قراءات في كتاب: ثيودور هرتزل وتأسيس الدولة اليهودية

المؤلف: شلومو أفنيري

الناشر:

Der deutschen Ausgabe Jüdischer Verlag im Sukrkamp Verlag

تاريخ النشر: 2016

عدد الصفحات: 362

يُعتبر بروفيسور العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس شلومو أفنيري ذو الأصول البولندية من المُتَخصصين في الفكر الصهيوني وتاريخ الفلسفة السياسية. كَتب أفنيري عددًا من المؤلفات التي تتعلق بتاريخ الفكر السياسي والفلسفي عن: موشي هس، وكارل ماركس، وهيجل. بالإضافة إلى المصنف الذي يَتناول السيرة الذاتية لثيودور هرتزل ودوره في تأسيس الدولة اليهودية. ولقد تُرجمت كتب شلومو أفنيري إلى أكثر من عَشرة لغات. أهمها: الألمانية، والفرنسية، والروسية، واليابانية. بالإضافة إلى نَشاطه الأكاديمي وإشغاله مناصب مُختلفة. كان أهمها: عَميد كلية العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس. كما نشِطَ كذلك في مجالات سياسية وحِزبية في “الكيان الصهيوني” حيث شَغل -على سَبيل المثال- مَنصب مُدير عام في وزارة الخارجية بين عامي 1975 و1977.

تأتي أهمية عرض هذا الكتاب من ناحية إعطاء منظور جديد للقارئ العربي عن كيفية نشر الصهيونية لأفكارها، وكيف تَطرح وتُناقش وتجادل لتأسيس ادعاءاتها – ليس فقط – ضمن الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية، بل على المستوى الدولي. أيضًا فإن هذا الكتاب يُقدم للقارئ العربي نظرةً جديدةً تُسهل فهم المؤثرات وسمات مؤسس الصهيونية هرتزل، وما هي الخطوات التي عمل عليها جاهداً لتأسيس كيان صهيوني كحلٍّ للمسألة اليهودية في أوروبا.

كتاب الدولة اليهودية في الأصل صنِّفَ ضِمنَ الخيال الأدبي[1] ومع ذلك فلقد شَرح فيه بتفصيل كبير كيف يجب أن تُؤسس هذه الدولة “اليهودية”. واهتم بأصغر التفاصيل كعلم الدولة؛ فبالنسبة لهرتزل “فإن العَلم ليس مجرد قطعة قُماش، فبه يستطيع الشخص أن يقود الناس أينما أراد إلى أرض الميعاد” (ص158). هذا الخيال الأدبي الواسع بالرغم أنه يظهر مغرقاً في الحلم، فإن هرتزل – كما يبدو- كان مقتنعًا بقابليته للتطبيق كمشروع سياسي لحل المسألة اليهودية، وذلك لخبرة كاتبه واهتمامه بأشد التفاصيل. هذه الأفكار التي وردت في كتاب الدولة اليهودية وحَّدت كثيرًا من تيارات يهود أوروبا خلفها، وقادتهم لبدء عملٍ سياسيٍّ مشترك لإقامة وطن لهم خارج أوروبا.

يتكون الكتاب من مُقدمة وتسعة فُصول. يُنوِّه أفنيري في المقدمة إلى أن هرتزل لم يَكن أول من أراد تأسيس مُجتمعٍ لليهود، فهناك عَددٌ من الأسماء والمنظمات التي سَبقت مَشروعه. أهمها: موشي هس[2] في كتابه “روما والقدس” الذي صَدر عام 1862. أيضًا ليون بينسكر[3] في كتابه “الطريق إلى الحرية” الذي نُشر سنة 1882. إضافة إلى بعض الأسماء التي حاولت إيجاد حلٍّ للمسألة اليهودية كمُنظمة هوفيفي زيون[4]، التي قَررت في بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر البدء بإنشاء مُستوطنات يهودية في فلسطين.

مع هذا وَرغم صُدور عَددٍ من الكُتب والخُطط والمشاريع لإيجاد حلول للمسألة اليهودية، فإن نَشاطات هرتزل تَميزت بالحزم والحسم في إنشاء هَيكلية مؤسساتية وتَنظيمية أدت إلى تَسليط الضوء وإثارة اهتمام الرأي العام الدولي والقيادات السياسية بمشروع الدولة اليهودية. لقد بدأت شخصية هرتزل تظهر إلى العلن عندما كان في الخامسة والثلاثين من العمر حيث وبعد أقل من تسع سنوات على ظُهوره الأول، تَمكن هرتزل- حسب المؤلف- من أن يرفع مستوى طرح “المسألة اليهودية” إلى المستوى العالمي، كمشروع واقعي قابل للتطبيق وليس مجرد حلم مِثالي (ص12). جاء الفصل الأول بعنوان “القدس” (ص15)، حيث يَسرد المؤلف بالتفاصيل نشاطات هرتزل السياسية ومُحاولاته المُتكررة للقاء القيصر ويليم الثاني، حيث كان هرتزل يأمل بإقناع القيصر أن تتولى ألمانيا الوصاية على فلسطين لإنشاء مستوطنات يهودية فيها. التوجه للقيصر الألماني كان له عددٌ من الأسباب. أهمها: ضعف موقف فرنسا حينذاك على المستوى الدولي في مقابل ألمانيا، أيضًا العلاقات الطيبة للقيصر ويليم الثاني بالسلطان العثماني[5] (ص27). إضافةً إلى تفاصيل لقاء هرتزل مع القيصر ويليم الثاني يُسلط هذا الفصل الضوء بإسهاب على مشاعر هرتزل عندما زار فلسطين مع صديقته في السادس والعشرين من أكتوبر في عام 1898، حيث أمضى معظم الوقت في مدينة القدس (ص32). لقد كانت لهذه الزيارة- حسب الكاتب- أهمية فائقة في فكر هرتزل؛ حيث أمضى معظم الوقت في التأمل والتفكير، وذلك لأسباب مُتنوعة منها: أن هذه الزيارة الأولى لفلسطين أعطته قناعةً بأن فلسطين تُشكل بالنسبة له المخرج الوحيد المستقبلي والأمل الأخير لليهود في العالم. كما شكَّلت هذه الزيارة نُقطة تَحول في تاريخ الحركة الصهيونية عندما التقى هرتزل القيصرَ الألماني ويليم الثاني في فلسطين، حيث كان الأخير قد أتى لزيارتها أيضاً. إذ لم يحصل في التاريخ قط أن مُمثلاً لليهود التقى مع شخصية حاكمة رفيعة بهذا المستوى لمناقشة إمكانية إقامة وطن قومي لليهود (ص46).

في الفصل التالي الذي حمل عنوان: “الانزعاج من التحرير” (ص48). يَزعم شلومو أفنيري أنه لم يكن يوجد أي سُبل متاحة لعمل اليهود في المدن الأوروبية الكبرى قبل الثورة الفرنسية، لكن مع نهاية القرن التاسع عشر اختلفت الصورة بشكل كامل. حيث وخلال جيلين أو ثلاثة أجيال لم يصبح فقط بإمكان اليهود العيش في المدن الأوروبية الكبرى بل إنهم أصبحوا مواطنين لهم شأن واعتبار (ص52). مع بداية عام 1900 أصبح واقع اليهود مُختلفًا كليًّا في أوروبا، حيث ظَهر لهم دور مهم في مجالات وقطاعات مُختلفة على المستوى السياسي والاقتصادي والأكاديمي، هذا أدى إلى انتقال اليهود من الأطراف إلى المراكز والعواصم الكبرى حتى أن عددًا منهم أصبح على رأس الهرم القيادي في المجتمع (ص56).

يوضِّح هذا الفصل أيضاً أن هناك فرقاً في المعاداة الأوروبية لليهودية واليهود؛ ففي الماضي كانت هذه العداوة ضد اليهود نابعة من الديانة المسيحية، لذلك كانت تُسمى معاداة اليهودية. أما منشأ العداوة اللاحق فكان ذو طبيعة مُختلفة نابعة من الاختلاف العرقي والإثني، ولذلك تغير الاسم من معاداة اليهودية إلى معاداة السامية في الزمن المعاصر (ص63).

