القيم .. دراسة مقارنة بين قصة عقلة الإصبع بالـ 5 ب وقصة علي مبارك بالـ 6 ب-1
(1)
إن غضضنا النظر عن السلبيتين اللتين أوردتهما عن قصة "مغامرات في أعماق البحار" المقررة على الصف الخامس الابتدائي من قديم- في المقال السابق (إهمال الواقع ، وانتهاك حرمات الآخرين بدعوى طلب العلم في "مغامرات في أعماق البحار" لـ 5 ب) المنشور في 10/4/2017م.
أقول: إن غضضنا النظر عنهما فإننا سنجد القصة تحفل بالقيم الإيجابية بل الإسلامية من مفتتحها إلى مختتمها، وهذه سمة الأعمال البشرية التي تحمل الخير والشر والقوة والضعف؛ مما يجعلها مثالا للأدب الإسلامي الذي ينشر ما لا يتعارض ومبادئه الغراء؛ مما يجعل مقدمة المعدين التربويين لها صحيحة صادقة.
ماذا قالوا فيها؟
قالوا ص3: (قصة "مغامرات في أعماق البحار" إحدى قصص مغامرات عقلة الإصبع، وهي قصة مزجت بين الواقع والخيال، فاستخدم فيها الخيال لتحقيق الأحداث الواقعية التي تفتح أمام التلميذ في هذه المرحلة نافذة يطل منها على عالم البحار وأسراره وما يحويه من مخلوقات وعجائب وغرائب، وتشحذ فكره بمعلومات جديدة مفيدة تساهم في توسيع مداركه في هذا المجال وذلك من خلال أسلوب سهل ممتع ولغة ملائمة للمرحلة السنية للتلميذ).
كيف؟
نجد الحض على قيمة القراءة حضا متنوع الأساليب والطرق، ومعلوم أن ديننا يحض على العلم وطلبه والانتفاع به؛ فقد بدأ بالآي الكريمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 1 - 5]. هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقد قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13، 14].
إذًا، القراءة لها خطر عظيم في الإسلام، وهذا ما أبرزته القصة في صفحات كثيرة ومواقف كثيرة.
كيف؟
من أول فقرة في تقديم أسامة نجد الأسلوب الخبري التقريري الذي يجعل القراءة مكونا من مكونات التلميذ حيث يقول المؤلف عن أسامة: (يحب قراءة القصص حبا جما)، ثم نجد الأسلوب التوظيفي للقراءة في تدعيم رأي الإنسان ص9 حين قالت أماني: (وقد قرأت مرة كلاما جميلا يقول ...)، ثم نجد الأسلوب الخبري التقريري في الاستشهاد في سياق الدراسة المقارنة بين متعة الكبار والصغار في وصف الكبار ص14 حيث يقول أسامة عن الكبار: (وعندما يقرءون القصص والروايات يكونون سعداء). ثم يعود المؤلف إلى الأسلوب التوظيفي للقراءة التي تجعل صاحبها مرنا يألف الجديد عندما قال أسامة عن نفسه ص23: (ما أجمل هذه المناظر المدهشة التي كنت أقرأ عنها وأرى صورها في الكتب). ويؤكد الوظيفة الإثرائية للقراءة التي تجعل صاحبها سباقا رائدا قدوة محطا لسؤال الآخرين ص 59 في حوار الأخوين الذي قالت فيه أماني: (هل هذه غواصة يا عقلة الإصبع؟ قال عقلة الإصبع: لا يا أماني، إنها سفينة الأعماق، وهي تشبه الغواصة، ولكنها مصنوعة خصيصا لاكتشاف أعماق البحار. قالت أماني بدهشة: ولكن كيف عرفت هذا يا عقلة الإصبع؟ قال: لقد قرأت عنها كثيرا، رأيت صورتها في بعض الكتب).
ثم نجد أسلوب المدح غير المباشر في قول أماني ص60: (أنت قارئ ممتاز يا أسامة، ولهذا عندك معلومات جميلة عن أشياء كثيرة). ويتلوه أسلوب المدح المباشر في قول عقلة الإصبع: (إن القراءة شيء جميل لذيذ يا أماني، والكتب فيها كل شيء ... لكني أحب كل أنواع الكتب لأعرف كل شيء عن هذه الدنيا).
(2)
وفوق كل ما سبق نجد إبراز القراءة مصدرا من مصادر المعرفة كما وضحته النصوص السابقة، ولم تكتف القصة بالقراءة مصدرا وحيدا للمعرفة بل زادت مصدرين آخرين.
