أفريقيا المظلومة حتى على الخرائط!


انتبه المصمم ورسام الخرائط الألماني كاي كراوس، إلى أن الخريطة التي تظهر أمامنا دومًا كخلفية في الأخبار التليفزيونية، وعلى غلاف الأطلس الذي يقدم للتلاميذ في المدارس، وفي كل مكان تقريبًا نصادف فيه خريطة العالم، هي خريطة مشوهة تزرع في أذهاننا أفكارًا خاطئة حول حجم أفريقيا الحقيقي ومكانتها الموضوعية في هذا العالم. فكل تلك الخرائط مبنية على إسقاط مركاتور الشهير “1569”.




صورة لإسقاط ميركاتور، المصدر: ويكيبديا.
ليس الخطأ هنا عند رسامي الخرائط، فأي محاولة لرسم الكرة الأرضية على سطح مستوٍ، لن تعطينا صورة حقيقية عن عالمنا، ومركاتور نفسه لم يصنع خريطته كي نتعلم منها الجغرافيا، وإنما لكي تبين لنا العالم بشكل مسطح، فتساعد البحارة على التنقل، وتقدم خدمة مهمة للأساطيل التجارية والحربية.


فمن أجل رسم خريطة مسطحة يتم استخدام الخطوط بدلًا من المنحنيات، وتكون النتيجة دائمًا أن المناطق القريبة من القطبين يكون مبالغًا فيها إلى حد كبير، فتظهر “جرينلاند” على سبيل المثال وكأنها في حجم أمريكا الجنوبية، وكثير من الناس نتيجة الاعتياد على مشاهدة مثل تلك الخرائط يظنون أن حجم أفريقيا هو أقرب ما يكون إلى حجم جرين لاند.


أمام هذا كله صمم كراوس خريطة مسطحة لأفريقيا، تظهر حجمها الحقيقي الذي يفوق حجم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والهند والصين واليابان مجتمعين، فأفريقيا بحسب كراوس: أكبر وأعظم مما يتخيل أي أحد.




خريطة كاي كراوس التي يظهر فيها حجم أفريقيا الحقيقي
وإذا كان حجم أفريقيا الحقيقي قد تم تقليصه على الخرائط الشائعة التي نشاهدها كل يوم، فهناك ما هو أهم وأبعد من ذلك، إنه تاريخ أفريقيا قبل الاستعمار الذي يحفل بالمفاجآت المدهشة التي تم التجهيل بها.


قبل أن تسافر عبر الزمن إلى أفريقيا ما قبل الاستعمار


أفريقيا التي تُجبَر 14 دولة فيها حتى هذه اللحظة على دفع ديون ضخمة لفرنسا، مقابل جلاء الاستعمار “صوريًا” من بلادها منذ أكثر من نصف قرن، والتي يعاملها العالم اليوم بوصفها طفلًا لا يستطيع السير وحده، وتُدفع حكوماتها لتطبيق نظريات النمو الاقتصادي المستوردة عنوة من الغرب، والمعتمدة على أفكار التجارة الحرة وخصخصة الموارد الحيوية، هي نفس أفريقيا التي تخبرنا نظريات التطور الجيولوجي بأنها كانت قلب هذا العالم.


فقد تكوَّن هذا العالم في الأزمنة السحيقة من قارة واحدة أو قارتين، تحتل المركز في أكبرهما أفريقيا، ومن ثم تفتتت الكتلة القارية الكبيرة ذات القلب الإفريقي، ليتشكل منها العالم كما نعرفه اليوم، هي أفريقيا التي تخبرنا النظريات التطورية والأنثروبولوجية بأنها كانت موطن نشوء أول إنسان عاقل على سطح الأرض. لكن موطن أول إنسان عاقل صار اليوم متهمًا بالسذاجة والطفولة، وبأنه لا يستطيع السير إلى الأمام بدون وصاية.


