الشهداء ليسوا أرقاماً في الفضاء الإلكتروني/ مصطفى إبراهيم
10/1/2016
يثار الجدل حول عدم إدراج إسم الشهيد نشأت ملحم على قائمة شهداء وزارة الصحة الفلسطينية، وعبرت غالبية كبيرة من الفلسطينيين عن غضبها ضد القرار، مع أنه أكبر من وزارة وقرارها، فهو والشهداء ليسوا أرقاماً تنشر في الفضاء الإلكتروني.
وتغنت غالبية كبيرة ببطولة نشأت وقدرته على قتل إسرائيليين في مدينة تل أبيب، كما تتهمه الشرطة بقتل سائق التاكسي الفلسطيني من مدينة اللد، واختفائه ثمانية أيام وجندت إسرائيل كل إمكاناتها من أجل إلقاء القبض عليه ميتاً قبل أن يكون حياً.
نقرأ أشياء خيالية وهناك من يحاول أن يصنع منه أسطورة، وكأنها أول مرة يفعل فلسطيني ما فعله نشأت الذي استشهد وما هو دافعه للعملية فالسر اختفى معه، وكثير من المعلومات عنه غامضة والأسئلة كثيرة، وما نقلته صحيفة معاريف أنه قتل بنيران قناصة مع انه كان بالإمكان اعتقاله، ولدى أجهزة الأمن الإسرائيلية الرواية التي ستخرجها لتروج لها للتحريض على فلسطينيي الداخل وعدم ولائهم لدولة إسرائيل كما طالبهم بنيامين نتانياهو على إثر تنفيذ نشأت العملية، وكذلك في بداية الهبة، وشارك فلسطينيو الداخل في إسنادها بالتظاهرات التضامنية وفي مواجهة مخططات الحكومة الإسرائيلية في تقسيم المسجد الأقصى.
وسارعت الفصائل الفلسطينية في التهاني والتبريكات في إستشهاده وبطولته، وهي أعجز من تقديم خطاب وطني قيمي، وهي تمارس الإقصاء والكذب والأنانية، وإهانة كرامة ذاتها وشعبها، ولم تستطع حتى الآن إستثمار الهبة ومواجهة ذاتها لتوحيد صفوفها في مقاومة الإحتلال ودعم الشبان الذين تركوا وحيدين ومصيرهم في مواجهة الإحتلال.
والقيادة طالبت بتحييد فلسطينيي الداخل وعدم المشاركة والتضامن الجماهيري مع أبناء شعبهم في غزة والضفة، وآخرين منا يحملهم أكثر ما يحتملوا ويدفعهم نحو التسلّح والدخول في المواجهة، وهم لا يعلمون أين يقع المثلث وموقع مدينة أم الفحم أو منطقة وادي عارة وعرعرة على خريطة فلسطين، وعدد سكانها وظروف الفلسطينيين هناك في غياب الوعي الوطني عن ظروفهم.
وما هي طبيعة حياتهم وما يتعرضون له من معاناة وقمع، وماذا فعل المشروع الكولونيالي الإستيطاني بهم وبنا، ومحاولاته تفكيك مشروعنا الوطني ونساعده في ذلك، وسهل الفلسطينيين على دولة العنصرية والفاشية أن يكونوا شيع وقبائل، وكل منطقة مهمومة بأزماتها ومشكلاتها وتعاني وحيدة.
غالبية منا ليس لا تعلم كثيراً عن ظروف فلسطينيي الداخل، والاعتقالات بحق شبابهم حتى في ما يعبرون عنه أرائهم على مواقع التواصل الإجتماعي، والملاحقات السياسية والقمع ضدهم وحجم التحريض الذي تقوم به المؤسسة الصهيونية بحقهم، والإجماع الصهيوني ضدهم والعنصرية والتمييز والتنكر لحقوقهم كأقلية عربية فلسطينية أصحاب الأرض الأصليين تعاني الفاشية والتهميش، وفرض القوانين العنصرية بحقهم والأوضاع الإقتصادية والبطالة والفقر تنهش صفوفهم.
والسلطات الحاكمة في الضفة وغزة تتصارع على ما تبقى من فلسطين في غزة والضفة وبعض منهم جعل من غزة محور الكون وهي التاريخ ونهايته، وكأننا الوحيدين في الدنيا المحاصرين ونعاني، وقضية فلسطين وخريطة فلسطين وفلسطين ذاتها اختزلت في الضفة وغزة. ونسينا إننا سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، وأن قضيتنا العادلة هي قضية كل الفلسطينيين اللاجئين والمشردين في جميع أنحاء الدنيا ومن تبقوا من فلسطين التاريخية، ويدافعوا عن أنفسهم وحيدين.
فلسطين ليست غزة أو رام الله هي حيفا ويافا وجنين والناصرة، والقدس المدينة اليتيمة التي تعاني الحصار والتهويد. مشوارنا طويل مع أنفسنا قبل أن يكون ضد المشروع الكولونيالي الاستيطاني العنصري، وقضيتنا ليست تسجيل إسم نشأت في قائمة وزارة الصحة، إنما في كي الوعي وتفتيت أنفسنا، فهو وغيره من الشهداء العرب والفلسطينيين الذين قتلوا في معارك الشرف من أجل فلسطين خالدين في ذاكرتنا وتاريخنا، فإجعلوا من فلسطين قبلتكم وليس غزة والضفة.