ما هما؟
أولهما ما ورد ص10 من التجربة الميدانية حيث يقول المؤلف عن أسامة: (وهو لا ينسى الأسبوع الذي قضاه في العام الماضي مع أخته ... وكان سعيدا وهو يرى العمال والمهندسين وهم يستخرجون الذهب الأسود العجيب ...). وقد أكد عقلة الإصبع نفسه ذلك ص81 بقوله: (يجب أن يتعلم الإنسان من تجاربه)، ثم قرن العلم بالإيمان مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ورد في الصحيحين قائلا في الصفحة نفسها: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). وهذا الحديث النبوي يبرز أثر التجربة في اكتساب المعرفة اليقينية أو شبهها.
وآخرهما الأفلام السينمائية العلمية حيث يقول المؤلف ص28 عن أسامة في توظيفه معلومة فيلمية لحل موقف طارئ: (وتذكر عقلة الإصبع أنه سبق أن رأى هذا الحيوان البحري العجيب في فيلم سينمائي اسمه مغامرات موجة بحر ...).

(3)
ثم نجد قيمة الموضوعية التي ينتجها السابق من قراءة ومصادر معرفة أخرى- تتكرر تكرارا ملحوظا.
كيف؟
في الصفحات (6-8) نجد التدليل على الرأي من الواقع في قول أسامة: (الخيال شائق ولذيذ واحيانا يتحقق؛ فالشاطر حسن كان يطير ببساط الريح المسحور والإنسان الآن يطير بالطائرة ...، وكرة البلور ... أصبحت الآن .. على شكل تلفزيون، ... ).
وفي ثنايا هذا الحوار نجد التفريق غير المباشر بين الخيال المرضي والخيال الصحي الصحيح؛ فيقول أسامة ص8: (إن كثيرا من المخترعات المدهشة كانت خيالا في أول الأمر)، وتكمل أماني في الصفحة ذاتها: ( إذا عرف الإنسان كيف يحول هذا الخيال إلى حقائق بالعلم والعمل)، ويؤكد أسامة ذلك في ص9 قائلا: (لك حق في هذا؛ فالخيال وحده لا يكفي). وتوضح أماني جملته الأخيرة قائلة في الصفحة ذاتها: (الخيال وحده لا يكفي، ولا بد معه من العلم الغزير والعمل الكثير حتى يصبح حقيقة واقعة) وقولها: (وقد قرأت مرة كلاما جميلا يقول: لا بأس من أن تبني قصورا في الهواء على شرط أن تعرف كيف تشيد لها أساسا في الواقع).
ومن موضوعية العلم عدم اليأس وتكرار التجربة مرات ومرات حتى تنجح، وهذا ما رأيناه ص78 مكتوبا على شاشة التلفزيون الضخم (التجربة الخامسة لتوليد الكهرباء بطريقة جديدة). وما سمعناه من العالم الكبير الذي قرن العلم بالإيمان منفذا قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)} [الكهف: 23، 24]- في قوله ص81: (واليوم سنقوم إن شاء الله تعالى بتكرار التجربة للمرة الخامسة لعلنا نصل إلى النتيجة الطيبة التي نرجوها).
(4)
ثم نجد القيمة الواقعية الاجتماعية الأسرية التي تتآلف مع السابق في ص10 في توضيح إعجاب أسامة بأخته هالة وزوجها علاء الدين حيث يقول المؤلف عن ذلك: (إن أسامة معجب بعلاء الدين؛ لأنه سافر إلى سيناء؛ ليعمل في آبار البترول. ومعجب بأحته هالة؛ لأنها سافرت مع زوجها علاء الدين للحياة في ذلك المكان البعيد عن العاصمة، وهي سعيدة بهذا؛ لأنها تشترك مع زوجها في بناء مستقبله ومستقبل الوطن).
(5)
ثم نجد عدم مصادرة رأي الآخرين، وهذا نتيجة طبعية لمن يتحلى بالثقافة وتعدد مصادر المعرفة كما سبق؛ فمن عرف أكثر غفر أكثر.
كيف؟
يقول أسامة ص ص 14-15: (هذا رأيك يا أماني، ومن حقك أن تفكري بهذه الطريقة، وأنا تعودت أن أحترم آراء الآخرين ولا أفرض رأيي على أحد؛ فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية). ويكرر أسامة ذلك في منتهى القصة ص 92 بأسلوب وموقف جديدين حيث يقول لأخته أماني أيضا: (ما رأيك يا أماني؟ إننا شريكان في هذه المغامرة، ويجب أن يتشاور الشركاء ليكون كل شيء بينهم بالاتفاق. ما رأيك يا أماني؟).
