خُلَاصَةُ الْحِكْمَةِ الصَّقْرِيَّةِ
لمحمد جمال صقر
رُبَّمَا رَأَى بَعْضُ مُحِبِّي الْحُكَمَاءِ أَنَّهُمْ أَقْدَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى شَرْحِ حِكَمِهِمْ، وَهُوَ حُسْنُ ظَنٍّ وَاضِحٌ؛ إِذْ هُمْ أَشْبَهُ بِالشُّعَرَاءِ مِنْهُمْ بِالْعُلَمَاءِ، يَكْفِيهِمْ أَنْ يُحْكِمُوا حِكَمَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَشْرَحُوهَا؛ فَعُلَمَاءُ مُحِبِّيهِمْ أَقْدَرُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، بِمَا أُوتُوا مِنْ مَحَبَّةٍ وَفَهْمٍ وَتَحَبُّبٍ.
فَأَمَّا الْحُكَمَاءُ فَإِنَّهُمْ إِنْ عَالَجُوا شَرْحَ حِكَمِهِمْ -وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَ- أَفْضَوْا إِلَى حِكَمٍ أُخْرَى؛ فَكَأَنَّهُمْ بِتِلْكَ لَمْ يَبْرَحُوا!
وَإِذَا بَلَغَهُمْ مَا يَشْرَحُهَا بِهِ عُلَمَاءُ مُحِبِّيهِمْ لَمْ يَنْقَضِ مِنْهُ عَجَبُهُمْ:
كَيْفَ...، وَكَيْفَ...، وَكَيْفَ...!

بَيَانٌ

مَنْ تَعَلَّقَ بِتَرْدِيدِ الْأَذَانِ لِسَانُهُ
سَكَنَ إِلَى مُنَاجَاةِ الْبَيَانِ جَنَانُهُ
1

نَقْصٌ
مَنْ عَابَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ دُونَهُ
يُوشِكُ أَنْ يُعْمِيَ الْجَهْلُ عُيُونَهُ
2


حِجَاجٌ

لَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى الزَّوَاجِ بِوَطْأَةِ التَّعَلُّمِ
إِلَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ بِوَطْأَةِ الْفَقْرِ
3


مُخَالَفَةٌ

يَنْتَفِعُ الْفَنَّانُ بِالْمُخَالَفَةِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِالْمُؤَالَفَةِ
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُمْتِعْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُبْدِعْ
4


مُلْكٌ

لَيْسَ أَعْظَمَ مُلْكًا مِمَّنْ زَهِدَ فِي مُلْكِ غَيْرِهِ
وَإِذَا رَغِبَ رَغِبَ فِيمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ غَيْرُهُ
5


جَهْلٌ

لَيْسَ أَشْبَهَ بِالْمُتَدَيِّنِ الْعَدِيمِ السِّيَاسَةِ مِنَ السِّيَاسِيِّ الْعَدِيمِ التَّدَيُّنِ
وَإِنَّمَا أُتِيَا مِنْ فَهْمِ مَعْنَيَيِ السِّيَاسَةِ وَالتَّدَيُّنِ جَمِيعًا مَعًا
6


تَوْرِيثٌ
لَا يَمْضِي الزَّمَانُ إِلَّا بِتَطْوِيرِ مَا نُوَرِّثُهُ أَبْنَاءَنَا مِنْ أَخْلَاقِنَا
فَإِرْثُ آخِرِهِمْ وِلَادَةً غَيْرُ إِرْثِ أَوَّلِهِمْ حُسْنًا أَوْ قُبْحًا
7
تَعْلِيمٌ

تَعْلِيمُ اكْتِشَافِ الظَّوَاهِرِ الْعِلْمِيَّةِ
أَهَمُّ مِنْ تَعْلِيمِ اتِّبَاعِ الْمَنَاهِجِ الْمَذْهَبِيَّةِ
8

