 من جمادى الأولى سنة 1382هـ الموافق لعام 1961م بدمشق، وخرجت له جنازة مهيبة ودفن بجوار قبر الشيخ رسلان الدمشقي قرب (باب شرقي) بناءً على وصيته رحمه الله رحمة واسعة. وقد أثنى عليه العلماء كثيرا, وأشير إلى بعضهم بإيجاز:
💐قاسم القيسي (مفتي بغداد): يا حارون إنا بك حائرون. قالها بعد أسئلة طرحها في التوحيد و أذهلته إجاباته.
💐الشيخ ياسين الموقت / حلب: الشيخ أحمد أكبر عارف في وقته.
💐الشيخ يحيى الصباغ: (إن مثلنا مع الشيخ أحمد كمثل الجند مع القائد )
💐لشيخ حسن مأمون (مفتي مصر وشيخ الأزهر): أشعر مع الشيخ أحمد وكأنني بحضرة أبي حامد الغزالي...

اللهمَّ ارحم علماءنا رحمة واسعة، وانفعنا بعلومهم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
منقول