ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ الموبايل والطلاق الصامت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
تكرمت علي صحيفة الوطن اليوم الثلاثاء 14 / 11 / 2017 بنشر مقالي ( وسائل التواصل والطلاق الصامت ) .
وهذا هو نص المقال مع الرابط لمن يحب الاطلاع عليه . علماً بأني نويتُ التوقف عن الحديث عن مساوئ استخدام النت بشكل متواصل وكبير . . . ليكون هذا هو المقال الأخير الذي أخطه عن ذلك ، ولأعود بعدها إلى ما كنت عليه من انغماس في الحديث عن الشعر الصوفي والتراث القديم والمرأة ودمشق القديمة وغير ذلك من مواضيع أدبية أحاول أن أقترب منها .
ــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ وسائل التواصل والطلاق الصامت ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
عَبرةٌ يجبُ أن نطلقَها . . .
ودمعةٌ ينبغي أن نسكبَها . . .
وكلمةٌ لابدَّ من أن نقولَها . . .
لعلَّهُ لا يخفى على أحدٍ أن الابتسامةَ الحنونةَ
الدافئةْ وإنْ كانت مصطنعةْ وأنَّ الكلمةَ العطِرةَ الطيبةْ وإن كانت مُجامِلةْ هي
سرٌّ كبير من أسرارِ السعادةِ الزوجية . . . فكيف بها إن كانتِ ابتسامةً نابعةً من
القلبْ تعبِّر عن سرورٍ باللقاء ؛ وكلمةً صادقةً تشي برغبةٍ في الودِّ وتكشفُ عن
ميلٍ عارمٍ إلى المحبة والصفاء . . .

فما بالُنا اليوم . . .
ما بالنُا اليومَ نرى أُسَرَاً تتحطمْ وأسِرَّةً تتباعدْ
وأولاداً يتشردونْ وآباءً يضيعونْ وأمهاتٍ ينسَينَ أنهنَّ أمهات .

ما بالنا اليومْ . . وقد نسيْنا أهلَنا ونسِيَنا
أولادُنا . . فتضعضعتْ أُسرُنا ، واهتزت أركانُ بيوتنا . . .

ما بالنا اليوم . . . نرى أبناءً تَعِقّْ وأزواجاً
تتنافرْ وأرواحاً تذبلْ .

شُحبةٌ على الوجوه فاترةْ تُنبئُ عن سهرٍ طويل ، ونقرةٌ
في العين نافرة تدل على تعبٍ شديد كبير . . .

أيُّ شبحٍ هذا الذي أتى إلينا فقضى علينا ، وأي عادات
تلك التي سادت بيننا فأنستنا أنفسنا .

لقد كان معظمنا ينعم بحياة أسروية هانئة . . . تفاهمٌ وبساطةٌ
وسعادةٌ وسرور ، فما الذي بدَّل الحال وغيَّر المسار .

لقد وفدت إلينا تكنولوجيا حديثة عبر حضارة أوربية تسهِّل
الاتصالات بيننا . . . والحضارة أمر بديع مفيد والاتصال أمر لا غنى عنه وقد وفَّر
علينا المسافات الطوال واختصر الأوقات المديدة . . .

جاء هذا الموبايل ليخفف عنا عبئاً مادياً ويوفر لنا
أوقاتاً كانت تضيع سدى ، لكننا حوَّلناه إلى مضيعة أكبر وترف أوسع . . .

أن تتحول هذه الأجهزة بين أيدينا إلى متعة . . . وتستفحل
وتستفحل وتستفحل حتى ليغدو استخدامها الترفي ضرورة لا غنى عنها . . . وتزداد
تحكماً بنا وتزداد سيطرة على عقولنا حتى لتكاد تهوي بها . . . فهذا أمرٌ عجيب .

لكن الأعجب من العجب أن نكتشف فجأة أن هذه الأجهزة لا
يتوقف خطرها عند ذلك فقط . . . إنها باتت تتحكم بعواطفنا ، بأهوائنا ، بمشاعرنا ،
بقلوبنا . . . لا بل لقد غدت تتدخل بيننا وبين زوجاتنا وأمهاتنا وإخوتنا وأخواتنا
.

ياللهول . . . ياللهول . . . يا لفداحة ما يحصل . . .
أحقاً ، أحقاً لقد باعدت هذه الأجهزة بين الزوج والزوجة
. . . هل حقاً أن الرجل منا بات حين يجلس أمام صفحته على الفيس ينسى كل ما حوله
ويغدو وكأنه خاضع للتنويم المغناطيسي . . .

أحقا أن الزوجة تفتح على الواتس آب فتنسى نفسها وتنسى
بيتها وأولادها .

أحقاً أن الولد بات يدخل من باب البيت فيهرع إلى غرفته
فورا دون أن يسلم على أهله ظناً منه أن أصدقاءه وصديقاته ينتظرونه في الغرفة فيما
يسمى بـ ( اللمة الافتراضية ) .

أحقا أن الفتاة قد أصبحت تركض مختالة أمام الجميع وتسرع تسرع
لتدخل إلى غرفتها لكي تتحدث مع أحد ما أو أكثر لعدة ساعات .

أحقا أن أحداً لم يعد يتمكن من الجلوس في حافلة النقل
دون أن يتحادث مع أحد على الموبايل . . . وفي أبسط الحالات يجب أن نضع على آذاننا
سماعة من الموبايل تنقل إلينا موسيقا ( تعزلنا ) عما وعمن حولنا .

