حب في عا شوراء"
النيران مشتعلة في كل مكان،وحرائقها الملتهبة متصاعدة في كل الأحياء،وألسنتها لهيبها تتصاعد في السماء كحيات رقطاء أو أفاعي سوداء.
لقد نسيت فعل هذه الطقوس الوثنية وكنت أتساءل:" إن المدينة موشكة على أن تلتهمها النيران،ولم يبق زقاق أو حي أوشارع إلا والنار في وسطه وجنباته وأحشائه.
نساء وأطفال ،شيوخ وعجائز،صبيات وشابات يجتمعون حول النار المتقدة الحمراء وهم يضربون بالد فوف والطبول متحلقين حول النيران على شكل دائرة وهم يرددون موالا شعبيا:
" آويلي عـــــــشور مـــشا يعـــــــزي وداه الواد...آو يــــلي كــــــــديدة ملوية عـــــــل لعواد" .
ثم يتابعون الغناء قائلين" عشوري عشوري حليت عليك أشعوري ..قـد خيوط الجرارة ..قد لبغلة ماذا جرات تـا لبلا د الشاوية ..وفينك أحيجوبة..وفيــــــنك أحيجوبة".
كنت أقــف مذهولا لولا أن كلثوم أخرجتني من صمتي ودهشتي وأمسكت بيدي لتعلن في لي فرحة:
ـ إنها عاشوراء وإنها الشعالة.
ساعتها تذكرت يوم حا ول المشركون حرق نبي الله إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنا م قومه وما يعبده أبوه آزر،وكيف نجاه الله من تلك النار بقوله " يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم"
كانت المدينة تسبح في حلة من شعاع متوهج والدخان يملأ الفضاء ولا يترك للصدور مجالا للتنفس واستنشا ق نسمة هواء.
إنه الليل وكلثوم تحثني على أ ن نذهب في مشوارنا حتى لا تـتأخر.
دخلنا عالم الظلمة لكن القمر كان مضيئا ومياه نهر أم الربيع تنساب بهدوء،جلست بجانب كلثوم نتبادل القبلات ونقيق الضفادع يخترق صمت هذا المشهد الشاعري.
كنت غارقا في حب علوي وأنا أبصر النيران المشتعلة وكلثوم بجانبي تتأمل النهر الهادئ ومن بعيد كانت تسمع أصوات النساء وهن يرددن" عشور أ بو مدجة ما ت أو خلا خديجة".
كانت المواويل الشعبية تترك بداخلي مشاعرمتناقضة فيها مزيج من الرغبة والدهشة والحيرة،وأخفي راسي في صدر كلثــــــوم كطفل صغيروهي تقول لي:
ـ سيظل حبنا مشتعلا كيوم الشعالة وسيظل متوهجا كالنارالقوية،عدني بأنك لن تتخلى عني،وعاهدني على أن تشتعل المحبة في قلبك كما النار..وعــــدني بأن الملل لــــن يتسرب الى علا قنا فيخمدها.
قلت لها:
ـ عا هيدني على ألا تتغير مشاعرك نحوي ...وألا تلتحقي بعائلتك في ايطاليا وتتركينني وحدي.
عاهدت كلثوم على الوفاء،وعاهدتني على الإخلاص،تشابكت ايدينا،ضممتها الى صدرها وهي باكية،قبلت يدها وهي مرتجفة..اقسمت لي بأغلظ الأيمان أنها ستكون لي وحدي.
مرالعام ..واحتفلت نساء مديتنا مرة أخرى بذكرى عاشوراء....أشعلن النيران.. ودعون للوليمة كل الجيران،ورقص على ألسنة النار كل عاشق ولهان إلا أنا بقيت حزينا، فقد هجرتني كلثوم وذهبت لبلاد إ يطاليا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
http://khalidabdellatif.jee ran.com/profile
khalid-abdellatif@hotmail.c om