في هذا التقرير سنأخذك إلى رحلة شيقة من القاهرة إلى أكرا، ومن الأراضي الزراعية إلى ورش الصناعات اليدوية المتقنة، ومن الكتاتيب إلى الكنائس الجميلة، رحلة شيقة سنرى فيها كيف كانت القارة السمراء تبتكر طريقتها الخاصة جدًا في التطور قبل أن يأتي الاستعمار، ويستغل ثرواتها، ويكتب تاريخها من جديد على النحو الذي يريده والذي يبرر أعماله الوحشية تجاهها.


هذا التقرير سيذهب معك إلى أفريقيا الساحرة منذ 5 قرون، قبل أن تُدمج عنوة كأكثر النقاط هامشية في النظام العالمي، بحيث أصبحت مع بدايات القرن الحادي والعشرين هي أكثر القارات اندماجًا في هذا النظام، في نفس الوقت الذي تُمثل فيه واحدة من أقل النسب من حيث مشاركة صادراتها في التجارة العالمية.


لحظة الدهشة والإنكار.. بنين لا تقل نظافة عن أمستردام!


أفريقيا هي القارة الأولى التي اهتدى فيها الإنسان إلى تجميل الآلة وزخرفة السلاح، وصنع الأعاجيب -المؤرخ ألبير تايل.
ترك لنا الهولنديون الذين زاروا أعماق أفريقيا لأول مرة في القرن الخامس عشر الميلادي، وثيقة شديدة الأهمية تساعدنا على معرفة تاريخ أفريقيا الساحرة وتطورها، فقد كتب الهولنديون حين دخلوا مدينة بنين التي تقع في جنوب نيجيريا حاليًا:


تتشكل المدينة من ثلاثين شارعًا رئيسيًا. وهي مستقيمة تمامًا، وعرضها 120 قدمًا. وعلاوة على ذلك فهناك شوارع صغيرة متقاطعة لا حصر لها. والمنازل متلاصقة بعضها البعض ومرتبة في نظام جيد، ولا يقل هؤلاء الناس نظافة عن الهولنديين، فهم يغسلون منازلهم وينظفونها بدرجة تجعلها لامعة وبراقة كأي مرآة.
بالطبع ينبغي هنا أن نذكر بأن مدينة بنين، التي كانت تضاهي في نظافتها وفي سعة شوارعها مدينة أمستردام الهولندية، قد تم حرقها بعد نهبها على أيدي القوات البريطانية في عام 1897، وما زال المتحف البريطاني يحفل بمجموعة رائعة من المشغولات البرونزية البنينية المنهوبة، وحتى الآن لم تسترجع نيجيريا سوى عدد قليل جدًا من المشغولات اليدوية التي سرقتها بريطانيا المتحضرة.


لكنك قد ترى أن هذا ليس مثالًا كافيًا وربما يكون استثنائيًا، ولا يمكن أن ندلل به على أن أفريقيا كانت ساحرة ومتقدمة قبل الحقبة الاستعمارية، وليست تلك القارة الوحشية التي صورتها الأنثروبولوجيا الاستعمارية بعد ذلك، لهذا فرحلة أخرى عبر الزمن إلى زيمبابواي ربما تؤكد لك الأمر:




صورة إزالة تمثال سيسيل رودس من جامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا بعد شهر من الاحتجاجات الطلابية في عام 2015
سيسيل رودس (1853 – 1902م) الذي يلقب بملك الألماس، حيث كانت شركته “دي بيرز”، تسيطر على 90% من ألماس العالم، عبر استغلال ونهب الثروات المعدنية الأفريقية، أرسل عملاءه لنهب ما يقدرون عليه من الثروات في زيمبابواي، التي سماها على اسمه “ردويسيا”، وحين وصلت بعثة اللصوص كما صارت تسمى فيما بعد، وقفوا مدهوشين أمام الآثار المتبقية من حضارات زيمبابوي (قبل الغزو الاستعماري)، لكنهم سرعان ما قالوا لبعضهم البعض أن من صمم تلك المباني ونفذها، كانوا مجموعة من البيض بكل تأكيد، فلا يمكن أن يبني الأفارقة مثل هذا على الإطلاق.