اخْتِلَافٌ

إِذَا اتَّسَعَ صَدْرُ الْعَالِمِ لِلْآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ
ضَاقَ صَدْرُ الْفَنَّانِ بِكُلِّ رَأْيٍ غَيْرِ رَأْيِهِ
9

وِرْدٌ

رُبَّ ذِي أُسْلُوبٍ طَلِيٍّ شَغَلَتْهُ عَنْهُ شَوَاغِلُ قَاهِرَةٌ
وَحَفِظَهُ عَلَيْهِ وِرْدُهُ الْقُرْآنِيُّ الْيَوْمِيُّ
10

عَاقِبَةٌ

يُوشِكُ مَنْ أَهْمَلَ تَلَامِذَتَهُ أَنْ يُهْمِلَهُ عِلْمُهُ
حَتَّى يَضْطَرَّهُ إِلَيْهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ
11

تَعْلِيقٌ

رُبِّ ذِي بَحْثٍ قَوِيٍّ شَغَلَتْهُ عَنْهُ شَوَاغِلُ قَاهِرَةٌ
وَحَفِظَهُ عَلَيْه التَّعْلِيقُ عَلَى بَحْثِ غَيْرِهِ
12

مَسْلَكٌ

لَوْلَا الِانْتِظَامُ مَا كَانَتِ الْأَعْمَالُ الْكَبِيرَةُ
وَلَوْلَا الِاضْطِرَابُ مَا كَانَتِ الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ
13

حُرِّيَّةٌ

مَا أَعْظَمَ أَنْ تَتَحَرَّرَ لِلْإِبْدَاعِ مِنْ أَسْرِ الْعَادَاتِ
وَأَعْظَمُ مِنْهُ أَنْ تَشْتَغِلَ بِهِ عَنْهَا فِيهَا
14

رِيبَةٌ

مَا أَشْبَهَ الْمَحَبَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالرَّأْيِ بَعْدَ الْفَوْتِ
كِلَاهُمَا تَابِعٌ مُرِيبٌ لَا رَائِدٌ نَجِيبٌ
15

اضْطِرَابٌ

مَا تَغَنَّتْ أُمَّةٌ بِالنَّثْرِ وَتَخَاطَبَتْ بِالنَّظْمِ
إِلَّا تَسَلَّطَتْ عَلَيْهَا انْتِثَارَةٌ لَا انْتِظَامَةَ بَعْدَهَا
16

عَلَاقَاتٌ

لَيْسَ أَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ ظَاهِرَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ
مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَاقَاتٍ تَرْكِيبِيَّةٍ
17

خَطَأٌ

مَنِ افْتَتَنَ فِي هَرَمِهِ بِاسْتِعْمَالِ الْكَلَامِ الْغَرِيبِ
كَمَنْ لَمْ يَفْتَتِنْ فِي شَبَابِهِ بِحِفْظِهِ لَيْسَ بِأَدِيبٍ

18

تَشَبُّهٌ

إِذَا تَشَبَّهَ الدُّكْتُورُ حَمَاسَةُ بِالْأُسْتَاذِ الْعَقَّادِ وَالدُّكْتُورُ كِشْكٌ بِالدُّكْتُورِ طَهَ حُسَيْنْ
لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَتَشَبَّهَ تِلْمِيذُهُمَا بِالْأُسْتَاذِ شَاكِرٍ
19

مُسَاكَنَةٌ

لَا يَبُوحُ نَصٌّ لِنَاقِدِهِ بِسِرِّهِ حَتَّى يَكْتُمَ نَفَسَهُ فِي حَضْرَتِهِ
وَلَا يُتِيحُ لَهُ التَّعْبِيرَ عَنْهُ حَتَّى يَشْتَمِلَ عَلَيْهِ اشْتِمَالَ صَاحِبِهِ
20

مُقَايَسَةٌ

إِذَا اتَّسَعَ التَّنْظِيرُ ضَاقَ التَّطْبِيقُ فَأَوْهَمَ
وَإِذَا اتَّسَعَ التَّطْبِيقُ ضَاقَ التَّنْظِيرُ فَأَعْلَمَ
21

