قرأت زاوية المحرر السابقة المتعلقة (بتعليم الكبار)، فتذكرت الخبر الذي بثه التلفزيون أثناء نشرة الأخبار الرئيسية، والمتضمن «تَخرج امرأة في الجامعة، بلغت الخامسة والتسعين مع حفيدتها»، وقد عُرضت لقطة لها، وهي ترتدي ثياب التخرج وتتقدم حفيدتها الشابة.. بعدما حققت حلماً قديماً عاشت معه، وربما غدا هاجساً دائماً لا يفارقها.. حتى تمكنت من تحقيقه على أرض الواقع.. وعادت إلى مخيلتي صورة إحدى الزميلات.. التقيت معها أثناء سنوات الدراسة الجامعية، وكانت متزوجة، ولديها أولاد يدرسون في الجامعة أيضاً، وقد أصرت على متابعة تعليمها رغم انها تعيش حياة زوجية سعيدة مع زوجها وأولادها... وتذكرت كم احتملت من عوائق وصعوبات لتجتاز الامتحان النهائي.. رغم كل الأعباء الحياتية، ومتطلبات الأولاد، وواجباتها الأسرية... وفي أحايين كثيرة كانت تأتي إلى المكتبة، وتجلس ساعات متعددة، تقرأ وتدرس وتحضّر وتكتب، تقول لي: في المنزل لا أستطيع ان أكتب او أقرأ إلا في وقت متأخر بعد أداء واجباتي... آنذاك كنت أتساءل بقرارة نفسي: ما الذي يجبر هذه المرأة على المتابعة..؟!.. وما هذه الإرادة القوية التي تحركها..؟!.
بعد التخرج ومتابعة الدراسات العليا.. والمضي بالعمل.. عرفت ان هناك شيئاً بالذات او فراغاً لا يملؤه إلا التعليم.. ولو بنسبة ضئيلة تتفاوت من شخصية إلى أخرى وفق سلوكياتها وهواجسها وأحلامها، لا يحل مكانها الرجل ولا الزواج وأعباء الأسرة.. ولا أحد يقدّر فرحة النجاح إلا من حصل عليها وتعب للوصول إليها.. وهناك كثيرات يعانين لمتابعة تعليمهن بعد الزواج، ليحققن أحلامهن المندثرة وراء ستار تربية الأطفال، ومستلزمات المنزل، والواجبات العائلية، فلماذا لا تتابع كل امرأة تزوجت باكراً هذه المرحلة الهامة من حياتها، التي تزيدها ثقافة وخبرة وتشغل تفكيرها بأشياء مفيدة، وتغدو قادرة أكثر على احتمال مسؤولياتها، وربما تكون في حالات فرصة لإعادة التوازن النفسي، وزيادة الإحساس المعنوي..
تحية إلى كل امرأة تريد ان تتابع تعليمها رغم ظروفها العائلية، وتحقق هذه الأمنية الخامدة او التي لم تكن موجودة في مخططاتها وبرقت فجأة.. كما يبرق وميض الأمل في ظلام اليأس... ونلاحظ في السنوات الأخيرة ان التعليم غدا لا حدود له.. لا سيما بعد افتتاح الجامعات الخاصة، ووجود الجامعة الافتراضية، والجامعات عن بعد عبر الانترنت... وغدا الانتساب للدراسة متاحاً في اي وقت.

مِلده شويكاني
http://www.albaath.news.sy/user/?id=44&a=3014