باختصار بعد وقت كاف من التخريب والنهب، لم يعد شيء ليدل على أفريقيا النظيفة القديمة سوى أطلال الحضارات السابقة، التي تم سرقة معظمها، وصار سهلًا جدًا بعد ذلك أن تساق حول الآثار القليلة المتبقية، أطروحات من قبيل أن تلك الآثار قد بناها كائنات أخرى غير الزنوج الأفارقة قطعًا، كما صار من السهل، أن يطرح مفكرو الاستعمار وفلاسفته نظريات تتحدث عن أن تخلف أفريقيا وفقرها وجمودها الذي صنعوه، هو سمة رئيسية من سماتها.


لقد تصدى مفكرو وفلاسفة الاستعمار إلى مهمة جديدة، كان لا بد أن تتم حتى يتم تبرير وحشية الاستعمار ونهب أفريقيا، تمثلت تلك المهمة في حذف ما ينطوي عليه تاريخ أفريقيا من أدلة تطور ورقي، وإعادة تشكيل هذا التاريخ من جديد، لتظهر القارة، وكأنها موطن كان يسكنه أنصاف البشر والهمجيين، حتى جاء الاستعمار ليحررها من براثن الهمجية والتخلف وينقل أبناءها إلى رتبة البشر.


جزم مفكرون فرنسيون مثل “إميل غوتييه”، و”شارل جوليان”، بأن تاريخ بلدان المغرب العربي، عبارة عن خط أفقي مستقيم لا يسير إلى الأمام، ويسوده الجمود ويخلو من أي روح إبداعية أو إنتاجية، وبأن هذا التاريخ لم يشهد أي تطور منذ 2000 عام، وحتى حين حدثت بعض التطورات، فإنها لم تساهم بدورها في تطوير جذري بجوهر صفات البلاد.


وقد نسج هؤلاء المفكرون نظريات متكاملة عن الشخصية المغاربية، ووصفوها بأنها شخصية تنتمي إلى العصر الحجري ويغزوها الجمود، ويكمن في جوهرها اللاعقلانية وكراهية الإبداع، وأن السبب في ذلك ربما يعود إلى الطبيعة الجغرافية القاسية للبلدان المغاربية.


وعلى كل حال فقد تناسى هؤلاء المفكرون، أنه قبل قرون قليلة جدًا، كان المبدأ الشائع الذي يتردد في أكسفورد هو “غسل الجسد عمل محفوف بالمخاطر”، وفي نفس ذلك الوقت، كان التردد على الحمامات العامة التي تحفل بها كل مدن المغرب، والاهتمام بالنظافة الشخصية، هو طقس أساسي في حياة المواطن المغربي.


كما تناسوا أيضًا أن أول إرهاصات لدراسة الظواهر الاجتماعية بطريقة علمية ومادية؛ وهو المجال الذي يبحثون فيه، كانت قد ظهرت على أيدي رجل مغاربي مشهور للغاية، وهو ابن خلدون الذي يعده البعض مؤسس علم الاجتماع الحديث.


أفريقيا قبل الاستعمار.. هل كانت تحفل بالمُستعبدين؟


يقول الفيلسوف الألماني هيجل أن “العبودية هي خاصية أفريقية بامتياز إذ إن في كل الممالك الإفريقية المعروفة تشكل العبودية مؤسسة محلية وهي تطغى بشكل طبيعي. ورغم أن الأوربيين يبيعون الأفارقة كعبيد في العالم الجديد “الأمريكتين”، لكن مع ذلك فمصير هؤلاء المستعبدين لو بقوا في بلدانهم الأصلية أنكى وأشد بسبب وجود عبودية مطلقة هناك”.


FRANCE-OVERSEAS-GUADELOUPE-HISTORY-SLAVERY-MEMORIALأثبت دارسو تاريخ القارة الأفريقية، وعلى رأسهم المؤرخ وولتر رودني، أن الفيلسوف الألماني لم يكن على حق في تبريره لاستعباد الأفارقة، فالواقع أن العبودية لم تكن مرتبطة بنمط الانتاج والاقتصاد في أفريقيا، وكانت أعداد العبيد محدودة وقليلة في مجمل القارة السمراء، قبل أن يأتي الاستعمار ويسوق أبناء القارة عبيدًا إلى العالم الجديد الذي اكتشفه.


وُجد معظم العبيد في القارة السمراء بالمجتمعات الإسلامية، والتي كان الكثير منها قد انتقل من نمط الإنتاج المشاعي، إلى نمط إنتاج أشبه بالإقطاع، وفي مثل تلك الحالات كان العبيد وسلالاتهم يتواجدون داخل البنية الإقطاعية للمجتمع ككل.


وفي المجتمعات المشاعية في أفريقيا التي لم تكن قد تحولت بعد إلى الإقطاع، عُرف أيضًا مفهوم استعباد أسرى الحرب، لكن سرعان ما كان يتحول هؤلاء الأسرى إلى أفراد عاديين في مجتمعهم الجديد بالتدريج، وذلك لأنه من الصعب أن يتوافر مجال لاستعباد إنسان بشكل مطلق ودائم، في ظل سياق لم يتحول إلى الإقطاع أو إلى الرأسمالية.


أفريقيا ونسختها الخاصة من التطور قبل الاستعمار


من الغباء، الرغبة في أن تصبح أفريقيا شبيهة بأوروبا، باسم مبدأ الشمولية التي يفترض الغرب أنها معيار من معايير العولمة. لقد أراد الاستعمار، باسم التنمية، وهي فكرة غربية تمامًا، أن يغيّر القاعدة الاجتماعية والأسرية لقارة إفريقيا. بمعنى أن كل الجهود الاستعمارية انصبت على فكرة تنمية المدن. وهو أمر لا معنى له، ولا طائل من ورائه. ففي أوروبا كانت المدينة تمثل، منذ القدم، جزءًا من واقعها. أما في جنوب الصحراء الإفريقية، لم يكن الأمر في نفس السياق – الباحث المتخصص في الشئون الأفريقية برنار لوجان.
تحرر الآن معظم الباحثين من تعميم الرحلة الأوروبية في التطور، باعتبارها الرحلة الوحيدة التي يستطيع البشر من خلالها أن يتقدموا، وينجزوا حلولًا لمشكلاتهم، خصوصًا مع تصاعد التشكيك في مدى نجاح تلك الرحلة الأوروبية من الأساس.


كانت أفريقيا في الواقع تمتلك نسختها الخاصة جدًا في التطور والانتقال إلى شكل جديد من التنظيم الاجتماعي متمثل في الدولة الإقطاعية، وهي الدولة التي مهدت نظيراتها في أوروبا لقيام الثورة الصناعية، ومن ثم ازدهار قيم الديمقراطية السياسية، وما يسمى بالعقلانية.


مع حلول القرن الخامس عشر ميلاديًا، كان الأفارقة قد توصلوا في شتى أنحاء القارة السمراء إلى فهم لا بأس به بالطبيعة من حولهم، وبالأخص كل ما يتعلق بالزراعة، وشهدت القارة في عديد مناطقها قبل الاستعمار، استخدام أساليب متقدمة للغاية في هذا الزمن مثل: الدورة الزراعية، والتسميد الأخضر والزراعة المنتظمة للأراضي الرخوة، والزراعة المختلطة، وكان أهم تطور تكنولوجي شهدته أفريقيا بهذا الصدد، هو استخدام الأدوات الحديدية، بدلًا من الخشبية والحجرية، وهو ما فتح الباب أمام ظهور مهارات جديدة في الزراعة، وكان استخدام الأدوات الحديدية، وزراعة الحبوب وصنع الفخار، كلها ظواهر وثيقة الصلة ببعضها البعض.


وقد حدثت تلك التغيرات الجوهرية، في معظم أنحاء أفريقيا، منذ ميلاد المسيح، وكان معدل التطور في القرون العديدة التي تلت ذلك مثيرة للإعجاب والدهشة، بحسب الباحث صاحب الدراسات الرائدة في الشأن الأفريقي وولتر رودني.


