قال أبو عمار: اسجنوا فايز أبو شمالة
كنت على رأس مسيرة تأبين لأحد الشهداء سنة 2000، حين زحف المتظاهرون من مخيم خان يونس إلى الجامع الكبير وسط المدينة، وكنت أسمع عشرات آلاف الشباب الغاضبين من خلفي يهتفون ضد إسرائيل، وضد اتفاقية أوسلو التي أجازت للقوات الفلسطينية تسليم ثلاثة جنود إسرائيليين وقعوا في الأسر على حاجز "أبو هولي" دون المساس بهم، ليكون الرد الإسرائيلي إطلاق النار على الفلسطينيين بوحشية، وقتل ثلاثة شباب بدم بارد، كان مقتلهم السبب في تفجر الهتاف الغاضب ضد الرئيس أبي عمار نفسه.
قبل أن نكمل مراسم دفن الشهداء، كانت التقارير على مكتب الرئيس أبي عمار تتهمني شخصياً بالمسئولية عن المظاهرات التي هاجمت الرئيس، فقال لهم أبو عمار: اسجنوه.
رفضت تسليم نفسي للشرطة، والذهاب للسجن، فقد سبق وخبرت سجن "غازي الجبالي" لعدة أيام؛ إثر مظاهرات جرت في خان يونس 1998، ألقى فيها المتظاهرون الحجارة على مقرات الأمن، رغم دوري المهدئ، والمدافع عن مقرات الأمن الفلسطينية.
رفضت تسليم نفسي، واعتصمت في المخيم وسط المسلحين، وتركت الأمر لتدخل الوسطاء كي يصححوا الصورة التي رسمها بعض الساقطين في ذهن الرئيس أبي عمار، وللتاريخ، لم تبق شخصية سياسية، أو وزارية إلا زارت بيت العزاء، وحاولت أن تنقل للرئيس أبي عمار صورة مغايرة لما نقل إليه من المندسين، فقد تدخل نائب رئيس المجلس التشريعي، ومسئول تنظيم فتح، وعدد من أعضاء التشريعي في حينه، والنائب العام، وعدد من الوزراء، ورئيس البلدية، ومع ذلك؛ رفضت تسليم نفسي، وصرت مطارداً للسلطة.
في آخر الليل جاءني الكاتب المعروف؛ السيد عدلي صادق سفير فلسطين في بلاد الهند حالياً، وكان يعمل وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي في ذلك الوقت، وقال في ديوان العائلة: لم ينشغل مكتب الرئيس أبي عمار طوال اليوم إلا بمظاهرات خان يونس وفايز أبو شمالة، وكأن القضية الفلسطينية قد تم تلخيصها بأحداث خان يونس، وأضاف الأخ عدلي صادق: لقد وظف الرئيس أحداث خان يونس بشكل سياسي جيد، فحين اتصلت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية "مدلين أولبرايت"، تستحثه للعودة إلى المفاوضات، قال لها: تعالي إلى خان يونس واسمعي ماذا يقولون عني، وبماذا يتهمونني، إن عدت إلى المفاوضات سيرجمني شعبي بالحجارة! لقد أنهى الرئيس أبو عمار المكالمة مع وزيرة الخارجية، ووضع السماعة، والتفت إلى حراسه وهو يقول: اسجنوا فايز أبو شمالة.
وأضاف السيد عدلي صادق في ديوان العائلة قائلاً: لقد انتظرت حتى المساء، وجلست على انفراد مع الأخ أبي عمار، ونقلت له الصورة الصحيحة، وأطفأت النار التي أشعلها البعض في صدر الرئيس عليك، ولم أتركه حتى أصدر تعليماته بالكف عن سجنك.
رحم الله الشهيد أبا عمار، كان مخلصاً لفلسطين، وكان سياسياً بارعاً، لم ينجح في توظيف الأحداث لخدمة القضية فحسب، بل تحدى أعداءه الصهاينة في أحرج اللحظات، حين ظل كالسيف فرداً، فكان جديراً بالشهادة التي لا ينالها إلا كل مقاوم للغاصبين.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي