في ليلة شتوية،
جلس الجميع الى مائدة الطعام .
لا تسع الا لكرسيين كبيرين ،
أجلس على أحدهما والاخر لأمهم
وعلى كل منهم أن يحضر كرسيا ليجلس عليه
من طاولة المذاكرة او من المكتب الخاص بكل منهم
حيث كنا قد تخلصنا منذ مده ليست بالكبيرة من طاولة الطعام الكبيره
لتخفيف ازدحام البيت وكذلك نية عملية لتجديد الاثاث بدءاً بطاولة الطعام.
وضعت الام طعام العشاء وروائح عده تتصاعد من الاطباق التي تتوالى الى المائدة ،
ذهبت صغرى الأبناء لتحضر كرسيها وتبعها أخوها الاكبر ،
رجع كل منهما بكرسيه والتفا حول الطاولة فيما جلست كبراهم على الارض وبدأت في الاكل وهي تثني ركبتيها كما يفعل لاعبوا كره القدم أثناء المران أو سماع توجيهات المدرب.
أسرت الروائح المنبعثة من الاطباق أنفها فآثرت أن تبقى على حالها دون احضار كرسي لترتاح في جليستها فلقد راودني شعور انها تتالم ، أو هكذا تهيأ لي.
لفت نظري أنني أشعر بألم يتزايد في قدمي كلما نظرت اليها وهي على هذه الجلسة التي طالت مدة نصف الساعة تقريبا.
الأمر الذي جعلني اتساءل ، لقد كنت أجلس مثل هذه الجلسة دوما ، كنت لا أفضل أبدا الجلوس على كرسي خصوصا أثناء تناول العشاء ،
لماذا اذن شعرت بألم في ساقي ؟
ألأنني نظرت الي ابنتي ذات الثلاثة عشر ربيعاً وتوهمت انها تتألم ؟
مهلاً
كم عمرها ؟
ثلاث عشرة سنه ؟
هل تراه هو السبب ؟
لا تزال عظامها وأوتارها ،عضلاتها واعصابها تتحمل مثل هذه الجلسه دون أن يفسد عليها وجع أو ألم متعة تناول العشاء اللذيذ في مثل تلك الاجواء العائلية العذبة .
انهيت عشائي وقمت.
غسلت يدي وجففتهما وعندما هممت بالانصراف استوقفتني المرآة المعلقة فوق الحوض ..
لا ادري لماذا استوقفتني ؟ لم أكن معتادا على الوقوف أمام المرآة إلا فيما ندر.
وبخاصة بعدما انسحبت خصلات شعري الى الخطوط الخلفية من رأسي لتظل غرتي ذات شذرات من بصيلات لا تتجاور.
كنت اعتدت ان اصفف شعري أو ما تبقى منه ولحيتي وأنا في طريقي على سلم البيت او في السيارة ، دون النظر الى المرآة .
كانت الايام تتعاقب ولا انظر الى المرآة حتى كادت تنمحي قسمات وجهي من ذاكرتي.
الامر الذي جعلني اتعجب عن السبب وراء وقوفي هذه المره لأرى ما قد خط في وجهي بلا أن أعي كيف او متي خط ؟
الشذرات التي كانت متناثرة على غرتي ورأسي اصبحت خيوطا بيضاء ناصعة تشير الي الاعلى وكأنها تخبر بمن صبغها بلونها الابيض الملحي.
لحيتي التي اختفى السواد من أغلبها حتى لم أعد أرى الى البياض الذي اشتعل فيها كما تشتعل النار في حقل قمح قد آن حصاده.
هالني المشهد الذي رأيت و رجعت أسال سؤالا انساني سباق الحياة المحموم ، وتعاقب المشاكل و الاتراح أن أسأله ،
كم بلغت من العمر ؟
وهرعت الى هاتفي المحمول ، لانظر في تاريخ اليوم .
صدمني التاريخ
انه اليوم اذن .
ياله من سباق ذاك الذي لا نكاد نفرح بأننا أوشكنا على بلوغ خط النهاية فيه حتى نصرع من هول حقيقة ان الخط ليس نهاية السباق ، وإنما نهاية الحكاية
نهاية الحياة.
الان علمت لماذا تعجبت من جلسة ابنتي انها آلمتني لما رأيتها تجلسها.
إنه فارق الزمن والاستعمال
كما أن الحذاء يظهر عليه الاستخدام بعد كل لبسه ، وكذا سائر الملابس والادوات التي نستخدمها ، تفقد من قدرتها و زهوتها مع مرور الزمن.
ان قدماها لاتزالان غضتان ،
لم تطو بهما مسارات شاقة أوجبال شاهقة أو وديان موحلة ،*
وأعيذها.
سباق لم تقطع منه الا*القليل،
جبال لم ترتق ، وديان لم تهبط.
وأعيذها.
الان فقط علمت لماذا تألمت قدماي.
اليوم يوم مولدي...
الاربعون.