جدير بالذكر أنه حين جاء المستعمرون الأوروبيون الأوائل إلى أفريقيا، سخروا للغاية من طقوس الزراعة الأفريقية المتمثلة في التعامل مع الأراضي بالحرق والعزق الخفيف، وعندما قرروا أن يتخلوا عن تلك التقنيات، وقاموا بتقليب الطبقة العليا من التربة كان النتيجة في منتهى السوء، فالتقنيات الأفريقية كانت تتسم بالذكاء الشديد في التعامل مع الطبيعة، والقدرة على التعامل مع إمكانيات الأرض التي قد توحي في البداية بغير حقيقتها. كان الشكل البدائي والبسيط للأفارقة في الزراعة هو الأكثر استجابة لحقائق الطبيعة.


في مصر تحت الحكم الفاطمي، بلغت الصناعة مستوى شديد الرقي، حيث تم نقل الطواحين الهوائية والسواقي من إيران، كما ظهرت صناعات جديدة متقدمة، مثل صناعة الورق، وتكرير السكر، وتقطير الجازولين، والقيشاني، بالإضافة إلى التطور الهائل في صناعة النسيج والجلود والمعادن، وقد استمرت مسيرة التقدم الصناعي هذه في عهدي الأيوبيين والمماليك بعد ذلك.


وفي أكان بغانا بلغ النظام العشائري درجة من التنظيم، تصل إلى أن يأتي شخص من برونج إلى فانتي، على بعد مئات الأميال، فيحصل على كل ما يتعلق بكرم الضيافة بسبب انتمائه إلى العشيرة.


وفي الكونغو كانت المنسوجات المحلية، المصنوعة من ألياف النخيل، قد بلغت درجة كبيرة من التطور، جعلت البرتغاليين الأوائل الذين زاروا البلاد يصفونها بأنها فاخرة. وحين وصل البرتغاليون لأول مرة إلى نهر جامبيا، وأخذوا فكرة سريعة عن طريقة تجارة الذهب هناك، عبروا عن دهشتهم وانبهارهم بالبراعة التي يجري بها تجار ماندنجا صفقاتهم.



(
لقد كنا شعبًا متطورًا، ولنا مؤسساتنا الخاصة، وأفكارناالخاصة عن الحكومة حتى قبل أن يدخل البريطانيون في علاقات مع شعبنا. – المناضل العاجي كيلسي هايفورد، عام 1922.)



محمد عزت
وفي أثيوبيا التي كانت قد بلغت مرحلة الإقطاع بدون أدنى شك، استطاع الإنسان أن يبدع تصورات خلابة عن علاقة الله بالإنسان، فما زالت كنيسة “ديبري بيرهان سلاسي”، التي شيدت منذ أكثر من 5 قرون، باقية لتشهد على ذكاء العقل الإفريقي وإبداعه في نسج تصوراته عما وراء الطبيعة.


يحتوي سقف تلك الكنيسة على رسوم بسيطة مختلفة لملائكة مجنحين، ويتخذ هؤلاء الملائكة أشكال بهائم ورسل وبشر عاديين، والنظر في أماكن متفرقة، يعني أن على الإنسان أن يبحث عن الله في كل مكان، لأنه موجود في كل مكان، والمعنى من تلك الرسوم، أن الله يرسل ملائكته لأبطال المعمورة الذين يبحثون عنه، وهؤلاء الملائكة قد يتخذون أي شكل؛ شكل إنسان أو رسول، أو حتى حيوان لا ينطق.


