"معرض الكتاب بالرياض".. هموم الكتاب لا المجتمع

أحمد المصري




طرَف من معرض الكتاب بالرياض 2007
تطبيقا للمثل الشعبي القائل: "ابعد عن الشر وغن له" جاءت الفعاليات الثقافية -المصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب- مبتعدة تماما عن القضايا الثقافية المعاصرة التي من شأنها أن تثير جدلا واسعا وسجالا داخل أروقة المجتمع، فيما تركزت محاور الندوات والمحاضرات في معظمها على قضايا الكتاب وحده.
تأتي هذه الخطوة تجنبا لما حدث خلال المعرض السابق من قيام بعض المتشددين بالاعتراض على طرح موضوعات دينية واجتماعية للحوار، حيث حدثت ملاسنات واشتباكات وصلت إلى تهجم الحضور على شخصيات عامة، فيما طالب البعض بمحاكمتها كما حدث في ندوتي "التنوع الثقافي: الأنا والآخر" و"الرقابة الإعلامية ومتغيرات العصر".

وكان مراقبون ومثقفون قد أجمعوا على أن ما حدث خلال المعرض السابق كشف عن حاجة المجتمع إلى الحوار وضرورة استمرار عرض الخيوط الفكرية المتباينة، وكشف نقاط التلاقي، واستثمار درجة الاختلاف، إلا أن وزارة الثقافة والإعلام القائمة على تنظيم معرض هذا العام آثرت تجنب الموضوعات الجدلية.

تبرير بلا منطق

الدكتور"عبد العزيز السبيل" -وكيل وزارة الثقافة والإعلام- برر تركيز محاضرات النشاط الثقافي لهذا العام على ما يتعلق بالكتاب وقضاياه بقوله: "ذلك يعود إلى أن المعرض ثقافي وليس لمناقشة أمور المجتمع".

وأضاف: "نحن معنيون بالدرجة الأولى بالكتاب؛ فمحاور الفعاليات تتطرق إلى قضايا الكتاب نشرًا وتأليفًا ومؤلفًا وموضوعات متعددة تهم المجتمع وتهدف إلى تكوين الوعي الاجتماعي لدى أفراده".

ومن خلال رصد "مراسل إسلام أون لاين.نت" لعناوين ندوات الفعاليات الثقافية لهذا العام لاحظ أن 13 محاضرة من بين 16 تكاد تلتزم بالشكل الحر في لقضايا الكتاب، من قبيل: "طرائف الكتب والمجلات"، و"إهداءات الكتب"، و"الكتاب المستعمل"، و"تجربة الإصدار الأول"، و"أغلفة الكتب"، و"النشر الإلكتروني صراع مع الورق"، و"اليونسكو والكتاب"، و"حقوق الملكية الفكرية"، و"روايات عربية بلغات أجنبية"، و"قراءة تحليلية في الموسوعات السعودية"، و"إصدارات غربية حول الإسلام بعد 11 سبتمبر"، و"الطريق إلى المملكة قراءة في أدب الرحلات"، و"العالم العربي والقراءة".

إضافة إلى محاضرات أخرى لا تربط بالكتاب بشكل مباشر، وهي "الثقافة العربية والدولة العثمانية" للدكتور "أكمل الدين إحسان أوغلو" ومحاضرة "بين الثقافة والسياسة" ألقاها غسان سلامة، و"حقوق الإنسان.. حوار عن بعد" لعبد الله بن بيه.

وكانت وزارة الثقافة والإعلام قد أكدت أن المعرض لهذا العام لن يتطرق لموضوعات التكفير والتفجير والإرهاب مطلقا، وهو تأكيد لم يرق للكثيرين مما بدا لهم أنه وسيلة للهروب، وكأنه طريقة للتخلص من اشتباك جماهيري جديد، خاصة أن اللجنة المنظمة للمعرض دعت أسماء جديدة لا يتمتع بعضها بحضور جماهيري وكوادر أكاديمية مبتعدة عن الحضور الإعلامي، وليس لها إنتاج مميز أو إنها شخصيات رسمية تقليدية.

وعن ذلك أشار "عبد العزيز السبيل" إلى أن "اللجنة المنظمة لا تبحث عن نجوم، وقد قررنا أن من شاركوا في فعاليات العام الماضي لا يشاركون هذا العام من أجل التنويع وفتح الفرصة أمام الجميع".

الرقابة شرفية

وبعيدًا عن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض وتركيزها على الكتاب، فيحسب للقائمين على المعرض ارتفاع هامش الحرية، وعدم تسليط سيف الرقابة على دور النشر.

"موسى الموسوي" المشارك بإحدى دور النشر- أكد أن هامش الحرية الذي يحظى به المعرض هذا العام أكبر بكثير من الماضي".

وتابع: "الوزارة اكتفت هذا العام بالرقابة من خلال قوائم العناوين التي قمنا بإرسالها قبيل المعرض، في حين في السابق كانوا يقومون بمصادرة الكتب بعد عرضها".

وفي هذا الشأن قال وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية "عبد العزيز السبيل": إن معرض الرياض الدولي للكتاب سيكون خاليًا من الرقابة -سوى الرقابة على الكتب التي تسيء للدين والوطن- فيما توقّع أن يكون حضور موظفي الرقابة حضورًا شرفيًّا فحسب.

وعن تخوف البعض من قيام رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصادرة كتب بمعزل عن الوزارة أضاف: "الجهة الوحيدة التي يحق لها مصادرة أي كتاب هي إدارة المطبوعات فقط".

