موفق الخاني .. صاحب أقدم برنامج تلفزيوني علميّ في العالم
في السابعة والنصف من مساءِ كلِّ خميسٍ كانَ السوريون، وعلى مدى أربعين عاماً وأكثر على موعدٍ مع نافذةٍ على العالم والعلوم «من الألف إلى الياء» البرنامج الأسبوعي، الذي، وإن خبا وهجه في التسعينات، يبقى النشاط المعرفيَّ الأبرزَ في تاريخ الإعلام السوريِّ، وموفق الخاني صاحب البرنامج، سيرةٌ نادرة في التفوق العلمي والخبرة الإعلامية، في رصيده خمسة عشرة شهادة تكريم على مدى حياته، وغيرها من أوسمة الاستحقاق، تمّ ترشيحه لجائزة «كالينغا» الهندية ثلاث مرات على اعتباره أنشطَ رجلٍ خدمَ العلمَ، وبسَّطه في بلاده خلال أكثر من ربعِ قرنٍ، واليوم هو مرشح في مؤسسة «غينيس» للأرقام القياسية لينال لقب «مقدّم أقدم برنامج تلفزيوني علمي في العالم».
ولد موفق بن بهاء الدين بن محمود الخاني في دمشق عام 1922 لآل الخاني التي أنجبت رُوَّاداً في الفكر واللغة والإعلام نذكر منهم الشيخ محمد بن عبد الله الخاني الخالدي النقشبندي، وهو الجدُّ الأكبر للعائلة، والشيخ عزيز الخاني قاضي الشام، وعبد الله الخاني مدير المراسم في القصر الرئاسي بدمشق زمن رئاسة شكري القوتلي وهاشم الأتاسي، والأديبة الإعلامية ملاحة الخاني.
انتقل مع عائلته إلى مدينة (حمـاة) وفيها نشأ وتلقى علومه الأولية، حيث بدأ شغفه بالمعرفة باكراً، يقول الخاني بهذا الصدد: “عندما كنت صغيراً كنت أشتري روايات الجيب «شارلوك هولمز» و «راسبوتين» وغيرها من العناوين» فكان والدي يلحق بي ويبحث في فراشي وبين ملابسي عن هذه الكتب، فقد كان يقرؤها «كتاب الحبيب بدلاً من الجيب»”.
عام 1932، وفي المدرسة الابتدائية، قّدم موضوعاً إنشائياً عن سوق الخميس؛ حيث يتجمهر الناس هناك للتبضع، ويصيحون “الله موجود، الله موجود” هذه العبارة سحرت الخاني وحرّضته على كتابة موضوع إنشاء عن السوق، فقدّمه لأستاذ اللغة العربية، ونشره في مجلة المدرسة وكان اسمها «النواعير» وهو أوّل مقالٍ منشورٍ له.
عام 1942، وبعد أن أتم المرحلة الثانوية، تمَّ الإعلان عن إنشاء مدرسةٍ للطيران في مدينة رياق في لبنان، وعن حاجتها لطلابٍ سوريين ولبنانيين، فاندفع الخاني بحماسة للتقدُّم وتم قبول طلبه، وفي المدرسة تعلم الخاني، إضافة إلى الطيران، ميكانيك الطائرة الفرنسية، ومع تصاعد المطالبات بجلاء الفرنسيين عن سوريا وتلكؤهم في تنفيذ الاتفاق مع الوطنيين السوريين، هرب الخاني مع رفاقه بسلاح الطيران والتحق بالقوات السورية المشكلة حديثاً.
عام 1946 شارك الخاني في تأسيس أوَّل مدرسة للطيران في سوريا، حيث تبرَّع تجار دمشق بثماني عشرة طائرة للتدريب المتقدم، وتمَّ إيفاد دفعة من الطيارين إلى مدارس الطيران البريطانية في المملكة المتحدة، ومن ثمَّ تكوين مطار وشراء طائرات صغيرة بمحرِّك واحدٍ، تتسع لراكب واحد أو ثلاثة ركاب، والتي تحوّلت إلى طائرات مقاتلة، تشارِك في حرب فلسطين عام 1948 بعد إجراء التعديلات اللازمة عليها، وشارك الخاني بطائرته، وكان يسميها «لمياء» في الحرب واستحق وسام الاستحقاق السوري من الرئيس القوتلي تقديراً لشجاعته.
بقي متنقلاً بين الطيران المدني والعسكري لقلة الكوادر في حينه، وفي عام 1950 تسلم إدارة مؤسسة الخطوط الجوية السورية بعد أن تنازل عنها مُلَّاكها من القطاع الخاص إلى الجيش بسبب إفلاسها، فساهم في إعادة تأسيسها، واستلم إدارتها ما بين أعوام 1950 و1955، وساهم أيضاً في تأسيس نادي الطيران الشراعي، وكتابة المناهج التدريبية.
عام 1957م بدأ الخاني في إعداد وتقديم البرامج العلمية في الإذاعة السوريّة إلى جانب منصبه في القوَّات الجوية، وفي العام 1961 كان برنامج الأديبة ناديا الغزي «البيت السعيد» التلفزيوني حديث المجتمع الدمشقي، وعلى إثر إعجابه بطريقة وأسلوب البرنامج توجه إلى التلفزيون ليأخذ زاوية لمدة خمسة دقائق من برنامج الإعلامي المعروف نذير عقيل.
انتقل بعدها إلى إنتاج برنامج مشابه لما قدمته السيدة الغزي، إلا أنه تطور ليكون أول برنامج علمي هو “الأرض” انطلاقاً من حرف الألف لتتوالى الحروف الأبجدية وتشكل برنامج الخاني الشهير “من الألف إلى الياء” ذا الشعبية الواسعة الذي استمرَّ حتى عام 2004 وتمَّ إيقافه بقرارٍ إداريٍّ.
في عام 1960 نال شهادة قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة في عهد الوحدة، والتي عدِّلت إلى شهادة أركان حرب؛ أي: دكتوراه في العلوم العسكرية، كما حصل على دبلوم «بول تيساندر» الصادر عن اتحاد الطيران الرياضيِّ العالمي باعتباره رجل الطيران لعام1963 في سوريا، إلا أنَّ 22 عاماً من الخدمة في القوات الجوية السورية، لم تحصنه من حركة التسريح التي طالت قيادات الجيش إثر انقلاب عام 1963 حيث سرِّح كغيره من الكفاءات، وهو برتبة عقيد.
عُيّن مديراً عاماً لمؤسسة السينما لمدّة بين عامَي 1965 و 1968م، وعمل على تأهيل المؤسسة وتطويرها، وتعاقد مع شركة بريطانية لشراء الأجهزة والتقنيات التي تخدم الإنتاج السينمائي المحلي، وفي الثمانينات عمل مستشاراً في وزارة السياحة وشارك في معارضها في اليابان، وألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وإنكلترا، ودول الخليج.
على الرغم من تنقله بين المناصب ثابر الخاني على عمله الإعلامي، وبعد أن هجر الإعلام المرئي لم ينقطع عن العمل العام، بل تفرغ لإدارة مركز ابن اللبودي، في منطقة باب سريجة الشعبية بدمشق، والذي يتبع للجمعية السورية لأمراض السلِّ والأمراض التنفسية، حيث يقوم بعرض أفلام لطلاب المدارس لتوعيتهم صحياً كما يقوم على نفقته الخاصة بجولات على معسكرات الفتوة والتدريب الجامعي وإلقاء محاضرات عن مكافحة التدخين والمخدرات ونشر الوعي الصحي في كلّ عطلة صيفية