رسوم المرافقين
لم تكن الكتابة في نيتي .. بل كنتُ أفكر في إعادة نشر كراس"استقالة" على حلقات أسبوعية .. مما يعني إجازة من الكتابة لشهرين أو ثلاثة!
ولكن .. هذه الرسوم الجديدة على"الوافدين" طاردتني .. أمس زارنا أحد "المصريين" العاملين في إحدى المؤسسات .. فأخبر أنه "رحل أسرته" ... وقبل ذلك .. سمعتُ عن مهندسين من إحدى الجنسيات الآسيوية .. "خطتهم" الجديدة .. أنهم يصرفون ثلاثة أرباع دخلهم هنا،ويحولون الربع لبلدهم .. الآن سيرحلون أسرهم،ويصرفون ربع دخلهم هنا،ويحولون الباقي إلى بلدهم.
وآخر،ذكر أن فرع المقاولات في مؤسستهم به (12) عاملا،و(3) مهندسين .. جميعا قرروا المغادرة.
مقدمتان ... الأولى أن كل دولة حرة في ما تختاره من أنظمة تضبط بها أمورها.
الثانية .. أن أمرا إيجابيا حصل،ويستحق التوقف عنده .. إلغاء "البدلات" و"نظام الإجازات الجديد" – إجبار الموظف على أخذ "72" يوما في السنة – الآن "البدلات" أعيدت،و"نظام الإجازات"عُدل .. والإيجابي هنا .. أن الأمر يدخل ضمن المثل القائل : ليس خطأً أن تعود إذا اكتشفت أنك في الطريق الخطأ .. وهذا أمر يُفرح ويُسعد.
سبق لي أن كتبتُ – ذات كُليمة – عن ما عُرف حينها بـ"حملة تصحيح الأوضاع" .. ووجهة نظري،أو يلفت نظري،أننا نتصرف أحيانا كأن الوقت يداهمنا !! مع أن المهم هو أخذ الخطوة الأولى في الطريق الصحيح ..
إبان تلك الحملة،والتي قد تكون استمرت ثلاثة أشهر،أو شيئا من هذا القبيل .. كتبتُ حينها،أن هذه فترة قصيرة عطفا على ضخامة المشكلة وكثرة أعداد من يحتاجون إلى تصحيح أوضاعهم .. وقد ولد ذلك"الضغط"مضاعفه المبالغ التي تكلفها البعض .. حتى قبل أن"المعقب"الذي لم يغتنِ تلك الفترة فلن يغتني أبدا!!
علما أن "معرفة"من لديك .. وكم عددهم غاية في حد ذاتها،بعيدا عن تحصيل الرسوم.
وعليه كانت وجهة نظري أن ينظر إلى كل جنسية على حدة – أو أكثر من جنسية - حسب عددها .. وما يتعلق بها ثم تعطى فترة محددة لتصحيح أوضاعها .. وهكذا ..
أما ما يتعلق "برسوم المرافقين" .. فالأطروحة الأساسية التي أحاج بها .. هي أن يوضع "رسم"معين .. وتكون الغاية منه محددة .. ويعطى فترة سنتين أو ثلاثة .. ثم تُدرس نتائج تلك الرسوم ومدى تحقيقها للغاية .. أو يُنظر في إيجابياتها و سلبيتها .. ثم تتخذ الخطوة التالية.
هذا أحد جوانب القضية .. ولكنها تحتوي جانبا آخر .. هو إلى نظرة الإسلامية – والإسلامية أعلى درجات الإنسانية – بعيدة عن جمود البيروقراطية .. و"الأنظمة"التي تنظر بعين واحدة .. عين الربح والخسارة .. وقد لفتت نظري "تغريدة"لأحدهم .. ذكر عدد المقيمين الذين بلغوا الستين،ثم علق : هذول أيش أستفيد منهم!!
هنا أذكر فقط .. أن "مجلس العموم البريطاني"ناقش فكرة "عدم جواز إبعاد من بلغ الستين من الأراضي البريطانية" مهما فعل!! هكذا يفكر الكفار .. والمسلم يتساءل ماذا يستفيد ممن بلغ الستين!
علما أنني أعرف واحدا – على الأقل – ممن بلغوا الستين .. "يكنس"بعض الشوارع التي أمر عليها في طريقي للعمل .. أراه هناك مما يدنو من "عقد"من الزمان!
لاشك أن بعض القضايا تكون نتيجة تراكمات .. تراكمات عقود .. وعقود ..
لن أقول أن بعض"الشباب"الذين ولدوا هنا لم يروا بلدانهم الأصلية في حياتهم .. بل بعضهم أباه لم ير تلك البلاد .. أو حتى جده!!
وخصوصا في مكة الكرمة والمدينة المنورة .. وبعض أجداد هؤلاء قدموا قبل "الرخاء"مما يشي بنية صادقة في "الهجرة" .. والبعض جاء فارا بدينه .. إلخ.
هؤلاء "حالة خاصة"تحتاج إلى "نظرة خاصة"فهم ليسوا مثل من قدم قبل عشر سنوات .. أو أكثر أو أقل .. فهذا جذوره متصلة ببلده الأصلي .. وشتان بين الحالتين.
تلويحة الوداع : سمعتُ زميلا يقول،ما مفاده .. في كل بلدان العالم يتم تحصيل "ضرائب"من الوافدين .. قلتُ .. صحيح.
ولكن الضريبة تؤخذ على شكل نسبة من"دخل الشخص"لا على شكل مبلغ محدد سلفا .. حتى وإن تجاوز دخل الفرد بكثير .. وكما قلت في البداية .. لكل دولة الحق في وضع الأنظمة التي ترى أنها تحقق مصالحها .. ولكن "التدرج"ودراسة النتائج .. والمقارنة بين الإيجابيات والسلبيات أمر بالغ الأهمية .. خصوصا أن"الوقت"لا يداهم من يريد أن يؤسس لأمر طويل الأمد.. أو يُصلح خللا له جذور تمتد لعقود .. وعقود.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني