فشل الإنسان الذريع .. والنجاة الفردية في هذا الزمن النكد
جمال جمال الدين
==========================================
لقد فشل الجنس البشري فشلاً ذريعاً في جوانب كثيرة من الامتحان الذي وجد لأدائه على هذه الأرض .. وعلى الرغم من مرور آلاف السنين على وجوده فما يزال إلى اليوم يراوح في مكانه عند توقعات الملائكة فيه {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} .. ولم يتمكن بعد من الوصول إلى الحد الأدنى من تحقيق إنسانيته .. فالفساد ما يزال شائعاً ومتنوعاً .. وسفك الدماء ما يزال مستمراً ومتصاعداً.
ومنذ عهد قريب صدر تقرير يبين أن (10) دول فقط من دول العالم الــ (190) لا تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات حربية.
أما الفساد فلا يحتاج إلى تقرير ليثبت انتشاره في العالم.
والإنسان بشكل عام .. والمسلم بشكل خاص .. لا يزال عاجزاً عن تحقيق أمل الله عز وجل وعلمه فيه عندما قال : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .. فقد فشل المسلم في فهم حقيقة مهمته وفشل في فهم جوهر رسالته .. وفشل في تنفيذ هذه المهمة وفي أداء تلك الرسالة .. وما يزال فهمنا لمعنى الإيمان والعمل الصالح .. وفهمنا للإسلام والبر والعدل والتقوى .. وفهمنا للظلم والإكراه والفساد .. كل ذلك ما يزال مشوشاً وغامضاً.
.
صحيح أن ليس كل الناس بمن فيهم المسلمون على المستوى ذاته من الفشل .. ومعظمهم يرفضون ما يجري من سفك الدماء , ولم تتلوث أيديهم بالدم الحرام .. وكثير منهم يكرهون الفساد ولا يمارسونه في حياتهم .. بل إن غالبيتهم هم من ضحايا هاتين الموبقتين الشنيعتين , ويتمنون أن يعيش الناس في أمان وسلام وصلاح .. ولكن المشكلة هي في عجز هؤلاء الطيبين عن إعادة التوازن وترجيح كفة السلم والعدل والخير على مستوى العالم , وعلى مستوى البلد الواحد , وحتى على مستوى المجتمعات المحلية في غالب الحالات .
ثم .. هل حقق هؤلاء الغالبية من الطيبين إنسانيتهم فعلاً؟ .. أم أن جلَّهم من صنف الذين أقالوا عقولهم واتبعوا دين آبائهم وعادات مجتمعاتهم فكانوا من الذين وصفهم كتاب الله تعالى{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَام}؟.
.
نعترف أن التقدم في إحراز السلم والصلاح يختلف بين أمة وأخرى .. ونعترف أن الأمم المتقدمة علينا حضارياً وإنسانياً قد تجاوزت (على المستوى المحلي على الأقل) الكثير من الممارسات الهمجية التي نقرأ عنها في التاريخ القديم وتاريخ العصور الوسطى .. وأصبحت لديهم مؤسسات فاعلة تراقب ضمان حقوق الإنسان وحرياته وتحاسب مرتكبي الجرائم ضده .. بل وصل الاتحاد الأوروبي لتشريع قانون ((للوقاية)) من ارتكاب المخالفات في انتهاك حقوق الإنسان .. ولكن أين موقع هذه الأمم في ميزان الإنسانية والحضارة عندما تتصرف خارج حدودها ؟.
إن الطريق ما تزال طويلة .. وعندما نقارن أنفسنا بما وصل إليه الغرب من تقدم حضاري وإنساني .. ونشعر كم سبقونا بمراحل في هذا المضمار .. فهذا لا يعني أن حكومات وشعوب الغرب يعيشون في نور الله ويمشون على هداه .. ولكننا في ظلام حالك لدرجة أن الظلام الذي يعيشونه يعتبر نوراً مقارنة بظلمتنا.
.
إنه لأمر رائع وحدث عظيم حقاً أن نوجد في هذه الحياة فنكون ممن فضلهم الله على كثير ممن خلق واختارهم ليَسموا فوق الجبر والإكراه .. وإذا كنا نؤمن أن كل ما نقوم به في الحياة الدنيا هو ما يقرر مصيرنا في الآخرة .. وهو في أقصاه خلود في نعيم مقيم أو خلود في عذاب أليم .. فلا شك أن مثل هذا المصير يستحق أن نوليه جل اهتمامنا من غير تسويف ولا مجاملة أو خضوع لرأي أحد من الناس بمن فيهم أقرب الناس إلينا.
