مجزرة بيت حانون الوحشية

د. غازي حسين

من مجازر دير ياسين وكفر قاسم وأبو زعبل وبحر البقر وداعل وصبرا وشاتيلا وقانا ومخيم جنين ورفح وقانا إلى مجزرة بيت حانون والحبل على الجرار.
صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي في 11/11/2006 على استمرار قيام الجيش الإسرائيلي في القتل والتدمير والاغتيالات وارتكاب المجازر الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتسبب قرار مجلس الوزراء في اليوم نفسه بمقتل ثمانية من الفلسطينيين وجرح (50) خلال اجتياح الجيش لبلدة بيت حانون. ومنع الجنود الإسرائيليون دخول سيارات الإسعاف لنقل الجرحى، كما قاموا بسد الطريق الوحيد للمستشفى في وجه سيارات الإسعاف. وتركوا بعض الجرحى ينزفون حتى الموت. وفرض الجيش حظر التجول والحصار على البلدة ودمر جميع البنى التحتية فيها.
وارتكب الجيش الإسرائيلي في الصباح الباكر من يوم الأربعاء الموافق في 8/11/2006 مجزرة بيت حانون البشعة بحق المدنيين من الأطفال والنساء والرجال، حيث استهدفهم القصف المدفعي وقت الفجر وهم نيام في فراشهم مما أدى إلى استشهاد 23 فلسطينياً وجرح أكثر من (40) معظمهم من الأطفال والنساء ومنهم (13) شهيداً من عائلة واحدة.
ارتكبت «إسرائيل» المجزرة على الرغم من معرفتها بأن الضحايا سيكونون من المدنيين، وبالتالي يشكل ارتكاب المجزرة أبشع أنواع الانتهاك لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والاتفاقية الدولية لتحريم إبادة الجنس البشري.
وكانت الإدارة الأميركية قد بررت الاجتياح والاعتداءات والقتل والتدمير الذي قامت به إسرائيل في بيت حانون وبيت لاهيا ورفح بذريعة وقحة وكاذبة وهي أن «إسرائيل» في حالة الدفاع عن النفس. وبالتالي أعطت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر والغطاء لإسرائيل لارتكاب مجزرة بيت حانون الهمجية والاستمرار في الهولوكوست على الشعب الفلسطيني.
وجاء الفيتو الأميركي في مجلس الأمن بتاريخ 11/11/2006 يحول دون إدانة «إسرائيل» على ارتكابها المجزرة الجماعية، مما يشجعها على الاستمرار في ارتكاب المجازر الجماعية وإشعال الحروب العدوانية. وهكذا وضعت الإدارة الأميركية بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية إسرائيل فوق القانون الدولي وفوق الأمم المتحدة، واستباحوا في الوقت نفسه سفكها لدماء أطفال ونساء ورجال الشعب الفلسطيني الأعزل.
وتهدف «إسرائيل» من ارتكاب مجزرة بيت حانون الوحشية التي فاقت وحشية وهمجية ألمانيا النازية استعادة شعبيتها وتحسين صورة الجيش لدى الشعب الإسرائيلي بعد الهزيمة النكراء في الحرب العدوانية التي شنتها على الشعب اللبناني على أيدي المقاومة الأسطورية التي قام بها حزب الله، وبعبارة أوضح التعويض عن الهزيمة التي أصابت الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.
ولكن حكومة «إسرائيل» لا تستطيع استعادة هيبتها من خلال الحروب والمجازر والقتل والتدمير والاغتيالات والعقوبات الجماعية، بل على العكس من ذلك أعادت وحشية إسرائيل وهمجيتها في حرب تموز وفي الاجتياحات في قطاع غزة والضفة الغربية الاعتبار إلى ثوابت الصراع العربي الصهيوني يرفض الاعتراف والتعايش مع النظام الاستعماري والعنصري والإرهابي الوحيد المتبقي في المنطقة.
وهنا أتساءل: أين اللجنة الرباعية من مجزرة بيت حانون الهمجية، ولماذا لم نسمع صوتها في إدانة المجزرة؟
إن اللجنة الرباعية والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي يرون الأحداث في قطاع غزة والضفة الغربية التي حولتهما «إسرائيل» إلى معتقل كبير أسوأ من المعتقلات النازية بالعين الإسرائيلية ولا ينطلقون من مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية. فإسرائيل توغل يومياً في سفك دماء الفلسطينيين والعرب منذ مجزرة دير ياسين عام 1948 ومروراً بمجازر صبرا وشاتيلا وقانا ومروحين، والدول الغربية تغض النظر عن هذه المجازر وتعمل ليل نهار على وصف المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالإرهاب دعماً منها لممارسة «إسرائيل» للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية كسياسة رسمية.
حمام دم في بيت حانون، 23 شهيداً مدنياً في يوم واحد و73 شهيداً في خمسة أيام، منهم 12 شهيداً في يوم واحد ومع ذلك علّق قائد الكتيبة التي قبل جنودها 12 فلسطينياً من بيت حانون قبل مجزرة الأربعاء بيومين قائلاً لجنوده: فزتم بـ 12مقابل صفر.
هذه هي عقلية الجيش الإسرائيلي وقادة «إسرائيل»، فالعربي الجيد لهم كما يربون أطفالهم منذ الصغر عليه هو العربي الميت.
إن مجزرة بيت حانون الرهيبة هي نتيجة طبيعية للعقلية اليهودية المشبعة بالتعاليم التوراتية والتلمودية، وبالإيديولوجية الصهيونية الاستعمارية والعنصرية والإرهابية في التعامل مع العرب.
ومن المعروف أن الحاخامات والمؤسسين الصهاينة قد رفعوا الإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني والكذب إلى مرتبة القداسة الدينية، حيث وضع هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية «القوة فوق الحق». وأكد فلاديمير جابوتنسكي المفهوم الديني للإرهاب وقال «إن التوراة والسيف انزلا علينا من السماء، وإن الاستعمار الصهيوني سيتحقق بالقوة رغم إرادة السكان الأصليين».
وكتب السفاح بيغن في مذكراته قائلاً: «أنا أحارب إذن أنا موجود... وإن قوة التقدم في العالم ليست للسلام بل للسيف».
واعترف مجرم الحرب اسحق شامير في عشية مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 أنه «لولا الإرهاب لما قامت إسرائيل». وبرر أولمرت مجزرة بيت حانون بخطأ فني كعادة قادة إسرائيل بالكذب والهمجية.
نعم إن «إسرائيل» وجيشها ضباطاً وجنوداً عصابة من القتلة ومجرمي الحرب ويرتكبون الهولوكوست على الشعب الفلسطيني لترحيله ومسحه من الوجود وإحلال يهود العالم محله.
المطلوب من المنظمات الشعبية والاتحادات المهنية والدبلوماسية العربية والحكومات العربية العمل ليل نهار لتقديم قاده العدو إلى محكمة الجزاء الدولية على غرار محكمة نورنبيرغ لمحاكمتهم كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين، لأن الكيان الصهيوني اليوم أسوأ من ألمانيا النازية، ولأن الصهيونية أسوأ من النازية والجيش الإسرائيلي أسوأ من الجيش النازي.