بمناسبة يوم اللغة العربية، مقال كتبته منذ ما يزيد عن عشر سنوات، أرجو أن يتم تبنيه من أي مؤسسة مهتمة بالموضوع مع الشكر لمن يتقدم باقتراحاته وتعديلاته على المشروع.
********************************************
دعوة إلى إحياء اللغة العربية الفصحى
لا يَخفى على أحدٍ مدى شراسةِ الهجمةِ الغربيةِ على حضارَتِنا وقِيَمِنَا ودينِنِا وثقافَتِنِا , وقدْ نالَ اللغةَ العربيةَ منْ هذه الهجمَةِ الوابلَ الأكبرَ نظراً لإدراكِ الأعداءِ لأهميتِها ودورِهَا الرئيسي في بناءِ الوحدةِ العربيةِ والإسلاميةِ التي تخيفُ الغربَ وتجعلُهُ يضعُها في مقدمةِ أعدائِهِ الألداءِ , ولتخاذُلِ أبناءِ العربيةِ في الدفاعِ عنها وتساهُلِهِم في هذا الأمرِ حتى عمَ البلاءُ وانتشرَ وصارَ الضَعْفُ عاماً وتفاقَمَتْ الآثارُ السلبيةُ.
لن أطيل في ضرب الأمثلة والشواهد , فكل من عنده ذرة من وعي وعقل ومعرفة يدرك خطر هذه الهجمة ويدرك مدى ابتعادنا التدريجي عن لغتنا الحبيبة في جميع المجالات من شعر وأدب وغناء وتقديم للبرامج التلفزيونية وخطابات وحتى في خطب الجمعة التي صار اللحن فيها لا يعد عيبا ولا منقصة . وأحيل هنا كل من أراد المزيد إلى كتاب المفكر العظيم محمد محمد حسين " حصوننا مهددة من الداخل " علما بأن هذا الكتاب كتب من حوالي نصف القرن والوضع الحالي أسوأ بكثير من الوضع السابق ولا يمكن المقارنة بينهما .
أحب أن أضيف هنا أمرا واحدا باعتبار أنني أعيش في الغرب وأحتك مع عرب من جميع أقطار العالم العربي وقد صدمني أننا لا نستطيع أن نتكلم أو أن نفهم بعضنا تماما لغلبة اللغة العامية لكل منا على أسلوب كلامه وهذا على عكس ما يظنه الكثيرون أننا نفهم بعضنا أينما ذهبنا في أرجاء العالم العربي الواسع , فهذا الرأي قد يكون صحيحا في مجال المعاملات اليومية والكلام العادي من سلام وتحية , أما إذا وصل الأمر إلى نقاشات هامة في مواضيع متخصصة فسترى أن كل هذا الكلام عن وحدة اللغة صار هباء منثورا وتحول الحوار إلى حوار طرشان , إلا إذا كان المتحاورين على قدر من العلم والثقافة يتيح لهم التكلم بلغة عربية فصحى مبسطة .
إن هذه المبادرة هي مبادرة فردية تحتاج إلى تعاون كل مخلص من أفراد هذه الأمة وكل من يرى أهمية اللغة العربية في توحيدها وإخراجها من بعض ما تعانيه من تشرذم وتفرقة . هذه المبادرة لا بد أن تأخذ دورها في جميع وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة حتى تحقق نتائجها التي نحلم بها , وهذا لا يتحقق إلا إذا اعتمدها الكثيرون ممن نوجه لهم هذا الخطاب , وقام بالإعلان عنها كل من يملك منبرا يخاطب منه الناس مهما كانت الدائرة التي يتعامل معها ضيقة
تتلخص المبادرة بالأمور العملية التالية :
ـ البدء في إعادة استخدام الحرف المشكول لكل المطبوعات العربية وهذه مسؤولية دور النشر بالدرجة الأولى والجرائد والمجلات في المرحلة الثانية . وقد كان هذا صعبا فيما سبق بسبب صعوبة الصف اليدوي للحرف المشكول وكثرة مشاكله أما الآن ومع وجود هذا الحرف في الحاسوب فالمشكلة تبقى في إيجاد من يقوم بهذا العمل فقط وفي زيادة المدة اللازمة لصف الكتاب والتي لا تتجاوز العشرة بالمائة من المدة العادية للصف العادي . ( هذا قد يوفر العديد من فرص العمل لأساتذة وخريجي اللغة العربية المنتشرين على الأرصفة على امتداد العالم العربي )
ليس ضروريا أن يكون التشكيل لكل حرف , المهم هو نهايةالكلمات والأفعال التي فيها اختلافات صرفية وكذلك الكلمات المشتبهة والتي يمكن أن تقرأ بأكثر من وجه .
ـ إلإلتزام بوضع ملخص لقواعد اللغة العربية وقواعد الإملاء في كل كتاب يطبع في العالم العربي , وهناك مع هذه الرسالة مقترح لمثل هذا الملخص لا يتجاوز أربع صفحات أي ورقتين مما لا يؤثر على حجم الكتاب ولا على تكلفته ويمكن أن يوضع هذا الملخص في بداية الكتاب أو في نهايته بحيث يصبح هذا أسلوبا متبعا في جميع المطبوعات العربية .
وهنا ننادي كل من له اهتمام بهذا الموضوع أن يساعدنا على تطوير هذا الملخص وإعادة صياغته شكلا وإخراجا ليكون أوضح ما يمكن وأسهل ما يمكن وأشمل ما يمكن دون تعقيد أو إسهاب . ربما مثلا صياغته بشكل جدول .
هناك الكثيرون الذين يودون أن يقرأوا بشكل صحيح وأن يتعلموا القواعد البسيطة للغة ولكنهم يصعب عليهم الرجوع إلى المصادر وسيجدون في هذا الملخص حوالي سبعين بالمائة من الأسئلة التي تخطر في بالهم , ومن أراد المزيد فسيكون من المختصين الذين لا يصعب عليهم البحث في مكان آخر .
ـ وضع هذا الملخص في جميع المواقع العربية على الإنترنيت بشكل رابط يقود إلى صفحة فيها هذا الملخص .
ـ إعتماد المواقع العربية للحرف المشكول , ومحاولة تصحيح العناوين والروابط في كل صفحة على الموقع والتخلي نهائيا عن استخدام اللغة العامية مهما كانت الفئات التي يتوجه إليها الموقع . فالقضية قضية لغة ودين وحضارة ومستقبل وليست قضية إعجاب الناس واستمالتهم إلى الموقع .
ـ إعتماد الفضائيات والإذاعات والتلفزيونات العربية الكتابة بالحرف المشكول , وتدريب المذيعات والمذيعين على قراءة هذه الأخبار والتركيز على أهمية الشكل في أواخر الكلمات بدل تسكينها , وهذا يتم في بعض المحطات ونرجو أن ينتقل إلى بقيتها .
في الختام , لابد من عامل الزمن لكي تؤتي هذه المبادرة ثمارها المرجوة , فالإنحدار الذي وصلنا إليه هو نتيجة سنوات من التخطيط والعمل الغربي وسنوات من الإستجابة أو الغفلة العربية وإعادة البناء تحتاج أيضا إلى سنوات والمهم هو الإقتناع بالفكرة والعمل الدائم من أجلها والإيمان بعظم المهمة وبأهميتها وأجرها وثوابها .
معتز شكري فيصل
ألمانيا في 15.03.2004