-
هجر الكِتاب!!
هجر الكِتاب!!
بل هجر بعض دور النشر.
قبل ذلك .. هذه مقدمة لموضوع لم يكتمل.
حين انتزعتُ نفسي من بني دفتي رواية ( ؟؟؟) لـ؟؟؟ .. لأكتب .. رغم تعهد غير بعيد بهجر الكتابة .. أتذكرُ الرئيس المخلوع علي صالح،حين تعهد – قبل سنوات – بأنه لن يرشح نفسه .. ثم فعل .. راضخا للضغوط الجماهيرية!!
كاتب هذه السطور رضخ للضغوط الجماهيرية أيضا !!
للأمانة ثلاثة أشخاص .. ولكن للأمانة أيضا .. هناك من مقامه مقام "ملايين".
عدت لتلك الرواية ،فأكملت قراءتها.. وبما أن أحد الإخوان أعارها لي.. فقد صورت بعض الصفحات،ولكن الكن الورق انتهى.. فقطعت التصور .. عدت إلى مكتبي .. وضعت الصور على طرفه .. فإذا بهذه الأسطر ينشب أظافرها في عيني!!
(يمنع نسخ ولاستعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو قرص مقروء أو أية وسيلة أخرى بما فيها حفظ المعلومات،واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر).
خشيت أن يضيفوا (ويمنع إعارة الكتاب .. أو الاحتفاظ ببعض عباراته في الذاكرة)!!
وبدلا من أن يهدئ ناشر آخر من روعي .. إذا به يسكب زيتا على النار!!
أعني كتاب :
(شرح البردة للإمام البصري وتشطيرها) بقلم محمد رضوان أحمد صاحب مطبعة الإخلاص - الإسكندرية بشارع الشمرلي نمرة 7 "حقوق الطبع محفوظة للشارح : كل نسخة لا تكون مختومة بختم الشارح تضبط ويحاكم حاملها" تاريخ النشر 1353هـ = 1934م.
يا ساتر "يضبط ويحاكم حاملها"!! لا أعلم،ولكن لا أعتقد أن "توحش "الرأس مالية الغربية وصل إلى هذه الدرجة!!
هنا أتذكر "الهيبي"الأمريكي آبي هوفمن والذي أصدر ( كتابا عنوانه"اسرق هذا الكتاب"ومع أن المكتبات وزعته،كالعادة فكثيرون سرقوه إخلاصلا لمبادئ مؤلفه الداعية إلى تخريب الرأس مالية .. في كتابه علّم هوفمن حيلا من الهامشيين كيف يأكلون في مطعم ولا يدفعون الفاتورة،وكيف يصعدون في القطار من دون بطاقة ..){ جريدة الحياة العدد 12455 في 27/11/1417هـ = 5/4/1997م}.
على كل حال عدت إلى كتاب .. دقيقة حتى أتأكد إن كان هذا الكتاب أيضا لا يسمح بالاقتباس منه .. الحمد لله لا يوجد أي تحذير .. فشكرا لدار الساقي.
الكتاب هو كالعادة "فن القراءة". وسنبدأ بنص طويل،جول الملكية الفكرية .. أي مربط الفرس،أو سبب كتابة هذه الأسطر.يقول "مانغويل"
(لعله من المفيد هنا النظر إلى الجانب العملي من سؤال الملكية الفكرية هذا،أي النظر في مفهوم حقوق النشر والتأليف الأدبيين،فما يرمي إليه ليس حماية هوميروس على سبيل المثال،لكي يتبوأ المقدمة بوصفه المبتكر الأوحد لتعبير "البحر بلون النبيذ الداكن"،وإنما بالأحرى ضبط استغلال ذلك التعبير من قبل عزراباوند مثلا أو هيئة السياحة اليونانية. ففي حين يختال ما رتيال بأن قصائده مقروءة حتى من قبل قادة المائة المتمركزين في أقصى تخوم الإمبراطورية الرومانية،فإنه يشكو أيضا الناشرين الذين يبيعون تلك القصائد إلى أولئك القادة المقذوفين إلى الأقاصي من دون أن يدفعوا له،أي للمؤلف،شيئا لقاء ذلك الامتياز. وضمانا لحصول شخص مثل مارتيال على نقوده ألغت اللجنة الثورية في باريس في 4 آب / أغسطس 1789 كلّ امتيازات الأفراد والمدن والمقاطعات والمنظمات،وأبدلتها بفكرة الحقوق. المؤلفون،إضافة إلى الناشرين والطبّاعين،غنموا حقوقا خاصة تتعلق بنص من النصوص،ومنذ ذاك الوقت فصاعدا سيتقاسمون فيما بينهم أرباح ما كتبه المؤلف ونشره الناشر وطبعه الطبّاع وباعه بائع الكتاب. حُددت نقطتان جوهريتان. الأولى أن "العمل يُعد مبتكرا،بشكل مستقل عن ظهوره إلى العلن،بدليل أن المؤلف قد تخيله،حتى لو بقي العمل غير مكتمل".والنقطة الثانية هي أن"الملكية الفكرية مستقلة عن ملكية الشيء المادي ذاته".وهذا يعني أن مسرحية وحيد القرن تعود إلى يونسكو حتى قبل إنتاجها الأول،مستقلة عن واقع أن الجزائريين والفرنسيين قد استولوا على المسرحة،كلُّ طرف على حدة،من خلال قراءتها. إن"قيمة"وحيد القرن تعود إلى يونسكو.
ما هي هذه القيمة؟ هو ذا أفضل جواب أعرفه :"لا تحمل القيمة أي شيء مكتوب على جبينها،بل إنها تحوّل كل ثمرة من ثمار الجهد إلى طلسم. وفي اللحظة المواتية يسعى الإنسان إلى فك مغاليق هذا الطلسم ومعناه،واختراق أسرار الكائن الاجتماعي الذي يُسهم فيه،فهذا التحول من مواد نافعة إلى مواد ذات قيمة هو صنيعة مجتمع واحد،مثله بالضبط مثل اللغة". إن مؤلف هذا الاكتشاف الرائع هو كارل ماركس الذي شُوهت سمعته مع الأسف. القيمة كمعنى : : بمستطاع أي شخص مهتم بالأدب أن يميز الحس السليم الكامن في هذه الفكرة،القريبة من فكرة كيتس : "الجمال هو الحقيقة والحقيقة هي الجمال"لا بد أن ما تمسك به المخيلة بوصفه جمالا هو الحقيقة،سيان كانت موجودة هناك أو لم تكن"،كتب كيتس إلى صديق له . مجاز هي القيمة،إذن،كما هما الجمال والحقيقة. يقف ثلاثتهم،كل كواقع مفاهيمي،أشياء نعرف أنها هناك في لحمنا ودمنا،ولكن – مثل الإثارة في الملك لير – لا يمكن تحديدُها بدقة أكبر){ ص 150 – 151 ( فن القراءة ) / ألبرتو مانغويل / ترجمة : جولان حاجي / دار الساقي الطبعة الرابعة 2016}.
