-
تطابق استراتيجي
التطابق بين الولايات المتحدة والكيان الاستيطاني الصهيوني هو تطابق عقائدي تاريخي سياسي اقتصادي فهما وجهان لعملة واحدة.. وكلاهما اليوم مأزوم! “بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى”
د. عبد الحي زلوم
يبدو اليوم التطابق بين المجتمعين الأمريكي والإسرائيلي صارخا. ففي كلا البلدين المدعيَين للديمقراطية نجد أن شوارع مدنهم قد أصبحت ساحات معارك ومظاهرات ضد سوء أداء الدولة وفساد قادتها وسوء اوضاعها الاقتصادية وتفشي العنصرية والتطرف وسوء إدارة الأزمات الصحية . وصلت تلك المظاهرات الى باب البيت الابيض حيث يقيم الرئيس ترامب مما اضطر حرسه الى تخبئته في مركز الطوارئ في قبو تحت الارض. ووصلت الامور ان استمرت المظاهرات لستة اسابيع على التوالي ضد رئيس الوزراء نتنياهو واتخذت طابعا من العنف والعنف المضاد . لكن يتمسك نيتنياهو بالسلطة خوفا من عقوبة السجن التي تنتظره نتيجة دعاوي الفساد والرشوة وسوق الائتمان ضده من شرطة بلاده. لمدة عامين كاملين وثلاثة انتخابات لم يستطع المجتمع الإسرائيلي أن يخرج بحكومة تستطيع حتى أن تقرر موازنة للدولة ولربما الانتخابات الرابعة هي في الطريق. في احدى هذه المظاهرات قام المتظاهرون بصلب تمثال نيتنياهو مما دعى رئيس الكيان رفلين الى استنكار موجة التهديد والتحريض ضد رئيس الوزراء نتنياهو والاعتداءات على متظاهرين وقال أنه لا يستبعد أن تُرتكب عملية اغتيال لمتظاهر محتج أو عملية اغتيال رئيس الوزراء مشيرا إلى أن هذا الاحتمال ليس خيالياً. كما صرّح المسؤول السابق للشعبة المسؤولة عن الإرهاب اليهودي في جهاز الأمن العام (الشباك)، دفير كاريف، في مقابلةٍ مع الإذاعة الإسرائيليّة: “نحن عشية اغتيال سياسي في إسرائيل، لا أعرف إذا كان يمينيًا أوْ يساريًا، لأنّ مستوى اللهيب مرتفع إلى هذا الحد.”
الانقسامات الحادة في المجتمع الأمريكي هي التي أتت بدونالد ترامب وهي أيضاً التي تثير العواصف ضده بل وضد النظام والدولة العميقة. أعظم قوة عاتية في التاريخ يختبئ جنودها تحت الارض في قاعدة عين الاسد بالعراق منتظرين قصفهم بالصواريخ، ويشكر رئيس دولتهم الله أن نتيجة القصف لم يكن سوى إرتجاج المخ لأكثر من 100 من جنوده . الجيش الذي كان يقال انه لا يقهر يحارب شبحه ويحلف أغلظ الإيمان انه لم يكن يعلم بوجود احد المقاومين في سوريا حين تم قصف جنوب دمشق . التغيير الديموغرافي في فلسطين المحتلة يزرع بذور فناء ذلك الكيان العنصري والتغيير الديموغرافي في الولايات المتحدة يخيف العنصريين البيض من فقدان امتيازاتهم فيريدون اقامة اطول الأسوار بينهم وبين المكسيك ، ويريدون حجابا بينهم وبين المسلمين كما كان واضحا في القرارات العنصرية التي بدأ بها ترامب ولايته بمنعه المسلمين من عدة أقطار من الدخول إلى الولايات المتحدة حتى ولو كانوا يحملون تأشيرة دخول .
كأن كل ذلك لا يكفي فتأتي جائحة كورونا لتبين هشاشة النظام الصحي الامريكي الذي تم تصميمه لمصلحة لوبيات شركات الرعاية الصحية ومثل هذا النظام لم يرتق حتى الى مستوى دولة فقيرة الموارد المادية والغنية بمواردها البشرية كالاردن مثلاً . كما بيّنت ازمة كورونا كيف أن النظامين في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة فضلت المال عن الرجال في جائحة كورونا فخسرت الاثنين معاً .كما كشفت زيف اقتصادهما و زالت عن وجههما المساحيق التي تمكنت ماكنات اعلامهما على اخفاء وجههما القبيح . واذا ب 45 مليون أمريكي يجدون أنفسهم بلا عمل ، وإذا بالولايات المتحدة تجد نفسها في أسوأ أزمة اقتصادية وكساد منذ قرن . اما في الكيان المحتل فقد اصبح اكثر من مليون من مستوطنيه من العاطلين عن العمل واذا به يواجه ازمة اقتصادية حادة وصفها وزير المالية الاسرائيلي يسرائيل كاتس في حزيران/يونيو الماضي إن “الوضع الاقتصادي في إسرائيل هو الأصعب منذ قيامها”.