أفريقيا والديمقراطية قبل الاستعمار




في متحف التاريخ الطبيعي بباريس توجد 18000 رأس إنسان قتلهم الاستعمار الفرنسي، منهم رؤوس قادة ملوك ومهندسين وفلاسفة أفريقيين
الاستعمار من باب الحسنات أينما وجد الاستبداد في الحكم – جون ستيوارت ميل.
كتب أول رئيس جمهورية لكينيا “جومو كينيتا” في عام 1938م، كتابًا أثار الجدل بشدة، كان عنوانه “في مواجهة جبل كينيا”، وكان يجادل فيه بأن أفريقيا عرفت نظم حكم ديمقراطية قبل الاستعمار الأوروبي، وأخذ نموذجًا محددًا هو ما أسماه “ديمقراطية جماعة الكيكو التقليدية”، فهل حقًا كانت أفريقيا في طريقها لصياغة ديمقراطية خاصة بها؟


يجادل الباحث كريبسو ديالو، بأن المجتمعات الأفريقية القديمة كانت تؤسس لمفاهيم الديمقراطية المباشرة لإدارة شئونها، وأن أفريقيا امتلكت منذ القدم، وربما أقدم من أي مكان آخر، مؤسسة سياسية ديمقراطية هي مؤسسة حكم الشيوخ الكبار من ذوي الحكمة، والخبراء بالحياة.


وقد شهدت أفريقيا السوداء قبل مجيء الاستعمار أشكالًا سياسية يراها البعض أنها تؤسس للديمقراطية حقًا.


-الشكل الأول


كانت تمارس السلطة فيه من خلال وجود سلطة سياسية مركزية، وقائد للدولة معترف به من قبل كيانات الجماعات الفرعية المُشكلة للبلاد.


ورغم أن هذا النظام في ظاهره مركزي يتحكم فيه فرد، إلا أن الثقل فيه يكون للجماعات الفرعية، وفي هذا الشكل كانت عضوية الفرد العادي في جماعة فرعية تجعله بالتبعية عضوًا في النظام السياسي، حيث كانت تلك الجماعات الفرعية هي المنوطة بتحصيل الديون وصناعة الأسلحة وجمع الغذاء وحل المنازعات العشائرية، ومن ثم الدفاع المسلح عن كيان وحدود الدولة. في هذا النموذج كان الثقل يقع في قاعدة الهرم السياسي.


كان هذا الشكل من التنظيم للسلطة منتشرًا في معظم أرجاء أفريقيا السوداء. عند البمبا في تنزانيا، والأشانتى في غانا، والهايا والشمبالا في تنزانيا، والهوسا في نيجيريا، والبالويا في زائير، واللور واللنج في أوغندا.


وعند الأشانتي بالخصوص كانت الديمقراطية متجذرة في نظامهم أكثر من أي مكان آخر، حيث كان هناك مجلسًا خاصًا ممثلًا للجماعات الفرعية، هو الذي يمتلك حق اختيار الحاكم، ويمتلك أيضًا حق إقصائه، في حال إذا رأوا أنه قد أخل بتحقيق أهداف المجتمع، فالمجلس هو الجهة الوحيدة الذى يختار الحاكم الأعلى الملك ويملك حق إقصائه فى حالة عدم وفائه بتحقيق أهداف المجتمع.


علاوة على ذلك كانت كل جماعة فرعية تمتلك حكومة مصغرة خاصة بها تمارس اختصاصات القضاء، والزواج، وجمع الديون والضرائب.


-الشكل الثاني:


درجة المركزية فيه أعلى، لكنه يقوم على وجود مجتمعات ذات كيانات قوية تحتوي المجال العام، وتكون حلقة الوصل بين العشيرة أو القرية من جانب والسلطة المركزية من جانب آخر، وقد شاع هذا النموذج في القارة أيضًا، تحديدًا في سيراليون وليبيريا وساحل العاج.


يخلص كريسبو ديالو، إلى أن التجربة العامة للحكم والسياسة فى إفريقيا، كانت تحمل في داخلها آليات توازن بديعة، تضمن إلى حد بعيد عدم إساءة استعمال تلك السلطة فيما لا يحقق المصالح العامة والمستدامة للجماعة المحكومة.


فالعقل الأفريقي قد توصل من خلال تجربته الخاصة في تطوير مؤسساته السياسية، إلى ما يعرف بالإجماع وذلك منذ فترة زمنية مبكرة، والمجالس التي كانت تمثل الجماعات الفرعية كانت تقوم بدورها في إقصاء الحاكم إذا حاول أن يستبد، ويخالف مصالح الجماعة، وبالفعل يخبرنا التاريخ أن قبائل الأشانتي قد خلعت ملوكها، وسيرت أمور البلاد بنفسها في أكثر من مرة.