اخْتِبَارٌ

لَا تَعْجَلْ بِالتَّسْلِيمِ لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُفْتَرِقُونَ
حَتَّى تَرَى كَيْفَ يَحْتَكِمُ إِلَيْهِ الْمُجْتَمِعُونَ
22

عَمًى

لَيْسَ أَعْمَى عَنْ مَنَاقِبِ الشَّيْءِ مِمَّنْ لَمْ يُحِبَّهُ
وَلَا عَنْ مَثَالِبِهِ مِمَّنْ لَمْ يَكْرَهْهُ
23

هِمَّةٌ

لَمْ يُضَيِّعْ عَلَيْكَ هِمَّتَكَ كَانْتِظَارِ السَّعَةِ
وَلَمْ يُوَسِّعْ عَلَيْكَ كَهِمَّتِكَ
24

غَفْلَةٌ

مَنِ افْتَتَنَ فِي هَرَمِهِ بِقِرَاءَةِ كَلَامِ غَيْرِهِ
كَمَنِ افْتَتَنَ فِي شَبَابِهِ بِكِتَابَةِ كَلَامِ نَفْسِهِ
25

تَصْنِيفٌ

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَنِّفَ مَنَاهِجَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَيَاةِ
فَانْظُرْ إِلَى اسْتِقَامَاتِهِمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ
26

إِتْقَانٌ

لَيْسَ الْإِتْقَانُ أَنْ تَعْمَلَ مَا يُعْجِبُ النَّاسَ
بَلْ أَنْ تَعْمَلَ كُلَّ مَا يُمْكِنُكَ عَمَلُهُ
27

وَهْمٌ

قَالَتْ لَهُ الْبَبَّغَاءُ أَرَأَيْتَ أَبْلَغَ مِنِّي حِفْظًا
فَقَالَ الْعَنْدَلِيبُ مِنْ هَاهُنَا وَهِمْتِ
28

تَكَامُلٌ

مَا أَشْبَهَ حَاجَةَ الْعِلْمِ إِلَى النَّظَرِ الْخَارِجِيِّ مَعَ النَّظَرِ الدَّاخِلِيِّ
بِحَاجَةِ الْأُمَّةِ إِلَى صَلَاحِ الْأُمَرَاءِ مَعَ صَلَاحِ الرَّعِيَّةِ

29

انْتِصَافٌ

لَا يَعْدَمُ الْعَالِمُ الْمُتْقِنُ الْمُحْسِنُ أَهْلًا
يَخْذُلُهُ أَقْرَانُهُ حَسَدًا فَيَنْصُرُهُ تَلَامِذَتُهُ وَفَاءً
30

سُخْرِيَّةٌ

قَالَ لَهُ سَامُّ أَبْرَصَ مَا أَنْتَ وَمَا أَنَا لَوْلَا الْجُوعُ
فَقَالَ التِّمْسَاحُ دُونَكَ طَعَامَ الْيَوْمِ
31

بَهْتٌ

قَالَ لَهُ الْقِطُّ مَا أَنْتَ وَمَا أَنَا لَوْلَا الْفِئْرَانُ
فَقَالَ النَّمِرُ دُونَكَ الْغِزْلَانَ
32

عَجْزٌ

مَنِ اكْتَفَى الْآنَ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْوَرَقِيَّةِ كَمَنِ اكْتَفَى بِنَشْرِهَا
كِلَاهُمَا عَاجِزٌ عَنْ شَأْوِ قَارِئِ الْكُتُبِ الرَّقْمِيَّةِ وَشَأْوِ نَاشِرِهَا
33

غَوْرٌ

كَيْفَ لِقَصِيدَةٍ انْقَطَعَ لَهَا شَاعِرٌ مُفْلِقٌ
أَنْ يَنْسَبِرَ غَوْرُهَا لِنَاقِدٍ عَجُولٍ
34