الخشية من الركون على عمليات الطعن / مصطفى إبراهيم
23/10/2015
يوم بعد الآخر تتضح الصورة أكثر، أن لا جدية لدى القيادة والفصائل لالتقاط الفرصة وإنهاء الإنقسام غير المرتبط فقط بالهبة الشبابية، وتجدد الأمل و الحال الثورية السائدة لدى الفلسطينيين، إنما من تعظيم الإشتباك مع الاحتلال ومن أجل إعادة الإعتبار للمشروع الوطني، والإعلان بطريقة لا تقبل التأويل أننا شعب يرزح تحت الإحتلال ويسعى للحرية ومن تقود نضاله هي حركة تحرر وطني، وليس سلطة حكم ذاتي لا تزال مكبلة بقيود إتفاقات تقادمت وفي غير صالح الفلسطينيين.
الهبة الشبابية هي تعبير عن رفض الإحتلال وممارساته وسياساته العنصرية الإحلالية، و الخشية قائمة أن يجد الشبان والفتية أنفسهم وحدهم، من دون دعم شعبي و الركون على تضحياتهم الفردية و تنفيذ عمليات الطعن والدهس، والانتقام الذي يراه كثيرون تعبير عن ثأر و إنتقام من الإحتلال وليس وسيلة من وسائل المقاومة، والقتل والتنكيل الذي يتعرض له الشبان على الشبهة، وما يلحق الضرر بالهبة وسهولة القضاء عليها في حال إستمر تغييب المشاركة و الإشتباك الشعبي، و إدارة الهبة الشعبية ضمن برنامج وطني وسياق طبيعي لمقاومة الإحتلال و متفهم لطبيعته وفاشيته، والإرهاب الذي قد يمارسه بشكل أفظع.
لا حرية من دون تكلفة، وحتى اللحظة، من يخشى التكلفة ودفع الثمن هو النظام السياسي الفلسطيني غير الموحد بجميع مكوناته، والإدعاء أن النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني قد حقق نتائج، وأن الظروف الموضوعية والذاتية للفلسطينيين وتجاربهم السابقة مع الإنتفاضات لم تنجح، والمزاج العربي والدولي وموازين القوى لم تنضج بعد.
هذا هروب من المواجهة مع الإحتلال، و فلسطين كانت ولا تزال المحور والبوصلة لمحيطها العربي والدولي أيضاً، ومن متى كانت موازين القوى تعمل لصالحنا، و مع صحة بعض من ذلك يبقى الأساس أن نصحح المسار، ونحن من نعيد الإعتبار لذواتنا كي نستطع أن نجلب بعض من موازين القوى لصالحنا.
القيادة الفلسطينية وحركة فتح تخشيان من عدم السيطرة على الهبة وواضح أن بداخلها تياران، وعلى الرغم من أن عناصر من فتح يشاركوا في المواجهات لكنها محدودة، و لا تزال فتح متمسكة برؤية وموقف الرئيس محمود عباس من المقاومة الشعبية السلمية ومفهومها، وهو الذي لا يقيم وزناً للمقاطعة الدولية ونزع الشرعية عن الإحتلال وهي مقاومة سلمية مدنية، و يصر على الإستمرار في توجهه السياسي والدبلوماسي للمجتمع الدولي، والإنضمام لجميع منظمات الأمم المتحدة والاتفاقات والمعاهدات الدولية، على أهمية ذلك لكن من دون مخاطبة الناس بنواياه وخططه المستقبلية هذا يكون غير مجدي، بالإضافة إلى هواجسه وخوفه من حركة حماس و القائمة على تحذيرات سابقة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية له بإحتمال سيطرة حماس على الضفة أو زيادة نفوذها.
وفصائل اليسار غير موحدة سواء في الرؤية أو الموقف من السلطة و من الهبة، و لم تبلور بعد موقف موحد و واضح، وهم يستطيعوا التأثير في ما يجري، لكن موقفهم يظهر و كأنهم متماهين مع رؤية الرئيس وموقفه المرتبك والرافض لكل ما يجري، برغم إدعاء بعض منهم إشتباكه مع الرئيس خلال إجتماعات اللجنة التنفيذية.
و حركة حماس التي تعلن بصوت مرتفع تبنيها للهبة ودعمها في الضفة الغربية والقدس، وإسنادها بالمشاركة بالتظاهرات المشتركة مع حركة الجهاد الإسلامي التي تجوب شوارع قطاع غزة، تخشى من الزج بعناصرها بقوة للمشاركة في المواجهات و الإشتباك الجماهيري الواسع مع الإحتلال في الضفة خشية و خوفاً من تنفيذ الإحتلال إعتقالات لقيادتها و لعناصرها، كما حدث مع القيادي الشيخ حسن يوسف وغيره، وملاحقة الأجهزة الأمنية أيضاً لهم، و تدعي حماس أن الأمن قام بإعتقال عدد من عناصرها، وفي غزة ترفض حماس أي حراك شعبي أو مواجهات شعبية على الحدود بإدعاءات مختلفة.
النوايا غير واضحة والغموض و الإرتباك سيد الموقف، والجميع لا يدرك خطورة إستمرار الإنقسام و الإحتلال و البطش والإعدامات الميدانية والقتل خارج إطار القضاء التي ترتكبها قوات الإحتلال لردع الفلسطينيين وكي وعيهم، وتضليل ما يمسى المجتمع الدولي المتواطئ و المستمر في صمته منذ زمن، ومقاربة ما يجري بالتطرف الديني وما تقوم به داعش في محيطنا العربي، وتزييف التاريخ وتشويه القضية الفلسطينية، وتجريد الشبان والمقاومة من منظومة القيم ونزع أي بعد أخلاقي أو قانوني عن الفلسطينيين.
لا أمل في النظام السياسي الفلسطيني التائه، فالخطاب وإن بدا موحد لكنه متعالي و مائع ومرتجف وما يصدر هو شعارات والوعيد والتهديد الفارع من أي مضمون، برغم الاٍرهاب الإسرائيلي الهمجي الذي يغذي الغضب الفلسطيني للرد على هذا الإذلال الوحشي، و هم عاجزون عن أي فعل، ويعتقدون أن الغضب هو رد فعل و ثأر وانتقام من شباب يائس ومحبط، و كأنهم بقصد أو من دون قصد يؤكدوا رؤية مع نتانياهو و في جر الهبة إلى مربع الدم الذي يبغاه، و وأد الهبة قبل ان تنمو وتكبر وتفريغها من نفوس الناس و روح الشبان الحيوية والمتوقدة بالحرية للإنعتاق من الاحتلال، وحق الفلسطينيين في مقاومته بجميع الوسائل المتاحة.
إسرائيل مستمرة في التصعيد ولا أي رد فعل بتعزيز الوحدة و إتخاذ خطوات وحدوية و جماعية من القيادة والفصائل وإحياء روح الجماعة الوطنية، المشهد القائم هو التعبير بشعارات وهمية من دون خطاب وطني وتحديد الأهداف لمواجهة كل هذا الإحرام.
الأمل في الشبان الذين أحيوا الأمل فينا، فلا تتركوهم وحدهم، هم بدون خبرة وصبرهم قليل والخشية من مفاجآت الشبان ومقاومتهم الطاهرة ونواياهم النبيلة، و انفلات الأمور من بين أيديهم و إستفراد الاحتلال بهم، ومن سيدفع الثمن قبلهم النظام السياسي برمته، فهم ليس لديهم ما يخسروه إلا مستقبلهم، وهذا أشد خطورة من الإحتلال، إسرائيل تدرك وتراهن أن مستقبل إستمرار الهبة هو في عسكرتها و تشديد قبضتها للإستمرار في سياستها العدوانية و إحتلالها وتوسعها الاستيطاني.