صحيح أن تلك التجارب لم تكن مدونة على هيئة مصنفات في الفلسفة السياسية، وذلك لأن العقل الأفريقي كان براجماتيًا وواقعيًا جدًا في هذا الصدد، وكان يمارس الديمقراطية دون أن يكتبها، لكن الأكيد أن أفريقيا كانت تمتلك خبراتها في ممارسة الديمقراطية قبل الاستعمار، وكانت بصدد تطويرها أيضًا.


أفريقيا الأمية!.. التعليم في مصر وفرنسا قبل حقبة الاستعمار


Sudanese Sufi students recite verses of
“لقد وضع اللورد كرومر (المندوب السامي البريطاني في مصر بعد الاحتلال)، قيودًا على التعليم، وتم إلغاء سياسة الدولة السابقة القائمة على توفير فرص التعليم مجانًا لأبناء وبنات الدولة المصرية، وتتضح في هذا السياق سياسة الاحتلال البريطاني في قصر التعليم على بنات الطبقة العليا دون أن يكون موجهًا لخدمة الحياة الاقتصادية في الدولة المصرية” – الباحثة جوديث تاكر صاحبة كتاب نساء مصر في القرن العشرين.
بشكل عام لا يمكن أن ننكر كون الثقافة في عموم أفريقيا بالقرون الوسطى، كانت ثقافة شفوية بالدرجة الأولى، وكان ذلك مما سهل على الاستعماريين القول بأن الشعوب الأفريقية شعوب أمية، رغم تأكيد الباحثين في الشأن الإفريقي على البراعة المذهلة التي تتحلى بها الثقافات الشفوية السمراء في استخدام الكلمات والتصرف بها.


لكن هذا كان متعلقًا بالمجتمعات الأفريقية غير المسلمة، أما في أفريقيا المسلمة التي تشكل مساحة شاسعة من القارة، كان الأمر مختلفًا جدًا.


فالدين الإسلامي يحض على التعليم، ومن ثم انتشرت الكتاتيب التي تعلم اللغة والحساب، فضلًا عن المؤسسات الأخرى التي يستكمل فيها الراغب نهمه المعرفي، وكان من الطبيعي أن يمتلك رجل ذو تجارة متواضعة بشمال أفريقيا كتبًا تعالج مختلف موضوعات الحياة.


وفي نفس هذا الوقت، تحديدًا مع نهايات القرون الوسطى، كانت الكنيسة الكاثوليكية تقف أمام انتشار التعليم وتحاربه في أوروبا، وبالتالي في حين كان التعليم مقتصرًا على قلة قليلة من سكان أوروبا، كان المشهد على النقيض تمامًا من ذلك في البلدان الأفريقية المسلمة.


أفريقيا بداخلها البلد الأغنى والمدينة الأكثر تنظيمًا في العالم




لوحة تظهر مانسا موسى ملك مالي، في رحلة حجه الشهيرة إلى مكة 1324م، والتي وزع فيها كمية مهولة من الذهب على الفقراء الذين صادفهم في طريقه، وتسببت الكمية المتصدق بها في انخفاض أسعار الذهب بالعالم كله.
هذا ليس حلمًا، لقد كان ذلك حقيقة معيشة، ففي القرن الرابع عشر كانت أغنى ثلاث بلاد في العالم هي العراق والصين ومالي. كانت مالي تنتج ما يعادل نصف إنتاج العالم من الملح والذهب، وعندما سقطت الصين والعراق على أثر حملات التتار، أصبحت مالي هي الأغنى على الإطلاق.


أما بالنسبة للمدينة الأكثر تنظيمًا في العالم، فهذا هو الوصف الذي أعطاه الرحالة الشهير ابن بطوطة على مدينة كيلوا، التي تقع في تنزانيا الآن، وقد وصفها أيضًا، بأنها واحدة من أجمل المدن في العالم.
المصدر:
http://www.sasapost.com/pre-colonial-africa/