للحرية حدود


يسيطر عليها التوتر ، وتطلق نفسها الآهات ، تبكي بحرقة ، تشكو سوء حياتها ، وشعورها بالغربة ، وعدم تفهم أهلها لأحلامها وواقع ما تعيش به ، فهم شكل قديم ، واعتادوا ان يحاسبوها على كل تصرف ، يجب ان تطلعهم ان خرجت من المنزل ، وأن تخبرهم باسم الصديقة التي تحب زيارتها ، وان تبين لهم الساعة التي تعود فيها إلى المنزل ، وان ترتدي ملابس تستر منها كل أجزاء الجسد ، وتظهرها بشكل قديم جدا ، وكأنها جدة كبيرة في السن ، في الوقت الذي لم تبلغ فيه سنتها الثامنة عشرة ، تقول بحزن شديد :
- أهلي لا يفهمونني
- أهلك أناس طيبون ويحبونك ، يبذلون ما في وسعهم لإسعادك
- إنهم يحبونني بطريقتهم القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب ، ولم تعد صالحة لهذا الزمن ، الذي تطور فيها كل شيء ، وحتى العلاقات الاجتماعية ، والأسرية ، ولم يعد الانسان يرضى ان تفرض عليه القيود
- مهلا ، مهلا ، عزيزتي
- إنهم لا يحاولون تفهم ما أريد شرحه ، فيسيطر علي الغضب وافقد القدرة على التوضيح
- حاولي الهدوء حين تتحدثين عما تريدين
تسكت على مضض ، ليس في مقدورها أن تدافع عن نفسها ، تعوزها الحجج المقنعة ، صديقاتها اللاتي في مثل سنها تجد نفسها غريبة عنهن ، فكيف بموقف أسرتها ؟ وصراع الفكر بين الأجيال معروف ، وحتى ان كان الأهل محبين جدا لأولادهم، فان لهم طريقتهم في التعبير عن تلك المحبة ، قد لا يحسنون الأقوال عن مدى حبهم واعتزازهم ، ولكن أفعالهم تتحدث بمحبتهم الكبيرة ، الأولاد زينة الحياة الدنيا ، تسمع كلمات من حاولت الشكوى لهم ، ولا تجد ما تقوله ، فكرها مشتت لا تستطيع ان تنظمه ورغباتها كثيرة ، وعليها ان تعرف أيها المهم وأي منها الأكثر أهمية
- ما الذي أ ثار غضبهم منك ؟
- جلست في غرفتي أدخن بهدوء ، فدخلت أمي علي دون استئذان.
- ولا تعرفين لماذا غضبوا ؟
- ليس من حقهم ، أنا حرة
يبدو على محدثتها عدم التصديق ، أحقا هذا كل ما أثار الغضب ؟
- وكيف تفهمين الحرية ؟
- ...............
تخجل ان تصرح بالسبب الحقيقي ، رأتها أمها تدخن ،قالت لها بهدوء :
- التدخين يضر بك
فانفعلت وصرخت معلنة التمرد والعصيان ، ومزقت قميصها ولطمت على وجهها ، ظلت أمها مشدوهة ، وبدلا أن تعتذر الابنة عما بدر تواصل الصراخ ، تخرج الأم المسكينة من الغرفة وقد استبدت بها الحيرة ، وجهها الناطق بالألم المفجع ما زال ماثلا أمام عين البنت ، هل تملك الشجاعة على التصريح بما حدث ؟ وهل تستطيع أن تعتذر ، والاعتذار من شيم الكبار ؟
تنهمر الدموع من مآقيها وكأنها مطر مدرار ، تسكن نفسها بعض الوقت ، يظهر عليها الهدوء ، هل فهمت أخيرا ، أسباب غضب الأهل ، وانهم محقون كل الحق ، وهل توصلت إلى إدراك معنى الحرية ، وهل ستعيد الكرّة أم تحسن التصرف ؟ وهل عرفت أنها قابلت الإحسان كله بقلب جاحد ؟ والمحبة الكاملة بسوء تصرف؟ الشجاعة تنجيها من مواقف محرجة ،والاعتراف بالخطأ ينقذها



صبيحة شبر