وكذلك في بقية الحوار الذي انتهى ص 94.

(6)
ثم نجد المعرفة والمعلومات سمة ظاهرة ظهورا لا يحتاج إلى تمثيل، وتأتي في سياق البناء الفني الذي يجعلها تدخل ذهن التلميذ تعليما غير مباشر. وسأشير إليها إشارات رءوس أقلام، منها: حمام الزاجل ص 13 و14 و16، والمرجان ص ص 23-24، والسمك وبعض أنواعه والأخطبوط ص ص 27-28، والحوت وأبو سيف ص30، وأبو منشار ص32، وأنابيب البترول ص35 وموقع استخراجه ص46 وتقريب حياة عماله ص48، والغواصة وسفينة الأعماق والفرق بينهما ص59، ومعلومات جديدة عن الاعماق ص ص 62-63، والإنسان الآلي ص ص 69-70، والاتصالات اللاسلكية والتحكم عن بعد ومزايا الإنسان على الإنسان الآلي ص71، وتوليد الكهرباء ص78 وطرقها ص80، وصياد الإسفنج ص82، والدلافين ص88.
(7)
ثم نجد فزع عقلة الإصبع إلى ربه عند الأزمة.
كيف؟
قال المؤلف عن أسامة ص 24 بعد ضياع أخته وفقدانها ص 24: (وسار يناديها قائلا وهو يدعو الله أن يجدها:
يا أماني يا أماني ** أنت في أي مكان
يا إلهي أنت عوني ** أين يا رب أماني
يا أماني يا أماني ** أين أنت يا أماني)
ويستمر أسامة قائلا لنفسه ص 26: (صبرا صبرا يا أسامة، ليس لي إلا الصبر {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} [البقرة: 153]). ولما وجد سمكة كبيرة تسبح أمامه قال في الصفحة نفسها: (يظهر أن الله استجاب لدعائي، وأراد أن يساعدني ...).
وعاد المؤلف يسرد عنه 31 قائلا: (وضاقت الدنيا أمامه حتى أصبحت أضيق من ثقب الإبرة، ولكنه تذكر قول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 5، 6]. وتذكر قول الشاعر:
ضاقت فلما استحكمت حلقاته ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج)
ثم قال على لسانه: (فقال لنفسه: لا تيأس يا أسامة {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف: 87]). وأكمل حواره الداخلي (المنولوج) ص32 قائلا: (يا أسامة، ليس أمامك إلا الدعاء؛ لأن الله يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]). ثم استرد المؤلف السرد قائلا عن أسامة في الصفحة نفسها: (وهنا وجد أسامة نفسه يقول بقوة وإيمان: يا رب!).
ويستمر الالتجاء إلى الله تعالى في هذه الأزمة في ص34 حيث يقول المؤلف عن أسامة: (وكلما زاد تفكيره زادت حيرته، وقال: يا رب!). ثم جعله يقول في الصفحة ذاتها: (يا رب، ساعدني في حل هذه المشكلة الكبيرة حتى ألقى أماني الصغيرة ...).
وليس هذا المعنى الإيماني هو الوحيد؛ فقد سبق استشهاده بالحديث النبوي ص81، وكذلك نجده في إظهار تعحبه ص90 حين قال: (إن عالم البحار عامر بالعجائب والغرائب والأسرار؛ فسبحان الله الخلاق العليم الذي خلق هذا الكون العظيم)، وكان قد قال ذلك ص63: (سبحان الله الخلاق العظيم). ثم نجده في الصفحة ذاتها يستحضر الآية القرآنية {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]- في قوله: (... والحمد لله القدير الذي اعطى الإنسان العقل والتفكير؛ ليعمر هذا العالم الكبير).
ونجد أماني ص94 تنفذ الآيتين الكريمتين {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)} [الكهف: 23، 24]- في قولها في ثنايا حوارها مع أخيها أسامة: (نذهب إليهما إن شاء الله في وقت آخر).
وعندما غُلب أسامة في حواره مع أخته اماني، ونزل على رأيها قال ص94: (الأمر لله يا ماني).
(8)
هكذا رأينا هذه القصة مليئة بالقيم الإيمانية والعلمية والاجتماعية على عكس قصة علي مبارك التي ملئت قيما سلبية.
كيف؟
سيبين ذلك في الجزء الآخر من هذه الدراسة المقارنة إن شاء الله تعالى!