فإذا بحثنا جيداً واكتشفنا أن ما سينقذنا في آخرتنا هو تخلينا عن كثير من الفضلات التي ألقاها آباؤنا في ساحة ديننا .. وهي تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الدين الذي نمارسه بدعوى التسنن والتشيع والتصوف وغيرها من الانحرافات الشيطانية والضلالات البعيدة .. فيجب أن نتخلى عليها دون اكتراث بموقف أقراننا منا.
بل إذا اكتشفنا أن ما ينقذنا هو التخلي عن كل الدين الذي ورثناه وأن ما ينقذنا هو التحول إلى دين جديد فيجب ألا نتردد في ذلك خوفاً على علاقاتنا ورضا الأقارب والأصدقاء علينا.
.
ولكن .. هيهات .. وأنى لهذه التساؤلات أن تشغل قلوب وعقول الأكثرية في بيئة تعج بالضجيج والصخب والهلع والتزاحم والتنافس والعجلة والصراخ ؟. وأنى لهذه البيئة أن تتيح لنا فرصة من ساعة واحدة للتفكر وإعادة النظر والمراجعة والتقويم وتحديد أولوياتنا لنكون بالقرب من الصراط المستقيم وليس بعيدين عنه كل هذا البعد والانحراف؟ ..
وكم نعيش بوضاعة غارقين في خضم متطلبات العيش ومشاكل الحياة اليومية.. وتسيطر علينا متطلبات العادات والتقاليد .. وكم تتلاعب بنا الحكومات وأصحاب الامتيازات والكهنة؟ .. وكم تسحرنا وسائل الإعلام الفاجرة؟ .. فإلى أين يمكن أن نهرب من هذه الماكينة التي تخضعنا لمشاكل الحاجات اليومية واللهاث خلف المغريات المتاحة؟ .. وكيف ننجو فلا نورط أنفسنا فنخسر كل شيء بسبب جهلنا في توجيه حياتنا الوجهة الصائبة ولا نكون ممن يقول عنهم القرآن الكريم : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا .. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} .. أو ممن يقول عنهم { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}؟.
.
لقد شاءت إرادة الله أن نتواجد على هذه الأرض في هذه المرحلة النكدة من عمر الإنسانية . وما على كل منا إلا أن يفكر ويفهم جيداً كيف يمضي بضع عقود أو سنوات مما تبقى من حياته بحكمة فلا يقع فيما يدمر حياته ويقضي عليه في آخرته.
فالنجاة صارت مسألة فردية {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} .. وطريق الخروج إلى النور وتجنب النار ودخول الجنة هي طريق صعبة ووعرة وتحتاج إلى مجاهدة وعمل , وهي تختلف بما لا يقاس عن المفهوم الشائع الموروث الذي يدعيه المسلمون وغيرهم على حد سواء, ويصدقه الأميون الجاهلون والذي لا يتجاوز في تفاصيله أكثر من ترديد بعض الأذكار وممارسة بعض الطقوس.
فالعمل الحقيقي الذي يدخل الجنة دونه شق الأنفس. والالتزام به ليس سهلاً .. وتأثير الشهوات في الإنسان قوي جداً .. وهذه الشهوات والمغريات صارت كبيرة وكثيرة .... وحتى ينجح الإنسان فعليه أن يوجه كل نشاطات حياته إلى الوجهة الصحيحة .. لإنجاح مشروع الله في الأرض والإنسان .. وهذه تحتاج إلى عمل دؤوب في الفهم أولاً ومن ثم همة عالية وصبر ومعاناة في الالتزام والتطبيق.
وجنة الله ليست بضاعة رخيصة أو مجانية يتم الحصول عليها بترديد بضع كلمات .. ولا تصدقوا ما يدعيه الكاذبون والمفترون الذين نسبوا الكثير من هذا الصنف من الروايات السفيهة إلى رسولنا الكريم .. بل لا يدخلها إلا من تأهل لها {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. { لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
والطريق المؤدي إلى دار السلام طريق مستقيم لا عوج فيه .. إنه طريق المؤمنين المتقين المحسنين .. ولأنها دار سلام وتناغم وانسجام فلا يدخلها إلا من أعد نفسه جيداً للعيش في هذه البيئة الراقية.
لا يدخلها الجاهلون والمتكبرون والفاسدون والمسرفون .. ولا يدخلها القتلة والظالمون المجرمون.