تأمل : قيد القدر يُعمي البصر

هذا تأمل .. وقد أمرنا به بالتفكر .. في القرآن الكريم مرارا به
حين قال إخوة سيدنا يوسف:
"قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نسبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب " يوسف 17
كان سيدنا يعقوب على يقين من أن الذئب لم يأكل سيدنا"يوسف" ..
قرأت .. ولا أدري أهومن"القصص" أم ثبت عن الحبيب – صلى الله عليه وسلم – أن سيدنا يعقوب قال لبنيه ما أشد رحمة هذا الذئب .. أكل"يوسف" ولم يمزق قميصه!!
والعجيب أن قصة سيدنا يوسف تشير بشكل لافت إلى "الأدلة"الجنائية ..
"إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" يوسف 26 / 27
موضع التأمل .. أن سيدنا يعقوب – عليه وعلى نبينا السلام – على يقين من عدم أكل الذئب لسيدنا"يوسف"ومع ذلك لم يخبرنا القرآن .. إن كان قد أمر من يذهب للبحث عن ولده المفقود .. ولا أقول للبحث عن"جثته"لدفنها .. فلعله قرأ في رؤيا "يوسف" بعض ما يخفي له الله سبحانه وتعالى.
السؤال: هل أرسل من يبحث عن"يوسف" ولم يخبرنا القرآن؟
هل قيده "القدر" فلم يتحرك .. رغم أن "يوسف" في "الجب" ؟
و"قيده القدر" هذه تذكر بقصيدة نصر بن سيار .. التي نبه فيها "بني أمية"إلى الخطر الذي يحيق بدولتهم .. أعني الأبيات المشهورة :

أرى تحت الرماد وميض نار *** ويوشك أن يكون لـه ضـرام

فإنّ النار بالعـودين تذكـى *** وإن الحرب مبـدؤها كــلام

فإن لم يطفئوها عقلاء قوم *** يكون وقودها جثث وهامُ

وقلت من التعجب ليت شعري *** أأيـقـاظٌ أمـيّـة أم نـيـام

فإن يقظت فذاك بقـاء ملـك *** وإن رقـدت فـأنـى لا ألام

فإن يك اصبحوا وثووا نيامـا *** فقل قوموا فقـد حـان القيـام

فغرّى عن رحالك ثـم قولـي *** على الإسلام والعرب السـلام
لا أعلم متى كتب "نصر" القصيدة"التنبيه" .. ولكنه خرج من مرو سنة 130 .. أي قبل سقوط دولة بني أمية بعامين تقريبا .. فهل قيد القدر بني أمية .. فلم يستفيدوا من تلك النصيحة ؟!
وفي المقابل نجد من نصح "بني العباس" فكتب حين خرج إبراهيم ومحمد"النفس الزكية" على أبي جعفر المنصور
أرى ناراً تشب على بقاع * لها في كل ناحية شعاع
وقد رقدت بنو العباس عنها * وباتت وهي آمنة رتاع
كما رقدت أمية ثم هبت * تدافع حين لا يغني الدفاع
انتهت تلك"الثورة"سنة 145 هـ .. ولم تسقط دولة بني العباس إلا بعد ذلك بكثير .. وبعد أن مرت بمراحلها المتعددة.

وهكذا من كتب الله لدولتهم "الانتهاء" قيد القدر عقلاءهم فلم يحركوا ساكنا .. ومن كتب لهم "البقاء" تنبهوا .. فسبحان الله.

أبو أِشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني