عبد الستار قاسم


صحيح أن أغلب ما يدور حولنا من أحداث وخطوات سياسية محبط جدا ويضغط علينا جميعا من أجل التراخي في مواجهة كل ما يتهدد الوطن وهويته الفلسطينية العربية الإسلامية، ويتهدد المواطنين وبقاءهم على الأرض الفلسطينية. كلهم يتآمرون ولا نستثني صهاينة وأوروبيين وأمريكيين وعربا وفلسطينيين. نعم، جزء من الشعب الفلسطيني ممثلا بمنظمة التجرير الفلسطينية لا يتوقف عن تبني سياسات تصب في مصالح المغتصبين الغاشمين الذين لا يألون جهدا في دفع الفلسطينيين خارج ديارهم إلى ديار لا تاريخ لها ولا حاضر ولا مستقبل.


القوى التي تقف ضدنا وتعمل على دحرنا معنويا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا والتزاما كثيرة وعنيدة ومثابرة وصبرها طويل. جميعهم يجرعوننا السم نقطة نقطة لكي ننسى. لكي نتخلى عن ذاكرتنا، وعن دماء شهدائنا وآهات أمهاتنا وأنات أطفالنا وعن ذكريات بيوتنا التي تهدمت فوق رؤوسنا، وعن أشجارنا التي اقتلعها عدو الله والإنسان من أمريكي إلى صهيوني إلى إنكليزي وفرنساوي وعربي مجرم خائن. وكم من مرة حدثنا الناس عن اتفاق أوسلو وبيئته الخيانية، ودماره الاجتماعي والوطني والأخلاقي المتوقع، وكان المستهترون أكثر بكثير من الذين تحروا صدق المقولة. لقد لهثوا خلف الراتب وخلف الوعود الكاذبة بإقامة دولة وزوال المستوطنات وعودة اللاجئين وتدفق الأموال لتكون الأرض المحتلة/67 هونغ كونغ العرب. كل هذا رأيتموه الآن بأم أعينكم. كم قلنا لكم لا تسمعوا قياداتكم فنحن بتجاربنا نعرفهم حق المعرفة، ونعرف أن شهواتهم أقوى بكثير من كل الخطابات الثورية النارية الكاذبة، ونعرف أن توقفهم عن الخيانة يفقدهم سلطانهم


ودائما تم ترديد عبارة أن يملك الإنسان نفسه ويقبض على الجمر أفضل له من كل متاع الحياة الدنيا. لكن الانحراف الثقافي وتساقط العديد من المثقفين والكتاب والأدباء أمام القوى السياسية زاد الأمور تدهورا وكثف الغشاوات على عيون الناس وعقولهم وصدورهم. حتى أن أولئك الأدباء والمفكرون الذين التزموا في الماضي بقضية فلسطين زاغو وأغرتهم فتات الأموال وبعض المناصب التافهة وأداروا ظهورهم وأخذوا يطبعون مع العدو ويقيمون معه العلاقات ويسخرون من الذين صمدوا واختاروا المعاناة على التنازل عن الوطن والاعتراف بحق الصهاينة بأرض فلسطين.


فلسطين ستعود إلى أهلها فلا تستسلموا لليأس والغدر والخيانة. الكيان الصهيوني مهما عظم لن يتمكن أبدا من البقاء. إنه يواجه أمة عربية وإسلامية لا بد أن تحيا وتنهض وتثأر لنفسها ولا يمكن أن تذوب أو تنقرض. الكيان لا يملك أبعادا استراتيجية تمكنه من البقاء والاستمرار في العدوان. وإذا كان يملك فإنه لا يملك إلا خيانات الأنظمة العربية وبعض القيادات الفلسطينية. لقد مكنته الخيانة من تحقيق انتصارات كبيرة على العرب والمسلمين مجتمعين ومنفردين، وهي التي تعترف به الآن وتطبع معه وتتنكر للحقوق الفلسطينية ولحقوق الأمتين العربية والإسلامية في الأرض المقدسة والمقدسات. نحن سننهض، سننطلق بقوة من تحت الركام، وسننفض عن أنفسنا أوحال الأنقاض، والمستقبل لنا إن شاء الله.


لكن المهم ألا نتخلى عن حقوقنا ولا نستهتر بإرادتنا وصلابة أبنائنا وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق إن شاء الله تسود فيه الحرية والأمن والأمان والاطمئنان. أيامنا هذا ثقيلة جدا، ولا نقلل من أخطارها وتداعياتها الصعبة على مستقبل الشعب والوطن. لكن علينا ان نصمد وأن نتحمل. فما تحملناه عبر السنوات تنوء تحته الجبال، ولتكن هناك جبال بالمزيد. وعلينا ألا نستسلم للخذلان والاستهتار، وأن نبقى واقفين رافضين للعدوان، ورافضين لأحقية المعتدين بوطننا المقدس. ومن منا يؤمن بالله، وبقوة الشعوب وإرادتها على تحقيق الإنجازات العظيمة عليه أن يؤمن أن فلسطين لنا ولأجيالنا القادمة وإلى يوم الدين. هم يخططون الآن للتخلص من الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين سواء في الأرض المحتلة 48 أو المحتلة 67، والأمريكيون يدفعون قادة عربا وفلسطينيين نحو المزيد من إحباط الشعب الفلسطيني لكي يتقبل فكرة الرحيل.


ونحن لن نرحل رغما عن أنف حكام العرب وأهل أوسلو الذين خانوا كل ما هو مقدس بالنسبة للشعب الفلسطيني. الأحوال ستتغير بالتأكيد. لا نعرف التوقيت بالضبط لكن التغير هو سيرة التاريخ. والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ولا تستسلموا فقد يكون لانكشاف الخيانات خير وفير لنا. لقد صدقنا الأكاذيب عبر الزمن، لكن الآن لا فرصة أمام التضليل والكذب لأن الخونة باتوا عراة وسيصبحون قريبا حفاة لا يلوون على شيء.


وفي النهاية أقول أتون فلسطين أفضل بكثير من نعيم الرحيل. إياكم والتنازل والرحيل ففيه كل الذل والاستعباد والخنوع وفقدان الذات، ونحن ولدنا لكي نكون ونبقى كراما أعزاء.