يَنتقل شلومو أفنيري في الفصل الثالث إلى ذكر تفاصيل أوسع عن حياة هرتزل حيث اختار عنوان “بودابست- فيينا- باريس” (ص82) وهي المدن التي نشأ وترعرع فيها. لقد وُلد هرتزل في الثاني من مايو 1860 لعائلة تقطن وتعمل بشكل دائم في بودابست، وعندما كان في التاسعة من عمره انتقلت أسرته إلى العيش في فيينا، حيث كانوا يَتحدثون في البيت الألمانية والهنغارية، إضافة إلى تبادل بعض الكلمات العبرية. في عام 1889 تزوج هرتزل “يولي ناشايور”، لكن لم يكن زواجه منها مُتجانساً، ظَهر ذلك من خلال مكتوب لوالد زوجته عام 1891 يخبره بنيته الطلاق منها، بالرغم من أنها كانت حامل بابنته الثانية (ص90). قَرَّرَ هرتزل أن يُسافر ويمكُث في فرنسا وإسبانيا، وكانت نيته أن لا يعود إلى بيته وزوجته في فيينا. خلال زيارة له إلى جنوب فرنسا عُرض عليه أن يُصبح مُراسل صحيفة ليبرالية ذات شهرة في فيينا، فقَبِل هرتزل العرض لكونه مفيدًا جدًّا لمُستقبله المهني، أيضًا كان ذلك حجة له لكي لا يعود إلى زوجته التي تَقطن في فيينا. خلال عَمله في فرنسا ما يقارب الأربع سنوات أرسل هرتزل مئات المقالات والتقارير والتحاليل عن الوضع السياسي والاجتماعي في فرنسا (ص91). لقد كانت فترة عمله في فرنسا ذات أهمية؛ حيث اكتسب خبرة سياسية واسعة ومعرفة أكبر بموضوع المسألة اليهودية واليهود؛ فقد كانت من المسائل التي تركزت عنها كتاباته[6].

الفصل الرابع جاء بعنوان “بين الخيال الأدبي والإجراءات السياسية” (ص124). بعد مرور عام على نَشر كتاب الدولة اليهودية الذي صَدر عام 1896، نَجح هرتزل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول. ولكن تَحليل هرتزل السياسي والاجتماعي للمسألة اليهودية أوصله إلى نتيجة مفادها أن المسألة اليهودية تُحل فقط من خلال إطار دولي واتفاق أممي، هذا النهج ترك بصمته على عمل الحركة الصهيونية وآلياتها (ص126). هرتزل كان يُؤمن أن اليهود ليسوا في خطر في النمسا فقط بل في كل أرجاء القارة الأوروبية (ص136)، لذلك كانت كُل كتاباته ونشاطاته ذات غاية واحدة، هي إيجاد مكان خارج أوروبا يؤوي اليهود (ص139).

في الفصل الخامس الذي جاء بعنوان: “من المسألة اليهودية إلى الدولة اليهودية: إعادة انبعاث المجتمع اليهودي” يتحدث الكاتب عن كتاب الدولة اليهودية حيث يشير إلى أنه ليس من المُبالغة الادعاء أنه لا يوجد كتاب في الآونة الأخيرة انتشر بسرعة ووجد قُرّاء بهذا الشكل مثل كتاب الدولة اليهودية (ص165)، فما أن ظهر الكتاب حتى بدأت تَظهر له ترجمات للغات مختلفة مثل الإنجليزية، والعبرانية، والفرنسية والروسية والبولندية والهنغارية وغيرها من اللغات الأوروبية وغير الأوروبية. هذا ما جعل من هرتزل الذي لم يكن يَمتلك أي مَنصب سِياسي شخصيةً ذائعة الصيت بين يهود العالم. ويُبيِّن الكاتب كيف أن جُهد هرتزل ومخططاته وأفكاره في كتاب الدولة اليهودية كجُهد مؤسساتي لا يوجد له نظير في التاريخ اليهودي، إلا ما كان يملكه اليهود قبل ثمانية عشر قرنًا أي: “قبل تدمير الدولة اليهودية” (ص199).

في الفصل السادس: “الاجتماع التأسيسي: مؤتمر بازل” (ص200). في الاجتماع التأسيسي في بازل كان عدد الحضور أقل من 200 شخص، و شاركت فيه 89 مُنظمة وجمعية فقط، بالرغم من ذلك فإن هرتزل اعتبر هذا المؤتمر حجر الزاوية في تأسيس الدولة اليهودية حيث قال: – بعد المؤتمر- إذا أردت تلخيص مؤتمر بازل بكلمات فإنني أقول: لقد أسست في بازل الدولة اليهودية […] ممكن أن يكون ذلك في خمس سنوات، على كلٍّ، بعد خمسين سنة الكل سيرى تلك الدولة […]” (ص200). يُؤكد شلومو أفنيري أن هرتزل كان أول من أدرك أن الحركة الصهيونية لن تؤسس الاعتراف بها بدون سلطة مؤسساتية، أي هيكلية تنظيمية تمثل اليهود في العالم (ص201).