يا الله . . . ماذا حدث لنا . . . ما الذي أصابنا . . .
منذ برهة قصيرة كنا نتشاكى بين بعضنا من عدم قدرتنا على تأدية بعض الأمور
الاجتماعية والتواصلية الهامة بسبب ضيق الوقت ، فكيف تمكن هذا ( الراوتر ) من أن (
يسرق ) منا معظم الوقت إن لم يكن كله .

ومَن منَّا . . . مَن منَّا يمكنه أن ينكر أن الموبايل
لم يقتنص من وقته الكثير الكثير . . .

أنا لست ضد التكنولوجيا . . . التكنولوجيا أمر ممتع
وجميل ومفيد . . . التكنولوجيا والألكترون هي التي أتاحت للملايين من الأشخاص
الاطلاع على مكتبة الاسكندرية العامرة بملايين الكتب . . . والتكنولوجيا هي التي
أتاحت لنا التخاطب والتقارب مع العالم كله
. . . وهي التي يمكن أن تنقل الحضارات بين أنحاء العالم .

لكن التكنولوجيا ( عندنا ) وبكلمة واحدة قد قامت بأمرين
، لقد قربت البعيد لكنها بعَّدت القريب .

أفلا عودة إلى أصالتنا القديمة . . . نحن شعب راق أنتج
علماء وقدَّم للعالم عظماء ، ينبغي علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع هذه التكنولوجيا
بقدر وألا نجعلها تسرق كل أوقاتنا ، وينبغي أن نعلم ذلك لأولادنا .

ليس الحل بالتوقف عن استخدام التكنولوجيا ، لكن الحل هو
أن نعلِّم أطفالنا كيف يملؤون هم النت بالبديل النافع المفيد .

وإني ما أدري
لماذا نحن نتهافت دوماً على إتهام الغرب بالإساءة إلينا على أصعدة عدة ، بينما
نبرؤه على هذا الصعيد .

يقولون
إنها مواقع للتواصل لكنها في حقيقتها أفقدت التواصل .

لقد
فككت مواقع التواصل الاجتماعي عُرى التواصل الاجتماعي ، وأزالت لحمة التواصل
الأسروي التي كانت سائدة بيننا . . . أو كادت .

قالوا
إنها تقرب البعيد ، نعم إنها في الواقع تقرب البعيد ، لكنها تبعد القريب .

نحن
نتواصل مع صديقنا الحميم في قارة أخرى ، لكننا نتقاطع مع صديق آخر في يقطن في
حيِّنا . . . نقاطع آباءنا وأمهاتنا ، وأخوتنا وأخواتنا . . . ننسى أولادنا ونهمل
زوجاتنا وأزواجنا .

وبما أن كاتب هذا المقال رجل وليس امرأة فإنني أصر على
أننا ــ معشر الرجال ــ ينبغي أن نعترف أنه ما من أحد منا إلى وقد تمكن ذلك النت
من تغيير أو تعديل علاقته مع زوجته وأولاده .

ما من أحد منا إلا وأخذت هذه الشابكة الكثير الكثير من
وقته وسحبت من حيويته ومن صحته ومن أعصابه ومن ماله ومن . . . اهتماماته الأخرى .

وبعد اليوم سوف أطوي هذا الحديث الذي وسنرى جميعا ما الذي
سيكون . . .

سيكون القادم أعظم .
الطلاق الصامت فجيعة كبرى وهو أشد خطرا وفتكا على الأسرة
من الطلاق الحقيقي . . . فجيعةٌ يدفع ثمنها غالياً الأهل والأولاد ، فما بالنا
اليوم نحصد سيئاتها دون أن تحصل .

ندفع الثمن وزوجاتنا على عصمتنا . . . يدفع أولادنا
الثمن وهو يعيشون بين ظهرانينا .

غربةٌ طاغية ومتعةٌ زائلة ومسرةٌ خادعة . . . ضياعٌ
وضياع . . . ذلك هو ما تقدمه لنا تلك الأجهزة الألكترونية . . . إنها ليست قاتلة ،
لكن سوء استخدامها هو القاتل .

نطلِّق بعضنا ونعيش سويا . . . أي عيشة هذه .
نسلِّم على أولادنا وبالكاد يسلِّمون علينا وكأننا غرباء
. . .

من منكم يستطيع أن يعارضني ويقول إن ( علاقته ) مع
الموبايل لم تؤثر على علاقته مع زوجته وأولاده .

ومن منكنَّ تتمكن من أن تصيح في وجهي وتقول : لا . . .
أنا استفدت من هذا الموبايل وعممت الفائدة على زوجي وأولادي .

دعونا نعترف بما نحن وصلنا إليه علَّنا نتمكن من إنقاذ
ما تبقى من أوقاتنا ومن عيوننا ومن أعصابنا ومن حيويتنا ومن . . . صحتنا .

ما هكذا تُستعمل هذه الأجهزة . . .
العولمة سنة الكون فدعونا نسير معها ضمن الجانب الآمن
ونتلافى خطرها على أنفسنا وعلى أولادنا .

لعمري ما أفلح قوم يستقدمون حضارة أقوام أخرى دون أن
يقوموا بتصفية هذه الحضارة وتنقيتها مما يضرهم ويأتي على عقولهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أنس تللو

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي