عن أي أعذار بعد ذلك نتحدث 👇

حفظ القرآن في غوانتناموا

كان عدد الحفاظ [للقرآن] في بداية الأسر قرابة العشرين، وحين دخلت سنة (٢٠٠٦) بلغ عدد حفاظ القرآن في غوانتناموا أربعمائة، لم يكن الوضع يساعد على الحفظ فالحالة النفسية والاستفزاز المستمر من الجنود والتوتر الذي يصاحب الانتقال إلى غرفة التحقيق وخلاله ثم العودة منه، كل ذلك لا يساعد على صفاء الذهن.

بعضهم حفظوه في عنابر العقوبات وبعضهم في المعتقلات الانفرادية، ينبطح الأخ على بطنه على الأرض ويضع أذنه على الفتحة بين الباب والأرض، والأخ الحافظ في الزنزانة المجاورة يفعل الشيء نفسه ويقرأ آيه آيه فيسمعها الآخر ويرددها حتى يحفظها، فيحفظ عشر آيات أو أكثر حسب قدرة الأخ على الحفظ حتى يتم القرآن.

بعض المضربين عن الطعام كان الجنود يأخذونهم بعنف ويضعونهم على كرسي التغذية القسرية وهو أشبه ما يكون كرسي الإعدام، فيربطون أقدامهم وسيقانهم وأفخاذهم وأيديهم وأكتافهم بالكرسي، ثم يدخلون الأنبوب في أنوفهم للتغذية القسرية، وفي هذه الحالة كنت أرى بعضهم يراجعون من ثلاث إلى خمس أجزاء من القرآن، لأنهم يبقون ساعتين على هذه الحال، وبعض الذين لم يكملوا حفظهم كانوا يتناقلون الآيات فيحفظونها على هذه الحالة الصعبة.

كنا في المعسكر الخامس الانفرادي، فاحتفلنا في إحدى الليالي بأحد المعتقلين الذين معنا في العنبر بعد أن ختم القرآن حفظاً عن ظهر قلب، لقد كانت مناسبة استثنائية، لم يكن عندنا في العنبر أي مصحف، فقد سلمنا جميع المصاحف بسبب الإهانات المتكررة له، فبدأ هذا الأخ بتلقي الآيات من جاره عن طريق شق الباب السفلي، وهكذا آية آية، سورة سورة، يوم وشهر وسنة وسنتين وثلاث حتى أتم حفظ القرآن، ليس هذا فحسب بل سيزداد عجبك حين تعلم أن ذلك حدث وسط عواصف من المشاكل اليومية والاستفزازات والإهانات التي لا تنتهي، لم يفت في عضده دخول قوات الشغب عليه وعلى من حوله، لم يهن عزيمته استهزاء الجنود به، لم يقض ليلته بلعن الظلام لكنه أوقد شمعة، لم يضع لنفسه ألف عذر ليترك حفظ القرآن لكنه تطلع للفوز بالسباق حتى لو كان مكبل الأقدام.

📔 فايز الكندري | البلاء الشديد والميلاد الجديد، صـ٣٠٠-٣٠١.