وبيَّن السبيل أن هناك تنسيقًا بين القطاعات الحكومية المشاركة في إدارة المعرض، بما فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عودة الإبداع المهاجر




عادت العناوين الجريئة والممنوعة

اتساع هامش الحرية في المعرض أتاح حضور بعض الإصدارات لمؤلفين سعوديين، يمكن وصفها بالإبداع المهاجر، وهي الكتب التي اقتصر وجودها مسبقًا على خارج المملكة، بعد منع نسخها داخل البلاد، مثل رواية فسوق لعبده خال، وبنات الرياض لرجاء الصانع، ورواية الإرهابي 20 لعبد الله ثابت.
وتم السماح بمعظم الكتب التي كانت ممنوعة في السابق، من بينها "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري، و"جواز صلاة الرجل في بيته" لمؤلفه "خالد الغنامي"، وهو كتاب أثار ضجة عند صدوره، ويتحدث عن أن الصلاة في المسجد ليست بفرض.

كذلك كان الكتاب الجديد "كشكول طالب ثانوي" دليلا واضحا على هامش الحرية التي يتمتع بها المعرض، مؤلف الكتاب "محمد الهويمل"، طالب سعودي في سنته الجامعية الأولى، بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، يروي فيه تفاصيل مثيرة من سنوات تعليمه العام.

ويحمل الكتاب عناوين مثيرة تحاكي ما يرمز له جيل المراهقين على مقاعد الدراسة، وتمت إجازته من وزارة الإعلام السعودية، مع ملاحظات جانبية من الرقيب تنصح المؤلف بالتريث في إطلالته الأولى.

وحملت عناوين الكتب لغة صريحة وجريئة مثل: "أنا ومعلماتي"، و"فتيات الأرجوحة"، و"حينما هزني شوق"، و"موسم التفجير"، و"همجية"، و"كيف أصبحت ملحدا؟"، و"أستاذنا الجزار"، و"المومس في مدرستي"، و"الكأس الأولى"، و"أستاذي والعادة السرية"، و"ملامح آيروسية!"، و"قم للمعلم.. اذهب للمعلم.. أعط المعلم"، و"الاغتصاب وضياع الشرف"، و"صديقتي وسجائري".

رقابة تطوعية




وظهرت الرقابة التطوعية

وبرغم اتساع هامش الحرية بالمعرض، فإن بعض أصحاب دور النشر شكوا من رقابة من نوع آخر يقوم بها بعض زوار المعرض من المتشددين.
ووفق الجريدة "الوطن" فإن مجموعة من الشباب أتوا إلى إحدى دور النشر المصرية وطلبوا من العارض إخفاء الكتب.

وتحدث صاحب دار النشر بقوله: "ما حدث كان بدون خطاب رسمي أو بدون شخصيات رسمية، حيث أتى إليّ فجأة مجموعة من الشباب برفقتهم شيخ وأخذوا يطلعونه على عناوين كتب وهو يقوم بالأمر بإخفائها".

وأضاف: "المشكلة أنهم لم يقرءوا ما بداخل الكتب وأحد الكتب يدافع عن الإسلام لكن عنوانه عن المسيح فطلبوا إخفاءه دون إذن وكانوا يتوقعون أن هذا الكتاب ضد الإسلام".

كما شكا ناشر في إحدى دور النشر اللبنانية مما أسماه تطفل بعض الزوار في الانتقاد والمطالبة بعدم العرض.

للجميع بدل "عوائل"




معرض الكتاب بالرياض.. للجميع

غالبا ما تواجه الفعاليات الثقافية من قبيل معارض الكتاب والجنادرية إشكالية تخصيص أيام للرجال وأخرى للنساء أو العوائل، وخلال معرض هذا العام استطاع المنظمون أن يخرجوا من الإشكالية التقليدية دائمة الحضور في مثل هذه الفعاليات، وتم تخصيص الأوقات المسائية للرجال فقط، فيما غابت عن الجدول مفردة "عوائل" وحلت مكانها "للجميع".
وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية الدكتور عبد العزيز السبيل أكد أن هناك تنظيما جديدا فيما يخص أيام الرجال والنساء بمعرض الرياض الدولي للكتاب قائلا: "إن الأيام الخاصة بالرجال ستنحصر في 4 فقط من أصل 10 أيام هي مدة المعرض، وستكون باقي الأيام للجميع نساءً ورجالا، كما أن الفترات الصباحية ستكون للجميع دون تفريق في الجنس".

ويبدو أن هذه الخطوة، شجعت العديد من النساء لرفع سقف مطالبهن، والمطالبة بالمساواة في كل الأوقات علها تجد طريقها للتنفيذ في المعرض القادم، واعتبرن التنظيم القائم حاليا نوعًا من المحاباة بمنح الرجال 84 ساعة لحضور المعرض، في حين لم يسمح للنساء إلا بـ 54 ساعة.

ويذكر أن إدارة المعرض قد قررت تسمية ممرات المعرض بأسماء 15 شخصية أدبية سعودية أثرت بنتاجها الفكري المشهد الثقافي المحلي.

ويشارك في المعرض الذي يقام على أرض المعارض بالرياض ويستمر لمدة 10 أيام (27 فبراير-9 مارس) أكثر من 600 دار نشر و200 ألف عنوان للكتب والمراجع ومخطوطات محلية وعربية وعالمية، وتشارك 16 دولة بأجنحة في المعرض إضافة إلى مشاركة ما يقرب من 70 باحثًا وباحثة من قارات مختلفة في فعاليات المعرض.


--------------------------------------------------------------------------------

صحفي مقيم في السعودية.

بعض الصور في المرفقات