في الفصل السابع: ” أرض قديمة جديدة: خُطة عمل وليس مجرد رواية” (ص231). صَدرت هذه الرواية لهرتزل عام 1902، وترجمت إلى لغات عدة أهمها العبرية واليديشية والإسبانية. الرواية عبارة عن برنامج عمل قابل للتنفيذ وليس مُجرد رواية خيالية مبنية على التكهنات، ويمكن تصنيف هذه الرواية ضمن روايات الخيال العلمي المُستقبلي. فهذه الرواية كانت – بشكل أو بآخر- خُطة هرتزل ورؤيته لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. يُذكر أن هرتزل دعا إلى المساواة الكاملة بالحقوق والواجبات وعدم التفريق بين المواطنين سواء كانوا يهودًا أم عربًا، بل إنه كَتب فصلين كاملين ينتقد التعصب الديني ويرفض أن يكون اليهود فقط لهم الحق في هذه الأرض (ص247-251). يُشار أيضا إلى أن هذه الرواية لم تعتمد على الادعاءات والمزاعم الدينية، بل كانت اجتهادًا شخصيًّا لهرتزل لأجل حل المسألة اليهودية في أوروبا ومعاداة السامية من خلال إنشاء وطن لليهود في فلسطين.

الفصل الثامن: “العريش- كيشيناو- أوغندا: من السراب إلى الحقائق الواقعية” (ص280). بعد فَشل إمكانية استيطان اليهود في سيبيريا، حاول هرتزل الحصول على ضمانات لليهود للاستيطان في سيناء والعريش في مِصر، لتبدأ مع هذا الاقتراح الخطة الصهيونية “خطة العريش” إلا أن شُح المياه فيها حال دون تحقيق هذه الخطة (ص285-286). في عام 1903 وقعت حادثة ضد يهود في كيشيناو في غرب روسيا، حيث قُتل حوالي 50 يهوديًّا وجرح أكثر من200، وأحرقت مساكن ومتاجر لليهود (ص301)، هذه الأحداث أثرت بشكل مباشر على نشاطات الحركة الصهيونية لأجل الإسراع بإيجاد حل فوري للمسألة اليهودية ومشكلة ازدياد معاداة السامية في الغرب.

وبسبب عدم وجود ملجأ لليهود الفارِّين من (كيشيناو) أيضا فَشلت المفاوضات مع الإمبراطورية العثمانية في الحصول على مناطق في فلسطين، علاوة على فشل خُطة العريش. كانت الحركة الصهيونية تُفكر في إنشاء مُستوطنات في شرق إفريقيا بمنطقة يُسميها البريطانيون أوغندا. في هذا الفصل يُسلط أفنيري الضوء على الفشل الذريع الذي مَر به هرتزل في حياته وخُصوصًا خلال مؤتمر الحركة الصهيونية السادس؛ حيث بدأت الانشقاقات في الحركة كاحتجاج ضد هرتزل، ففي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر السادس أخبر هرتزل الحضور بفشل الجهود الدبلوماسية في إقناع الإمبراطورية العثمانية بشراء أراضٍ في فلسطين، حتى إن خُطة العريش فَشلت بسبب شُح المياه في سيناء، علاوة على ذلك أخبر هرتزل الحضور بأن هناك مفاوضات مع بريطانيا لإعطاء اليهود منطقة في أوغندا لكي تكون منطقة مستقلة لليهود، ما أن انتهى هرتزل من إلقاء كلمته حتى بدأت خلافات حادة ونقاشات بأصوات مرتفعة، و رفض الأعضاء الروس – وهم الأكثرية حينذاك – بشكل قاطع تأسيس دولة في أفريقيا (ص335)، بعد تلك الانشقاقات والاعتراضات في الحركة الصهيونية حاول هرتزل التصالح مع اليهود الروس، وخصوصًا في الجلسة التنفيذية الصهيونية في إبريل 1904، حيث أعلن بشكل نهائي وحاسم أن الحركة الصهيونية تُؤمن بأن فلسطين هي الحل الوحيد للمسألة اليهودية (ص340)، كان ذلك التصريح كافيًا لينهي الخلافات التي ظهرت حينها.

