سرت في الطريق ذاته الذي كنت أسير فيه عند كل لقاء يجمعني بها ولكن فارق كبير أحسه و ألحظه ففي كل مرة كانت قدماي تتسابقان لكي تريني كلا منهما خيرا وتشعرني بفضلها أنها هي التي وصلت بي أولا ولكن في هذه المرة أحسست أن قدماي لا تقدران علي حملي وتتباطأن الخطي إلي بغيتي وكأنهما يحسان كما أحس بصعوبة اللقاء هذه المرة ولا تريد أي قدم منهما أن أذكرها بشر أنها هي التي أوصلتني إلي من كانت محبوبتي أو إلي من لا تزال محبوبتي .
ولكني في النهاية وصلت إليها ونظرت في عينيها فوجدتهما ليستا بعينيها فشتان بين تلك المقلتين المليئتين بالحب والوفاء وبين هاتين العينين المكتظتين بالغدر والغش والخداع.
فألقيت عليها سلاما فردته علي وأخذت تقول كلاما كثيرا أظنها إستغرقت فيه ساعة أو ساعة ونصف ولا أعرف أين كانت أذني أو أين ذهب عقلي أثناء حديثها ولكني انتبهت إليها وهي تكاد تنهي حديثها وتقول هذا قدرنا ولابد من الإفتراق.
ووقعت هذه الكلمة علي قلبي وقع الصاعقة علي قوم ثمود فقد كادت تودي بحياتي لولا توقعي لها وتفكيري كثيرا في كيف يكون رد فعلي حينها .
ثم استطردت قائلة هل أحضرت معك متعلقاتي وهداياي إليك ؟
فأومأت برأسي وأعطيتها الحقيبة التي كانت بيدي وكأني أستقطع جزا من لحمي وعظمي ولكن هذه هي الحقيقة .
وقد أعطتني ما أهديتها إياه من هدايا وما كتبت فيها من شعر ولها من كروت بمناسبة وبغير مناسبة فمددت يدي و أخذتها وكأني أخذ طلقة في صدري فتثقبه وأغادر علي إثرها وأرحل عن هذا الكون الذي تعيش هي فيه هذا الكون الذي كنت يوما لا أريد العيش فيه إلا لها ولأجلها.
ثم استدرت ونويت مغادرة المكان فسمعت صوتا يشبه صوتها لا والله إنه صوتها وكأن روحي عادت إلي جسدي من جديد وأخذ قلبي يضخ الدم في الشرايين ويعيد الحياة إليّ .
وحينئذ أحسست أن الدنيا كل الدنيا لاتسعني وتسع فرحتي ومهجتي .
فإستدرت إليها وأخذت أحوم بخيالي في أثناء استدارتي إليها كيف ستقابلني هل ستحتضني حضنا عميقا طويلا لن ينتهي إلا في الصباح يذوب معه كل جليد بيننا أم ستمطر مقلتاها وعيناي دموعا حتي تنضب من حولهم الأنهارأم ستبتسم إبتسامتها المعهودة وترتسم علي وجهها فرحتها المالوفة عند لقائي ثم نجلس سويا حتي الصباح نتحدث عن حلو الذكريات الماضية وجمال اللحظة الانية وعن المستقبل وما يخفيه لنا من شروق وسرور أم ....
أم.... أم.....
ولكنني سمعت كلمة فور إستدارتي إليها وكأني أسمع صوت النفخ في الصور .
فقالت لي في كل هدوء عفوا نسيت أن أعطيك هذا القرط فهل تضن علي به أم تتركه لي ليمثل ما تبقي لي منك .
ولا أعرف ماذا كان ردي عليها أو كيف عدت إلي المنزل أو متي؟
ولكنني وجدت نفسي علي سريري في الصباح التالي و قد تحول إلي بحيرة من الدموع وكأنني دون وعي أو إرادة مني أحببت أن أغسل بتلك الدموع وامحو بها هذه الفترة من عمري وأطهر بدموعي نفسي وحياتي.