عِلم أن لا تعلم

حيدر محمد الوائلي


قيل أن قول لا أعلم هو نصف العلم، وورد في الأثر أن بعض العلماء قال: (ليس معي من العلم إلا أني أعلم أني لست أعلم).
أن تعلم انك لا تعلم هو ادراك حقيقة. هذا الأدراك هو خطوة مهمة في تحصيل العلم.
أن تعلم انك لا تعلم هو ادراك وجود ثغرة وهو بحد ذاته تفكر وتدبر.
أن تؤمن بداخل نفسك أنك لا تعلم هو علم. علم سيعطيك مجالاً للتأمل كثيراً والتفكر عميقاً والتحري عن الحقيقة بطريقة مختلفة.
هنا تصبح امام خيارين، أما أن تجتهد في سدة ثغرة وحقيقة (لا أعلم) فتصبح بعدها عالماً بها أو أن تبقى تراوح مكانك وتدور وتقع، فتنهض فترواح مكانك فتدور فتقع، ثم تنهض ومن ثم تراوح مكانك ومن ثم تدور ومن ثم تقع. هكذا بكل حروف العطف التي تفيد الترتيب في اللغة العربية.
ربما يروق لك التمرغ بالتراب فتظل متمرغاً فيه طويلاً أو ربما مدى الحياة.
تنمي جهلك غباءاً ليصبح جهلاً مركباً مميزاً.
أن يصبح التميز بالجهل المُغذى غباءاً والاجتهاد بالاستمرار فيه هي الطامة الكبرى واكبر لعنات الماضي والحاضر والمستقبل.


في تصوري إن أحد أسباب عدم الاعتراف بعدم المعرفة هو العناد. هذا العناد في البقاء بتيار ديني ذو أفكار تقلبه الاهواء والميول والنزعات. هذا العناد بدعم انتخابي وفكري لجهة سياسية فاسدة أو ساكتة عن الفساد في هذا المناخ السياسي الذي يتقيأ فساداً منذ سنواتٍ ولازال. هذا العناد بالايمان بفكرة وعقيدة لمجرد كونها متوارثة أو أنها روتينية قد اعتاد الناس عليها.
بوجود العناد تصبح (لا أعلم) عديمة الجدوى حيث ستفشل محاولات سد ثغرتها لوجود عناد سيتركها هكذا مهملة. يتناساها الفرد حتى يغذي ميوله وشهواته بالإبقاء عليها.


كذلك الأمر بالنسبة لكراهة التغيير التي أتصورها من أسباب عدم الاعتراف بعدم المعرفة. فهنالك الكثير من الناس من يكون تغيير روتين حياتي اعتادوا عليه مشقة وصعوبة. ومما يجعل من الأمر أكثر صعوبة هو عدم وجود فكر يرفع من عزمه ومعنوياته في الأعتراف بعدم المعرفة والسعي في طلبها.
من الناس من عنده استحالة تغيير فكرة او عقيدة أو نمط حياتي توارثوها أو اعتادوا عليها فصارت واقع حال يساقون أن يتبعوها.
دون التفكر تصبح وراثة الأفكار والمعتقدات كعبادة الأصنام.
اصنام مقدسة تحل اللعنات والمتاعب على ناقدها والكافر بها.
اصنام مقدسة يتلقاها الفرد بتلقينٍ اعمى هو الاخر مقدس مما يجعل من العمى المقدس طريقة للإبصار وهو مستحيل. هذا المستحيل يرونه واقعاً سهل الإتباع بالرغم من أن لا بصر مع العمى.
فَرِحون بهذا الفكر الجمعي حيث تفرح كل جماعة بتجمعها. ينقاد الكثيرين للفكر الجمعي ولو كان ظلامياً فيصبح فكر التنوير معزولاً، فيتقبلون البقاء بالخطأ بكل سهولة مادام هناك تقديس للجهل.


وأتصور أن من الأسباب التي عززت عدم الأعتراف بعدم المعرفة هو العيش في مجتمع اناني ويعشق التبرير.
أنانياً، حيث يهتم الفرد بحاله دون حال غيره بل حتى لو تضرر غيره بسببه. مثال على ذلك ممن يهتم بنظافة منزله، فلا يرمي الأوساخ في الصالة ولا يبصق في غرفة النوم ولا يرمي القناني الفارغة في غرفة الأستقبال ويجتهد بصيانة منزله وحرمته والحفاظ عليه وحمايته، ولكن ما إن يخرج للشارع حتى يتصرف وكأنه شخص آخر فيرمي الأوساخ بأي مكان ولا يهتم لحرمة ملكية عامة ولا يعر اهتمام لغيره من المواطنين. الأهتمام بالنفس ليس فقط فوق مصلحة الاخرين بل حتى لو تضرر الاخرين بسبب هذا الاهتمام، بل حتى لو تضررت الناس بوظيفة هو مؤتمن على ادائها، بل حتى لو تضرر بلد بأكمله أو تضرر دين بكافة متبعيه.
يعشق التبرير، حيث لكل خطأ هنالك تبرير يدفع عن نفسه الذنب ليلصقه بغيره حتى ولو كان جماد. إن أول طريق النفاق هو خداع النفس بتبرير أعمى.
حتى أن البعض عنده تبرير وحيلة (دينية) أو (سياسية) للتملص حتى لو قُبِض عليه متلبساً.