الفصل الأخير: “النهاية إلى روما و القدس” (ص345). – قبل وفاته – حاول هرتزل خلال زيارته الأخيرة إلى روما أن يُقنع بابا الفاتيكان بممارسة الضغط على السلطان العثماني[7] للحصول على فلسطين (ص350). خلال هذه الزيارة كان هرتزل يفكر بشكل مستمر بالقدس وكيف أمضى وقته فيها عام 1898، حيث التشابه بالنسبة لهرتزل بين روما ومدينة القدس. في الثالث من تموز 1904 توفي هرتزل بالقرب من فيينا. يُبين شلومو أفنيري أن الآلاف من جميع أنحاء إمبراطورية الهابسبورغ شاركوا في تَشييعه، حتى إنه لم يحدث قط أن شهدت فيينا مثل ضخامة هذه الجنازة في الماضي (ص 359).

إن تَسليط الضوء على سيرة هيرتزل الذاتية للقارئ العربي له فائدة كبيرة:

أولاً: لا يمكن فهم طبيعة دولة الاحتلال الإسرائيلية دون فهم طبيعة الحركة الصهيونية ونشأتها، وأنه من المستحيل أيضًا فهم الحركة الصهيونية دون فهم شخصية ثيودور هرتزل وتطوره الفكري. ثانيًا: لقد مر هرتزل في حياته بإخفاقات كبيرة إلا أن ذلك لم يُثنِ من عزمه، فاستمر حتى وفاته يُحارب ويكافح لأجل المسألة اليهودية، حتى كان عليه أن يتصدى لمحاولات الانقلاب عليه – داخل الحركة الصهيونية- وخصوصًا في المؤتمر الصهيوني السادس عندما حاول ميناحيم أوزيشكن[8] إخراجه من قيادة المنظمة. ثالثًا: لا يمكن إيجاد التغيير الاجتماعي والسياسي دون فكر مستقبلي استشرافي بعيد عن التفلسف والتعقيدات، بل يجب أن يكون هذا الفكر المستقبلي قابلاً للتطبيق والتنفيذ. رابعًا: إن مشروع هرتزل الصهيوني انحرف عن مساره بشكل كامل، فهرتزل يؤمن في روايته أرض قديمة-جديدة أن القطارات سوف تصل إلى سوريا ولبنان والأردن، وأن المساواة والسلم والتعايش بين الأديان هو ما تريده الحركة الصهيونية. وبعبارة أخرى فإن هرتزل الذي يُصوَّر على أنه الزعيم المؤسس كان في أحيان كثيرة شديد السذاجة أو جاهلاً بحقائق الأشياء؛ فهو لم يلتفت في روايته إلى أن الفلسطينيين سوف يقاومون الاستيطان والمشروع الصهيوني ويدافعون عن وجودهم وموطنهم، وهو لم يُفكر أن حلوله للمسألة اليهودية سوف تؤدي إلى خلق مشكلات أكبر وعداوات أعظم في منطقة أخرى وهي الشرق الأوسط.

تَكمن أهمية هذا الكتاب من ناحية بِتصوير سيرة حياة ثيودور هرتزل بشكل نقدي تفصيلي غير مألوف مُركز على شخصيته ونشاطاته السياسية وغير السياسية، على سبيل المثال، وصف ثيودور هرتزل بالسذاجة أحيانًا لإيمانه أن تأسيس وطن قومي لليهود سوف ينهي معاداة السامية. من ناحية أخرى فإن شلومو أفنيري صَوَّر هرتزل ضمن إطار المسألة اليهودية وخصوصا في أوروبا، ليقدم منظورا جَديدا لفهم مُؤسس الصهيونية ضمن إطار المسألة اليهودية ومعاداة السامية.

يُؤخذ على الكتاب عدد من الأمور فعند الحديث عن زيارة هرتزل لفلسطين لا يتعرض شلومو أفنيري للوجود الفلسطيني. فموقف شلومو أفنيري في هذا الكتاب يعكس بشكل واضح وصريح الرواية الصهيونية. يبقى أن نُؤكد على الحاجة الماسة لتقييم الحركة الصهيونية ونقدها من وجهة نظر فلسطينية، لعرضها للرأي العربي والعالمي من خلال الترجمة إلى لغات مُختلفة.

للتحميل من هنا

المصدر : مركز برق للأبحاث و الدراسات