مقتطفة من رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية :
كل ما تتزنق قول إخوان !

انجي مصطفى


بعد أن أعطى مظهر شاهين إشارة البدء في حملة " هنعدل الدستور " و انطلقت الحملات الاعلامية المسعورة تشجب الدستور و تندد به ، لم أجد مناصا من أن أنضم لهم بدوري ، و أضم صوتي لأصواتهم في سوق المزايدات الوطنية ، طالما أن الموجة الآن هي التنديد به و الوطنية أن تنادي بنظام رئاسي بعد أن كان سبب رئيس في تغيير دستور 2012 لصالح النظام البرلماني ، و لا مانع من الرقص على المطالب على أنغام أغنية تسلم الأيادي . لم لا نعدل الدستور ، و قد استبيح باسم الشعب بعد ثورة يناير المجيدة ، مرة بالإسقاط ( دستور 1971 ) ومرة بالتعطيل ( دستور 2012 ) و أخيرا لأسوأ انتهاكات ممكنة ( دستور 2014 ) شملت تقريبا كل بنوده ، و هو الذي سمي بدستور الشعب و بأعظم دستور عرفته مصر في تاريخها. لم لا نعدل الدستور ، والبلد بلدنا ، و الورق ورقنا ، و كل الأجهزة تخضع لنا و الاعلام موالينا و المواطنين منا و فينا ، يكاد لينين الرملي في رائعته تخاريف يخرج عن عادته في الإسقاط السياسي كشعب أنتيكي و يصرخ ، انما قصدتكم أنتم أيها الشعب الطيب المهاود . لم لا نعدل الدستور و أغلب من رقصوا على لجانه ، لم يكلفوا أنفسهم عناء مقارنته بدستور الاخوان ، ليكتشفوا الا فارق تقريبا بينهما إلا في بضع مواد تتعلق بالشريعة و بعض المواد اللصيقة بالحريات . لم لا نعدل الدستور و الشعب يجهل أن مادة من المواد التي صبغوا أناملهم بحبر استفتاءها ( مادة 226 )، تعطي حق تعديل مادة أو بضع مواد فيه "فقط" لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب ،و ليس لسعادة الشيخ مظهر شاهين و من والاه من أمثال مصطفى بكري و غيرهم . . لم لا نعدل الدستور و أمور مصر أضحت تحل بالتفويضات و الحملات و الخطب الرنانة التي تمس مشاعر و أحاسيس المواطنين بدون أن يكون لها صدى حقيقي على أرض الواقع. لم لا نعدل الدستور و المواطن غير مدرك أن الدستور هو الهيكل العظمي القائم عليه كل القوانين المفسرة و المكملة له ، تماما كجذع الشجرة الذي يحمل الأوراق و الثمار ، و العبث فيه يوازي العبث بالأساس الذي تبنى عليه أي دولة – اذا كانت نية من نزلوا في 30 يوليو 2013 حقا هي استعادة الدولة – و ليست أي دولة ، بل دولة القانون و الدستور كما كان يتلى علينا في كل مناسبة و كل حين . لم لا نعدل الدستور و هو مجرد حبر على الورق ، تم انتهاك أغلب نصوصه ، رغم أن الفارق الجوهري بينه و بين دستور 2012 أنه " جرم " فعل انتهاكه في المادة 159 أما عن انتهاكات الدستور ، فحدث و لا حرج ، و ما يلي هو غيض من فيض من انتهاكات مستمرة و دائمة له : - المادة 9 ( تلتزم الدولة بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص لكل المواطنين ) و جميعنا نتذكر قصة السيدة رابعة بعد استبعادها من مسابقة الـ30 ألف معلم بالتربية والتعليم، حيث صارحها موظف قبول الطلبات قائلا " ما تتعبيش نفسك، عشان اسمك رابعة مش هتتقبلى " أما الأغرب أن قصتها لم تحرك من المسئولين ساكنا . - المادة 14 ( لا يجوز للدولة فصل العمال إلا عن الطريق التأديبي ) ينتهكها قانون الخدمة المدنية الذي يجعل الفصل مرهونا برضا المدير المباشر - المادة 15 ( الاضراب السلمي حق ينظمه القانون ) ينتهكها قانون الارهاب الذي وصف العمل الارهابي أنه " منع أو عرقلة السلطات العامة أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها، أو منع أو عرقلة قيام دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح. - المادة 27 ( تلتزم الدولة برفع