سورة يوسف نزلت في(عام الحزن):


فخامة سورة يوسف !!


هذه هي السورة الوحيدة في القرآن التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها، لذلك قال الله تعالى عنها أنه سيقص على النبي صلى الله عليه و سلم :
" أحْسنَ القَصَص " و هي أحسن القصص بالفعل – كما يقول علماء الأدب و خاصة المتخصصين في علم القصة- فكل عناصر القصة الجيدة متوفرة بها من التشويق ، و استخدام الرمز ، و الترابط المنطقي ...و غير ذلك ،فهي تبدأ بحلم، و تنتهي بتفسير هذا الحلم .
و من الطريف أن قميص يوسف استُخدم كأداة براءة لإخوته ، فدل على خيانتهم ... ثم استُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه ، فبرَّأه!!


و نلاحظ أن معاني القصة متجسِّدة و كأنك تراها بالصوت و الصورة، و هي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها و من أبدع ما تتأثر به ..
و لكنها لم تجيء في القرآن لمجرد رواية القصص و لكن هدفها هو ما جاء في آخر سطر من القصة و هو :
" إنَّهُ مَن يتَّقِ و يَصبر،فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين "
فالمحور الأساسي للقصة هو :
( ثِق في تدبير الله ، و اصبر و لا تيأَس ).


و الملاحظ أن السورة تمشي بوتيرة عجيبة مفادها أن الشيء الجميل قد تكون نهايته سيئة و العكس !!!!!
فيوسف أبوه يحبه - و هو شيء جميل .. فتكون نتيجة هذا الحب أن يُلقى في البئر !!!
ثم الإلقاء في البئر شيء فظيع ، فتكون نتيجته أن يُكرَم في بيت العزيز !!
ثم الإكرام في بيت العزيز شيء رائع، فتكون نهايته أن يدخل يوسف السجن !!
ثم أن دخول السجن شيءٌ بَشِع ، فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر !!!!
و الهدف من ذلك أن تنتبه أيها المؤمن إلى أن تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكك فلا تشغل نفسك به، و دعه لخالقه يسيِّره كما يشاء وفق عِلمه و حِكمته ...
فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُ بالإحباط و لم تفهم الحكمة منها ، فلا تيأس و لا تتذمَّر ، بل ثِق في تدبير الله ، فهو مالك هذا المُلك ، و هو خير مُدبِّر للأمور .
كما يفيد ذلك في أن الإنسان لا يجب أن يفرح بشىء قد يكون ظاهره رحمة ، و لكنه يحمل في طياته العذاب !!!!! و العكس .


و العجيب أنك في هذه السورة لا تجد ملامح يوسف النبي ، بل تجدها في سورة " غافر "...
أما هنا فقد جاءت ملامح يوسف الإنسان الذي واجه حياة شديدة الصعوبة منذ طفولته ، و لكنه نجح .
ليقول لنا : إن يوسف لم يأتِ بمعجزات ، بل كان إنساناً عاديَّاً و لكنه اتَّقى الله .. فنجح !!!!
و هي عِظة لكل شاب مُسلم مُبتَلى .. أو عاطل و يبحث عن عمل ... و أمل لكل مَن يريد أن ينجح رغم واقعه المرير .


فهذه هي أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس ، قال تعالى :
" فلمَّا استَيأسوا منهُ خَلَصوا نَجِيَّا "80
" و لا تيأسوا مِن رَوحِ الله إنَّهُ لا ييأسُ مِن رَوحِ الله إلا القومُ الكافِرون " 87
" حتى إذا استيأس الرسلُ و ظَنُّوا أنََّهُم قد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا "110


و كأنها تقول لك أيُّها المؤمن :
" إن اللهَ قادر ... فلِمَ اليأس " ؟


إن يوسف رغم كل ظروفه الصعبة لم ييأس و لم يفقد الأمل ... فهي قصة نجاح في الدنيا و الآخرة :
في الدنيا :
حين استطاع – بفضل الله ، ثم بحكمته في التعامل مع الملِك - أن يُصبح عزيز مصر ‍.
و في الآخرة :
حين تصدَّى لامرأة العزيز و رفض الفاحشة ، و نجح.


و لقد نزلت هذه السورة بعد عام الحزن حين كان النبي صلى الله عليه و سلم على وشك الهجرة و فراق مكة ..
وهنا نلاحظ أشياء مشتركة بين يوسف و النبي صلى الله عليه وسلم:
يوسف ترك بلده فلسطين ،
و النبي على وشك ترك مكة أحب البلاد إليه .
ويوسف فارق أهله،
و النبي فارق أهله.
و يوسف انتصر....
و كأن الله تعالى يريد أن يقول للنبي صلى الله عليه و سلم :
إن يوسف مر بظروف مشابهة لظروفك .. و لكنه انتصر و كذلك أنت ، سوف تنتصر مثله بإذن الله !!!
و لقد كان الرسول وصحابته في أمس الحاجة لهذه المعاني فقد نزلت السورة و هم في مرحلة معنوية هابطة .
و لعل هذا يذكِّرنا أيضاً بمرحلة الهبوط الشديد الذي تعاني منه الأُمة اليوم .. و كأن الله تبارك و تعالى يقول لنا :
" لا تيأسوا فالنجاح قادم " .


فهذه السورة تعلِّمنا الأمل .. و لكن تذكَّر أنه بعد النجاح مطلوب منك التواضع .
لأن النجاح فضلٌ من الله .. فلا تدع غمرة النجاح و نشوة الانتصار تنسيك التواضع لله ،
و ليكُن قدوتك في ذلك يوسف عليه السلام حين قال في نهاية القصة في الآية(101)
" ربِّ قد آتَيتَني من المُلك و علَّمتَني من تأويلِ الأحاديث * فاطِرَ السماواتِ و الأرض ِ* أنت َولِيِّي في الدنيا و الآخرة * توفَّني مُسلِماً و ألحِقني بالصالحين "...


و كأن الصالحين سبقوه و هو يريد اللحاق بهم .


ف هذه السورة .. كما قال العلماء :
" ما قرأها محزون ٌإلا سُرِّي عنه "


اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا و نور ابصارنا و شفاء صدورنا و اجعله حجة لنا لا علينا


طابت أوقاتكم بذكر الله


#محمد الصافى