عروة بن الورد: أميرالصعاليك.

عروة بن الورد بن زيد بن عبدالله بن قطيعة العبسي وأمه تنتهي إلى قبيلة نهد القضاعية، من شعراء الصعاليك وفارس من فرسان العرب المعدودين. كان جواداً وكان يحسن الى المحتاجيين والفقراء، كان أبوه سبباً في إشعال حرب وقعت بين قبيلة عبس وفزارة. كان مضطهداً من والده، وكان والده يفضّل أخاه الأكبرعليه، كما أن قومه احتقروه لأن منزلة قبيلة أمه أقل من منزلة قبيلته.
لـُقب عروة الصعاليك وذلك أنه كان رئيسهم، وكان يعينهم ويساندهم إذا لم يتوفقوا في غزواتهم. قال عنه عبد الملك بن مروان "ما يسرني أن أحدا ًمن العرب ولدني إلا عروة بن الورد لقوله عندما تعرض له بعض الأثرياء بأنه مضنىً و أنه هزيل شاحب اللون فقال له إنني يشاركونني كثيرون من المحتاجين والسائلين وذوي الحاجة في شرابي أو طعامي أما أنت فلا يشركك أحد فلست أنا الخليق بالهزؤ والسخرية إنما الخليق بذلك أنت السمين البخيل، يقول عروة في ذلك :
إني امرؤٌ عـــا في إنـائى شِركةٌ
وأنت امــرؤٌ عا في إنـاءك واحدُ
أقسّـم جسمي فـي جسـومٍ كثيرةٍ
وأحـسو قـراح الماءِ و المـاءِ بارد
أتهـــزاُ منـي أن سمنتَ و أن ترى
بجسميَ مـسَّ الحق و الحقُّ جاهد

كان عروة ذو شخصية متميزة، وكان مذهب الصعلكة عنده وهدفه إقامة العدالة الاجتماعية في ذلك المجتمع الذي يحتقر الفقراء والمحتاجين.
عن الأصفهاني " كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سني شديده تركوا في دارهم المريض والكبير و الضعيف، وكان عروة يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة ثم يحفر لهم الأسراب و يكنف عليهم الكنف، ومن قوي منهم إما مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تثوب قوته خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخصب الناس و البنوا وذهبت السنه ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فربما أتى الإ نسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمي عروة الصعاليك.

لما رأى عروة ظلم الأثريا والكبراء على الضعفاء والمساكين المحتاجين كرس حياته ليكون عوناً للفقراء والمحتاجين فقد كان أكثر ما يغيرعلى الأثرياء البخلاء المتكبرين على الضعفاء المسا كين ويـوَّزع ما غنمه من مال على الفقراء المعوزين.
قال عنه معاوية بن أبي سفيان " لو كان لعروة ولد لأ حببت أن أتزوج إليهم" وقال عنه عبدالملك بن مروان "من قال إن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد" وقيل سمي عروة الصعاليك لقوله:

لحى ا لله صعلوكاً إذا جن ليله
مُصا في المُشا شِ آلِفاً كلّ مَجزرِ ِ
يَعدُ الغنى من دهره كل ليلةٍ
أصاب قِِـراها من صد يقٍ ميسّر
ينام عِشاءً ثم يصبحُ قاعداً
يُحتُ الحصى عن جنبه المتعـفّـر
و لله صُعلوك ٌ صفيحةُ وجهه
كضوءِ شِهاب القابــس المُتنور

عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أنه قال لمعلم ولده لا تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:
دعيني للغنى أسعى فاني
رأيت النا س شرهم الفقيرُ

بمعنى أن عروة يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم.
ُيقال إن عروة أغارعلى قبيلة مزينة فأسر منهم امرأةً من كنانه، فاستقاها ورجع وهو
يقول:
تبغ عدياً حيث جلت ديارها
وأبناء عوف في القرون الأوائلِ
فإلا أنل أوساً فإني حسبها بمنبطح
الأدغال من ذي السلاسل

ثم أقبل سائراً حتى نزل بدار بني النضير، فلما رأوها أعجبتهم المرأة فسقوه الخمر، ثم استوهبوها منه، فوهبها لهم، فلما أصبح و صحا ندم فقال: سقوني الخمر ثم كفنوني .

وعن أبي عمرو الشيباني من خبر عروة بن الورد وسلمى أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكراً يقال لها أنها أرغب الناس، قالت له: لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم فحج بها، فأتى مكة ثم أتى المد ينة، وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم إذا غنم، وكان قومها يخالطون بني النضير، فأتوهم وهو عندهم، فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأ خبروه" أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معرَّفة النسب سبية" وافتدوني منه فإنه لا يرى أني أفارقه ولا اختار عليه أحداً. فأتوه وسقوه الشراب فلما ثمل قالوا له فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، وأن علينا سبه" أن تكون سبية فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا ننكحك إياها فقال لهم ذاك لكم، ولكن لي شرط فيها أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم بها، قالوا ذاك لك، قال دعوني أبيت معها الليلة وأفادها غداً، فلما جاء الغد جاءوه فامتنع من فدائها، فقالوا له قد فاديتنا بها منذ البارحة، وشهد عليك بذلك جماعة ممن حضر، فلم يقدر على الامتناع وفاداها، فلما فادوه بها خيروها فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك مرعلي يوم منذ كذا كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك، لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا و كذا إلاسمعته، ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبداً، فأرجع راشداً إلى ولدك وأحسن إليهم.
فقال عروة في ذلك:

تحن إلى سلمى بحر بلادها
وأنت عليها بالملا كنت أقدرا
تحِلّ بوادٍ، من كَراءٍ،مَضَلـّة ٍ
تحاولُ سلمى أن أهابَوأحصَرا
وكيف تُرَجّيها، وقد حِيلَدونها
وقد جاورت حيّاً بتَيمن مُنكرا
تبغّانيَ الأعْداءُ إمّا إلى دَمٍ
وإما عراض الساعدين مصدرا
ويقول:

دعِيني للغنى أسعى ،فإنّي
رأيتُ الناسَ شرُّهمُ الفقيرُ
وأبعدُهم وأهونُهم عليهم
وإن أمسى له حسب وخير
ويُقصِيهِ النَّدِيُّ،وتَزْدرِيهِ
حليلته وينهره الصغير
ويلقى ذا الغنى وله جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليلٌ ذنبُهُ، والذنبُ جمٌّ
ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ

ومن شعره:

إذا المرء لم يبعث سواماً ولم يرح
عليه ولم تعطف عليه أقاربه

فلَلمَوتُ خيرٌ للفَتى منْ حَياتِهِ
فقيراً، ومن موْلًى تدِبُّ عقارِبُهْ

وسائلة ٍ: أينَ الرّحيلُ؟ وسائِلٍ
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه

مذاهبه أنّ الفِجاجَ عـريضـة ٌ
إذا ضَنّ عنه، بالفَعالِ، أقاربُه

فلا أترك الإخوان ما عشت للردى
كما أنه لا يتركُ الماءَ شاربُه

ولا يُستضامُ، الدهرَ، جاري، ولا أُرى
كمن باتَ تسري للصّديق عقاربُه

وإن جارتي ألوتْ ريـــاح ببيتها
تغافلت ُحتى يستر البيت جانبه



بتصرف من كتابنا " موسوعة فرسان الشعر العربي "