مستوى المعيشة و الالتزام بمعايير الشفافية ) تنتهكها سياسة تطبيق رفع الدعم الجزئي عن الوقود و ما ترتب عليها من ارتفاع في أسعار وسائل النقل و السلع العينية و الخدمية و بالتالي انخفاض بالتبعية في مستوى معيشة المصريين . كما لم تلتزم المشاريع القومية بمبدأ الشفافية سواء في الاعلان الرسمي عن فكرة المشروع أو إرساء المناقصات اللازمة بأفضل الشروط الممكنة ،أو عمل دراسات جدوى مستوفية كل جوانب المشروع، ثم عرض التكاليف المتوقعة و الفعلية على المواطنين . - المادة 29 (زيادة الرقعة الزراعية) تم انتهاكها بتقليص ميزانية وزارة الزراعة 60% ، كما تم تخفيض ميزانية قطاع استصلاح الأراضي من 243 مليون جنيه إلى 200 ألف جنيه المادة 36 ( تحفيز القطاع الخاص ) تم انتهاكها بإرساء أغلب المشاريع القومية على الجهاز الهندسي للقوات المسلحة المادة 40 ( المصادرة العامة للأموال محظورة و الخاصة لا تصادر إلا بحكم قضائي ) تم انتهاكها بمصادرة جمعيات الاخوان و رجال الأعمال المنتمين لهم أو المشتبه في انتماؤهم. المادة 44 ( تلتزم الدولة بحماية نهر النيل ) تم انتهاكها بتقاعس المسئولين عن حل أزمة سد النهضة . المادة 56 ( تخضع السجون للإشراف القضائي ) تم انتهاكها عندما اشتكى أحد المسجونين القاضي ناجي شحتاته في قضية خلية امبابة ، أوضاعه المعيشية في سجن العقرب ، فما كان من القاضي سوى أن رد عليه قائلا " مش البتاع .. بتاع حقوق الإنسان زاركم وقال انكم كويسين عاوزين ايه " و لم يحرك الموقف ساكنا ناهيك عن انتهاكات تملء بيسر صفحات كتب ومجلدات تختص بمواد باب الحقوق والحريات و الواجبات العامة في الدستور ابتداء من المادة 51 إلى المادة 93 ، الخاصة بحرية التعبير عن الرأي ، و حرية الصحافة ،و ممارسة الشعائر الدينية، و حرية الفكر، و التصوير، و الافصاح ،و حظر فرض رقابة على الصحف . و يبدو أن الانتهاكات أضحت بمثابة نصوص غير مستفتى عليها تنتظر تهيئة الرأي العام أولا لإقرارها ، و إلا ما كان تصريح السيسي ان النوايا الحسنة لا تبني دولا ، و ما كانت الهجمة الاعلامية الشرسة بعد أن أقيمت الليالي الملاح على شرف أعظم الدساتير . كما أني لم أفهم إلى الآن ، هل كان من المفترض أن يكتب الدستور بنوايا سيئة و شريرة مثلا ؟ و كيف لا يرى الاعلاميين أي وحل مرغوا فيه شرف ميثاقهم الاعلامي ، و هم يوجهون طعناتهم صوب دستور رقصوا عليه واستبشروا به خيرا بعد الشماتة في سقوط الاخوان و دستورهم ؟ و كيف تفتق ذهن مصطفى بكري على خداع الناس بطريقة ( كل ما تتزنق قول اخوان ) ، راميا لجنة الخمسين بميول اخوانية ، و قد سرد أبو الغار في لقاء تليفزيوني تفاصيل واقعة مخجلة استحى أن يسميها بمسماها الحقيقي " تزوير " ، و كيف تم الضحك عليهم و التلاعب بهم في حفل عشاء، لاستبدال الدستور بغير ذي المتفق عليه ، و كيف أنهم ابتعلوا اهانتهم مخافة شماتة الإخوان ، فهل يعقل بعد كل ذلك ‏ أن تؤول نصوصه اليهم ؟ لا يسع صدري غير الغضب و السخط على حالة اللادولة التي أصبحنا نطحن يوميا بين رحاها ، بعد أن انتحر المنطق و انهزم العقل في معركة إصلاح ما هو متبقي منها ، بعد أن تآكلت مفاصلها بفساد تغلغل حتى النخاع ، فلم يترك غير بطون جائعة و عقول غير واعية . و لا يسعني في النهاية سوى تذكير الذاكرين ، أن الدستور هو الاب الشرعي لكافة القوانين التي تصدر في الدولة ، و تعاقد صريح بين الدولة و المواطن . لا يجوز يا سادة بأي حال من الأحوال انتهاك مواده تحت أي ظرف من الظروف ، يستمد في ذلك قوته من الشعب الذي استفتى عليه ، لا تهزه النوايا الطيبة و لا تعبث به حملات هزلية غير رشيدة

المصريون