خلق الله في الإنسان أضدادا متباينة لتحفظ عليه توازنه وحياته التي فطره عليها ،
( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات آية 21،
ففي طبيعتها توجد الحكمة في مقابل الجهل ،
والعفة في مقابل الشَّره ،
والشجاعة في مقابل الجبن ،
والعدالة في مقابل الجور ،
والرضا والقناعة في مقابل الحسد والحقد ؛
إلى غير ذلك من المتضادات الحسية والمعنوية ،
فأينما انساق الإنسان وراء جانبٍ من هذه المتباينات في داخله يكون مصيره وحسابه مع ربه ،
فإن كان اتجاه النفس نحو الخير ؛ فقد أعمل فطرة الله في عقله وقلبه وضميره وقوة إيمانه ويقينه بربه ، بتملكه زمام نفسه ،
وإن كان غير ذلك فهو لم يعمل فكره وعقله وقلبه بل اتبع نفسه وهواها بميله إلى مخالفة طبيعته التي أرادها الله له ؛
فالخير والشر موجودان لكن الخير من الله
بينما الشر من النفس إذا سيطرت على صاحبها
ومن هنا في ضوء الآيات القرآنية الكريمة نبدأ الحديث عن أصناف النفس المسلمة وصفاتها ؛
فقد أشار القرآن الكريم إلى عدة أصناف من النفس البشرية منها :

1- النفس المطمئنة :

في الآيتين 27 و27 من سورة الفجر (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ،ارْجِعِي إِلَىظ° رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) وفي الآية 30 من آل عمران (يَوْمَ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ )( وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) وتلك النفس الآمنة من الخوف أو الحزن يوم الهول والحساب ، الممتلئة بروح يقين الإيمان الواثقة بفضل الله ونعمته ورحمته .

2- النفس اللوامة :

وقد وردت الإشارة إليها في الآية 1،2 من سورة القيامة (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) وهي النفس النقية المتصفة بالاستقامة والتي تلوم صاحبها وذاتها ؛ فإن فعلت خيرا تلوم ذاتها لماذا لمْ تكثر منه ، وإن فعلت شرا أو قارفته تلوم ذاتها لأنها اجترحته أو فعلته ، وهذه النفس هي الحجة الشاهدة على صاحبها (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) آية 14 القيامة

3- النفس الأمارة :

(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي غڑ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي غڑ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) 53 سورة يوسف ،يقول ابن الجوزية في كتابه مدارج السالكين نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي من عرف حقيقة نفسه علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء وأن كل خير فيها أيضا ، فهي تجعله يقر بالذنب والإساءة ، تتمنى وتُمِيل صاحبها فيحدث نفسه ويستغفر فالنعمة والإحسان بيد خالق النفوس والأشخاص ، ومع ذلك تكون النفس الأمارة مصدر كل ذنب وشهوة بإلحاحها بتوجه صاحبها نحو هواها ( وما أبريء نفسي ) أي لاأنزهها عن السوء والشر

4- النفس السَّوَّالة :

83 يوسف (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا غڑ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وكذلك في آية 96 من سورة طه (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) ؛ وهي النفس المُزَيِّنَة والمُحَسِّنة ، فالتسويل بمعنى التزيين والتحسين في اللغة العربية ، وهو ما حدث من إخوة يوسف نحو أخيهم ، ومن السامري مع موسى عليه السلام .

5- النفس الموسوسة :

من آية 16 سورة ق ، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) وآية 3 من سورة الإنسان ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) ومن آية 10من سورة البلد (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )ومن 7:10 من سورة الشمس نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ،فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا،قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا،وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) وهذه النفس أيضا تلتقي فيها التناقضات المختلفة وازدواجية القرار في التواءات نفسية متعددة في التفكير والتوجيه لصاحبها بأسباب دافعة لتحقيق ما توسوس به ؛ فقد يقدم صاحبها بمحض إرادته واختياره على مراد هوى نفسه ، وأحيانا يأتيه بفقد عقله كما عند المجنون ، بعد أن تفلتت نفسه من زمام إرادته وسيطرته وتبعت نفسه الشيطانية المريضة .

6- النفسُ المِطْوَاعة :

كما ورد الإشارة إليها في الآية 30 من المائدة (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فطوعت أي سهلتْ عليه الأمر وشجعته عليه فانقاد لها ، بمعصية شيطانية كالقتل بدافع الحسد والحقد المُهْلِك للنفس بخسران الحسنات ، فهي من النفوس الشريرة الإبليسية وقانا اللهم منها جميعا .

وعلى المسلم أن يغير من نفسه إلى أفضل صورها وأهدافها فالله تعالى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىظ° يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ غڑ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) آية 11 من سورة الرعد ، وإن جهاد النفس التي تميل عن فطرتها الخيرية وتدفع صاحبها لما يضره ويهلكه لمن أفضل أنواع الجهاد المطلوبة من المسلمين