في هذا المقال أود أن ابين أن التشابه بين ما يحدث في الولايات المتحدة و الكيان المحتل له جذور عقائدية و تاريخية واقتصادية وسياسية مشتركة تجعل من الكيانين وجهين لعملة واحدة مما يجعلنا نقول بوضوح ان اي حليف للولايات المتحدة هو حكما حليف للكيان الصهيوني سواء عرف ذلك او لم يعرف ، وسواء طبّع في السر ام في العلن .
***
التكامل العقائدي:
كانت أول جمله نطق بها ويليام برادفورد عندما وطأت قدماه الأرض الأمريكية “فليبارك لنا الله في أرض صهيون الجديدة “. كان المهاجرون الاوائل من طائفة البيوريتان التي تؤمن بوحدة الكتابين اي التوراة والانجيل مع تغليب التوراة باعتبارها هي المصدر الاصيل . لذلك نشأت ما تم تسميته الحضارة او الثقافة اليهومسيحية
(Judeo – Christian Culture) وهي اساساً الحضارة البروتستانتية الانغلوساكسونية والتي تسمى اختصاراً( Wasp- White Anglo Saxon Protestants )
ولكي نكون اكثر وضوحا وصراحة فالثورة الامريكية كانت ثورة ماسونية كاملة الاركان . كان جورج واشنطن ماسونيا وكان في جيشه 81 جنرالا كان 41% منهم من الماسون . وبالرغم من السرية الفائقة لهذه المنظمة الا انه ليس سراً ان هدفها المعلن هو اعادة بناء هيكل سليمان على ( جبل الهيكل ) بالقدس وهي التسمية العبرية للمسجد الاقصى . فالامر اصبح واضحا بدون لف ولا دوران. لكن من الحقائق غير المعروفة للكثيرين ان العديد من ما يسمى بالنخبة الحاكمة في العالمين العربي والاسلامي اليوم هم من الماسون ! وهؤلاء هم الصهاينة العرب !
على سبيل المثال ، جاء كتاب جورج بوش ( وادي الرؤى) سنة 1844( وهو الجد الأعظم لرئيسين أمريكيين ) يقول فيه ان اعادة ارجاع اليهود الى فلسطين وبناء دولتهم هو من الواجبات المقدسة ليكونوا همزة الوصل ما بين الله والانسانية ! كان ذلك قبل ان يولد ثيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة !
***
العنصرية والابادة العرقية :
ليس سراً أن النظام الأمريكي قام على أساس العبودية والعنصرية والابادة الجماعية والتي بدأت بإبادة جماعية للشعب الأمريكي الأصيل مما اسموه بالهنود الحمر وذلك بإبادة حوالي 20 مليون إنسان، وحجر بضع الالاف المتبقية منهم في محميات خاصة أشبه بمخيمات الاعتقال . في الديمقراطية الامريكية أعطى الدستور الأمريكي الحق للتصويت للذكور فقط ، البيض منهم فقط وأصحاب العقارات منهم ! وبقي هذا القانون اكثر من نصف قرن . ومن المفارقات التي يحاول المؤرخون الامريكيون أخفائها أنه حين اختلفت الولايات الشمالية مع الجنوبية حول كيفية احصاء العبيد السود في الجنوب لتحديد عدد اعضاء كل ولاية في الكونغرس طلب الشماليون عدم اعتبارهم من السكان وأصر الجنوبيون على عكس ذلك واخيرا تم الاتفاق على احتساب الأسود بثلاثة اخماس رجل!
****
اكذوبة العلمانية واستغلال الاديان:
كانت الثورة الفرنسية وكذلك الثورة الامريكية ماسونيتين يحملان عقيدة الحضارة اليهومسيحية وكلاهما استبعدت الاديان عن السياسة والمجتمع مما تم التعارف عليه بالعلمانية . لو نظرنا اليوم نجد ان من يقرر السياسة في الولايات المتحدة هم الصهاينة المسيحيون والذي يزيد عددهم عن70 مليون نسمة والصهاينة اليهود بتحكمهم برأس المال . ويرى المسيحيون الصهاينة ان احتلال فلسطين هو واجب مقدس ليرجع المسيح ثانية . ويخطب ودهم كل السياسيين في الولايات المتحدة . اما في الكيان المحتل وفي الوقت الذي يزحف به المطبعون على بطونهم لمبايعة اعداء الله ليكونوا اولياءهم يقر الكنيست قانون القومية بأن الكيان المحتل هو دولة يهودية ولليهود فقط . كما ان الاحزاب الدينية والتي تزداد تطرفاً وشراسة هي بَيضة القبان في سياسات التوسع والتطرف للكيان . هذه هي دولهم العلمانية و وإسلامفوبيتهم اصبح قادتها اليوم الصهاينة العرب.والتطبيع هو ليس سياسة فقط بل اقتصاد وحضارة يتدخل الاسلامفوبيون في ادق تفاصيلها بما في ذلك اي اية من القران الكريم يجب حذفها من مناهج التدريس اليوم وربما من القرآن غدًا !
****
العنصرية والعنف:
العنصرية هي مكون اساسي للحضارة اليهومسيحية البروتستانتية.
بالنسبة للكيان المحتل فهم وبكل بساطة يعتقدون بأنهم هم شعب الله المختار والذي خلق باقي البشر لخدمتهم . يحكي كاتب يهودي اميركي اسمه روبارت قصة السيدة بيرناشتاين Bernstein ، وتعمل ممرضة شرحت لزائرها الصحفي ومرافقه سبب نباح كلبها الشديد وهو يرى الاثنين يدنوان من المنزل الواقع في مستوطنة ارييل Ariel ، حيث قالت ” يبدأ الكلب بالنباح عندما يشتم رائحة عربي ، الكلب يكره العرب ، فهم يصدرون رائحة معينة … إنها مسألة جينات ” يجيب الصحفي الزائر: ” ولكني يهودي ” …يسال زوج المضيفة:” هل انت يساري ؟”
يجيب مرافق الصحفي ” انه من انصار منظمة السلام الان “
يجيب الزوج ” الان فهمت الموضوع فالكلب يكره اليساريين لانهم انصار منظمة التحرير الفلسطينية وهذا هو سبب نباح الكلب .”
بالنسبة الى الولايات المتحدة فإن ترجمة شعب الله المختار تترجم بما يسمونه الاستثنائية الامريكية ( American Exceptionalism ) اي ان للشعب الامريكي خصوصية وميزات تتفوق على غيره وأن عليه هداية البشرية فيما يسمى ( Manifest Destiny ) فاحتلالهم للاراضي من المكسيك او حروبهم ضد الاسبان وغزوهم الى الفلبين تمت كلها تحت دعاوى دينية وعنصرية . بل حتى جورج دبليو بوش شن حربه على العراق لان ذلك تحقيقا لنبوءة يأجوج ومأجوج بل وسمى حروبه بالحروب الصليبية .
اما عنصرية الولايات المتحدة فحدّث ولا حرج وليس اولها ولا اخرها حجر المواطنين الامريكان من اصل ياباني اثناء الحرب العالمية الثانية فقط لانهم من اصول يابانية .
****
التوسع والعنف:
بدأت الولايات المتحدة ب13 ولاية في شرق القارة الامريكية حين اعلنت الاستقلال وبدأت بالتوسع غرباً وشمالاً وجنوباً اما عن طريق شراء الاراضي كما حدث في صفقة لويزيانا من فرنسا او صفقة الاسكا من روسيا او الغزو على ممتلكات المكسيك في الجنوب وغرب القارة الامريكية الشمالية وليس اخرها الانقلاب على ملكة هاواي بواسطة بعض المرتزقة ثم المارينز وشراءها وضمها كإحدى الممتلكات ثم كولاية .وبعد ان وصلت رقعة الولايات المتحدة من المحيط الى المحيط بدأت بالغزو خارج حدودها ثم جاءت بعولمتها للهيمنة على العالم حيث انشأت ما يزيد عن مئتي قاعدة عسكرية في اكثر من 80 بلد في سائر اقطار العالم ذلك لان طبيعة النظام الاقتصادي يتطلب توسعاً دائما والا فإنه يواجه الازمات .
يقول الرئيس الاسبق جيمي كارتر حين اعرب الرئيس ترامب عن خشيته من تقدم الصين على الولايات المتحدة اجابه كارتر ان المشكلة لاننا نصرف تريليونات الدولارات على الحروب وهم يصرفونها على البنية التحتية والاجتماعية. وقال ( خلال 242 سنة منذ استقلالنا كان يتخللها جميعا الحروب والتدخلات الخارجية عدا 16 سنة فقط ! )
الامر نفسه ينطبق على الكيان الصهيوني في فلسطين فقد بدأ بمشروع التقسيم وحصته كانت اقل من 50 % من فلسطين وانتهى بعد حرب 1948 ب78% من فلسطين واحتل وما زال يحتل ويسعى لضم 100% منها من البحر حتى النهر . وهو في كل لحظة واخرى يقوم بالعدوان هنا وهناك فهذه هي طبيعته .
الخلاصة:
مما يتبين اعلاه استحالة التعايش ما بين نظام العدوان والعنصرية والاغتصاب هي جزء من عقيدته وبيننا وأن اي حلم بسلام معه هو اضغاث احلام . كما يتبين ان في عالم متغير صاعد يتعدد فيه الاقطاب علينا ان نخرج من هذا القطب الصهيوامريكي الذي اوصلنا واوصل الانسانية جمعاء الى ما تعاني اليوم من ازمات ونهب للثروات والاوطان . والوقت هو الان الان وليس غداً
مستشار ومؤلف وباحث https://www.raialyoum.com/index.php/...a%d8%a7%d9%86/
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى