الانتخابات ليست مدخلا لإعادة الإعتبار للمشروع الوطني/ مصطفى ابراهيم
16/8/2016


إصرار الرئيس محمود عباس على إجراء الانتخابات من جهة، وعدم قناعة كثيرين بجدواها وانها قد تؤسس لمصالحة حقيقية، وخطر إجراءها كبير خاصة انها جاءت في ظل عدم توافق وطني واستمرار الانقسام وما يجري من فوضى والتباس وتجاذبات عربية وإقليمية.


يبدو من الصعب أن يتوصل الطرفان المتخاصمان إلى إنهاء الانقسام ما لم يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة وما تلاه إتفاق الشاطئ وفيما يتعلق باتفاق الدوحة وشرط الرئيس إجراء الإنتخابات، والأخذ بما تم الاتفاق عليه كرزمة واحدة، كما تقول حركة حماس.
الانتخابات هي مبدأ مهم من مبادئ وقواعد الديمقراطية، وهي مدخل للتداول على السلطة في النظام السياسي الفلسطيني برمته، هكذا يجب أن يكون الوضع سواء في منظمة التحرير أو مؤسسات السلطة الفلسطينية. ومع أن الحال الفلسطيني كان قائما على الشراكة والتوافق السياسي إلى حد بعيد، إلا أن دخول حركة حماس إلى النظام السياسي الرسمي على مستوى السلطة بعد فوزها في انتخابات 2006، من دون توافق على قواعد النظام السياسي الفلسطيني قلب المعادلة.
وبعد تسع سنوات من الانقسام، لم يتوصل الفريقان المتخاصمان إلى توافق إنما اتفاق غير مباشر لإجراء الإنتخابات المحلية والخشية من ان ذلك يعيد حدة الصراع السياسي إلى الواجهة مرة أخرى، لاسيما من حيث هل الإنتخابات المحلية ضرورة وطنية وسياسية أم خدماتية؟ ولماذا لا نشرع بعملية إعادة بناء منظمة التحرير كرزمة واحدة، أم تتم الانتخابات أولا كما يريد الرئيس عباس عبر إجرائها وربما هي إملاءات فرضت عليه والانتخابات المحلية بروفة والتحضير للانتخابات العامة؟!
في العادة حركات المقاومة لا تخضع لإجراء الانتخابات تحت الاحتلال قبل الاستقلال، وهو أمر صعب وله حساسيته، ومع هذا فالواقع الفلسطيني القائم له خصوصية لا يمكن التخلص منها بسرعة، وليس سهلا التراجع عن “مكتسبات الأمر الواقع” في كل من الضفة والقطاع، ونحن على هذه الحال، حيث يتمسك كل طرف بالسلطة، وله رؤية سياسية مختلفة ومتباينة عن الآخر.
حركة حماس فاجأت الجميع ووافقت على إجراء الانتخابات المحلية بل وانخرطت في الدعاية الإنتخابية مبكراً، وكأنها تريد إختبار الجميع وهي تدرك او لا تدرك ما هي تداعيات خطوة إجراء الإنتخابات المحلية وعدم تعهد الاطراف الدولية المؤثرة كالولايات المتحدة الامريكية وأداتها اللجنة الرباعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي باحترام نتائج الانتخابات، والالتزام برفع الحصار او عدم فرض حصار جديد على الشعب الفلسطيني إذا ما فازت حركة حماس مرة أخرى بالأغلبية؟
ولماذا يصر الرئيس عباس على إجراء الانتخابات المحلية قبل استكمال خطوات المصالحة، بما في ذلك تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير وفق الصلاحيات والمهمات المنصوص عليها في اتفاق المصالحة، فضلا عن الشروع في التحضير الفعلي لإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني؟ وإسرائيل ترفض إجراء الإنتخابات في القدس، وهل ستجبر اللجنة الرباعية الدولية إسرائيل على السماح بإجراء الانتخابات في القدس، وفي المناطق المصنفة (ج) الخاضعة لسيطرة الاحتلال وتشكل غالبية أراضي الضفة الغربية، وهي التي تستطيع افشال الانتخابات برمتها، ومن سيمنعها من اعتقال أعضاء المجالس المحلية إذا لم تكن النتائج كما تريد، أو أن إسرائيل تدرك أن الإنتخابات ستفرز شخصيات من خارج الفصائل وهي فرصة للتعامل معها لتهميش السلطة الضعيفة وإسرائيل تعمل على إضعافها وتريدها ان تلعب دوراً امنياً.
كما يثير الاصرار على إجراء الانتخابات والوضع الفلسطيني هش وضعيف في ظل حصار متواصل على قطاع غزة، وفي وقت لم تتم فيه إعادة اعمار ما تم تدميره في عدوان العام 2014، وهناك 4000 ألاف وحدة سكنية لم يتم إعمارها منذ عدوان 2009-2008، ومع تزايد الدعوات لإعادة النظر في شكل ودور السلطة، تساؤلات حول جدوى مثل هذه الانتخابات التي تعني تمديد أجل الإنقسام والحصار وبقاء سلطة الحكم الذاتي القائمة في ظل استعصاء تحولها إلى دولة مستقلة ذات سيادة مع انغلاق أفق العملية السياسية.
إن إسرائيل لا تزال تماطل في رفع الحصار، ويبدو أنها لن تنهيه كاملا عن القطاع من دون اقتراب “حماس” من تلبية شروط “الرباعية” الدولية، وهي تعزز فصل القطاع عن الضفة الغربية وكذلك مطالبتها حركة حماس بالتخلي عن المقاومة، كما يواصل الاحتلال إجراءاته الاستيطانية وتهويد القدس، وفرض واقع يومي في الضفة الغربية، إضافة للقتل وللاعتقالات اليومية وانتهاكات حقوق الانسان المستمرة.
في ضوء ذلك، يبدو الرهان على انتخابات محلية تحل مشاكل الفلسطينيين، و”تحسم” الخلاف القائم في ظل الانقسام، خطأ يوازي إعادة استنساخ تجربة انتخابات 2006، حين أجريت من دون الاتفاق على إستراتيجية وطنية موحدة تجمع الكل الفلسطيني وتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، فضلا عن ضرورة التوافق على أسس الشراكة السياسية التي تكفل حق الاختلاف على قاعدة الوحدة في إطار منظمة التحرير بصفتها المرجعية الوطنية العليا والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن الانتخابات المحلية وما قد يترتب عليها ليست هي المدخل الصحيح لحل مشكلات الفلسطينيين وأزمة نظامهم السياسي، وعليهم قبل ذلك الخوض في تفاصيل كثيرة ومعقدة، وأصحاب النوايا الطيبة هم من يفكرون بأن الأمور تسير بسهولة ويسر.
في الحالة الفلسطينية أصبحت الانتخابات وفق مفهوم يعتبرها أداة أو وسيلة لحسم الصراع الداخلي، وليست محطة لتطوير النظام السياسي الديمقراطي التعددي، عبئا على القضية الفلسطينية، ولن تحل مشكلاتهم وهم مختلفون سياسيا. ومن دون التوصل إلى توافق بين “حماس” و”فتح” وباقي الفصائل الفلسطينية على أسس جديدة للنظام السياسي الفلسطيني لن يتم تحقيق الهدف المرجو من الانتخابات المحلية، وهو تحقيق إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وضمان المشاركة والتعددية والالتزام بالمرجعية الوطنية العليا ممثلة بمنظمة التحرير. ففي الحالة الفلسطينية، أدت الانتخابات إلى تعميق أزمة الفلسطينيين.
لإتمام المصالحة الفلسطينية يجب إعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني، وأي خطوات غير جدية للتهرب من تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه، ستبقي الوضع الفلسطيني عرضة للخطر. ومثل هذه العملية تعني من حيث الجوهر إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز قدرة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم، وهذا لا يأتي من خلال إجراءات شكلية واستمرار الخلاف على تنفيذها، أو تعميق الانقسام من خلال التوافق على إدارته بدلا من إنهائه، بما يتيح عمليا لكل طرف تعزيز سلطته وصولا للانفصال النهائي عن الآخر.
ومع عدم الاتفاق بين حركتي فتح وحماس على صيغة للتوصل لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، يظل الأفضل والأنسب للفلسطينيين للتغلب على كل العوائق الداخلية والإقليمية والدولية، ان يتوافقوا على إستراتيجية وطنية قائمة على برنامج الحد الأدنى والتمسك بالثوابت الوطنية والشراكة السياسية، بدلا من الذهاب لانتخابات محلية تهدد بإعادة إنتاج الانقسام وهم في هذا الحال من الاختلاف.