وفي مكان آخر يكتب"مانغويل"أيضا :
(ما سوف يتغير حتما هو فكرة الكتاب كملكية. إن مفهوم الكتاب كشيء"صافي القيمة"(والتعبير يعود إلى موريس بلانشو)بسبب محتوياته،أو تاريخه أو زخارفه،موجود من أيام اللفائف،ولكن وصولا إلى القرن الرابع عشر "في أو ربا على الأقل"خلق صعود الجمهور البرجوازي،خارج أسوار النبالة والكهنوت،سوقا أصبح فيه امتلاك الكتب علامة على المكانة الاجتماعية وأمسى إنتاج الكتب تجارة تدر الأرباح كأية تجارة أخرى. نشأت صناعة حديثة كاملة تلبية لهذه الحاجة التجارية،دافعة بدوريس ليسنغ لتؤلب أقرانها العمال الذين ضُيق عليهم الخناق : "ولا ضرر من التكرار،قدر ما تستطيعون من المرات : "لن توجد من دوني صناعة الأدب – الناشرون،والوكلاء الأدبيون،وكلاء الوكلاء،وكلاء وكلاء الوكلاء،المحاسبون،محاموا قضايا التشهير،أقسام الأدب في الجامعات،الأساتذة الجامعيون ،الأطروحات ،كتب النقد،الصحفيون مراجعوا الكتب،صفحات الكتب – هذا البُنيان الضخم والمتنامي كله بسبب الشخص الصغير المستخف به المزدرى المنخفض الأجر"){ص 266 ( فن القراءة)}
طالما أن النقل من هذا الكتاب ليس "محظورا"فلا بأس من نقل شيء عن أنواع القراء .. في رأي "مانغويل" والذي كتب يقول :
(هناك ثلاثة أنواع من القراء : الأول يستمتعُ من دون إطلاق الأحكام،الثالث يطلق الأحكام من دون استمتاع،وما بينهما في الوسط نوع ثالث يطلق الأحكام أثناء استمتاعه ويستمتع عند إطلاق الأحكام. الجماعة الأخيرة تعيدُ حقا إنتاج العمل الفني من جديد،أعضاؤها ليسوا كثيرا" – غوته ،في رسالة إلى يوهان فردريش روخليتز){ ص 210 (ف القراءة)..}.
كان من المفترض أن يكون الذي في الوسط نوع ثاني!!
وهذا نوع خاص من القراء والحديث عن جوزيف جوبير ( بحسب شاتوبريان،كانت مكتبة جوبير تضم فقط النصوص التي كان جوبير مولعا بها حقا. يقول شاتوبريان : "كان عند القراءة يقتلعُ من كتبه الصفحات التي يحبها،متوصلا بالتالي إلى مكتبة تنسجم مع ذوقه تمام الانسجام،تتألف من كتبٍ جُوّفت من أوراقها،مجدلة ضمن أغلفة فضفاضة على المحتويات"){ ص 171 ( فن القراءة ) }.
عندما أقول هجر الناشر،في إن في ذهني ما كتبه "مانغويل"عن راي برادبري (في واحدة من قصص اليوميات المريخية،وعنوانها"ستأتي أمطار خفيفة"،يقدم منزل مُؤتمت بالكامل تسلية مسائية جديدة يختار لنزلائه وهي قراء قصيدة لهم،وعندما لا يتلقى المنزل أي جواب يختار قصيدة بنفسه ويقرأها لنفسه،غير مدرك أن العائلة بأكملها قد هلكت في حرب نووية. هذا هو مستقبل قراءة من دون قراء"){ ص 269}.
هذا مصير دار نشر بدون قراء!!
وبعد .. حين قرأت تلك الأسطر التحذيرية .. تذكرتُ الكتب التي صورتها كاملة .. والتي صورت فوصلا منها .. أو فصلا .. وصولا إلى تصور ورقة واحدة ... ومعظم ذلك يقبع في مكتبتي .. إضافة إلى سياحتي في الكتب .. بدا لي كل ذلك دليل إدانة .. لا أدري أين سيذهب بي!! .. وحسب طابع شرح بردة البصري .. (تضبط – أي النسخة - ويحاكم – أي حاملها ) !! من هذه الزاوية .. ربما يصدق عليّ ما كتبه علي عزت بيجوفيتش – رحم الله والديّ ورحمه - :
( يوجد في الإتحاد السوفيتي تعبير قانوني خاص عن الكاتب المنحرف "مجرم حكومي ومميز بخطورته" وهكذا كان تصنيف "أندريه سنيافسكي"ومجموعة أخرى من الكتاب الذين تم وضعهم في معسكرات الاعتقال){ هروبي إلى الحرية }.
تلويحة الوداع :
عن "مانغويل" دائما :
( عندما كان سام غولدوين يفاوض جورج برنارد شو حول بيع حقوق واحدة من أشهر مسرحياته،أعرب الغول المقاول عن تفاجئه بالمبلغ المطلوب . أجابه شو:"المشكلة ،يا سيد غولدوين ،هي أنك مهتم فالفن،بينما أنا مهتم بالمال"){ ص 297 (فن القراءة)..}.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى