أي مجلس وطني و أي منظمة تحرير نريد؟
مصطفى إبراهيم
7/9/2015
تعلمنا من تجاربنا الفلسطينية وتاريخنا الطويل من المعاناة والنضال أن لا شيء يحدث صدفة، لكن واضح أننا نتعلم من تجاربنا صدفة أو فنتازيا نصنعها بأيدينا، وتكرار لتجارب مجربة فاشلة، ونحاول الإدعاء التخطيط وبناء التنظيم الجماعي الذي يجمع ولا يفرق، ونحن لم نقم يوماً بتقييم ومراجعة أي من تجاربنا خاصة التنظيمية التي تتهاوى بفعل الإستمرار في التفرد وغياب العمل الجماعي.
في مراجعة لدورات المجلس الوطني الفلسطيني السابقة عادت بي الذاكرة إلى جلسة المجلس الوطني السابعة عشر التي عقدت في العام 1984 في العاصمة الأردنية عمان، وما كان لها من دور إنقسامي واضح في الساحة الفلسطينية، ومن ضمن القرارات في حينه، إعادة تنظيم دوائر منظمة التحرير ومكاتبها ووضع اللوائح الكفيلة بتطوير أجهزة المنظمة ورفع كفاءتها وفاعليتها وإنتاجية افردها، وصيانتها وتطويرها.
منذ ثلاثة عقود ومنظمة التحرير وقبل ذلك وهي تتهاوى، ولم يتم تطويرها وإعادة بناء هياكلها و أطرها التنظيمية والقانونية كي تكون إطار تنظيمي جماعي شامل يعبر عن الكل الفلسطيني وممثل شرعي ووحيد، ويعبر عن طموحات وآمال الفلسطينيين كما أريد له منذ تأسيسه ليوحد طاقاتهم وجهودهم لتحقيق أهدافهم بالعودة والحرية.
ولأهمية هذا الإطار الجامع تكالبت قوى كبيرة لاحتوائه والتأثير في صناعة القرار فيه، واستهدفت إسرائيل رموز الثورة الفلسطينية من جميع الفصائل الفلسطينية، وفقدت الثورة رموزاً عظام كان وما زال لهم بصمات على العمل الوطني الفلسطيني، وذكراهم خالدة فينا.
ولم تستطع إسرائيل كي الوعي وتزييف التاريخ، و برغم تخريب المنظمة وتآكل مكانتها و الإنكسارات والهزائم التي لحقت بنا ونعيشها، ما زال هناك أمل في إعادة صياغة وتشكيل المنظمة وإعادة الإعتبار لها وتجديد المشروع الوطني الفلسطيني.
خلال سنوات أوسلو تهاوت أحاولنا و المنظمة بشكل مريع وأصبحت تستخدم كأداة وفرغت من مضمونها لصالح السلطة، وبقي على رأسها مجموعة من الشيوخ كبار السن الذين لا يعرف بعض منهم منها سوى الراتب والإمتيازات ولا تمثيل لديهم بين الناس وفقدوا شرعيتهم.
و إستمرت إسرائيل في إحتلالها وجرائمها اليومية وعدوانها المستمر ضد شعبنا ونهب مزيد من الأرض والموارد وبناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس وبناء المستوطنات وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة وتعزيز الفصل مع الضفة الغربية، وتدهور حال الفلسطينيين في مخيمات اللجوء ومنظمة التحرير لم تقم بواجبها تجاههم، وأصبح الإهتمام بتفاصيل الحياة المعيشية شغل الناس الشاغل مع استمرار الاحتلال والانقسام.
وعلى الرغم من ضعفنا وتشتتنا لا تزال لدينا عوامل القوة، فقوتنا بضعفنا ومشروعية عدالة قضيتنا التي بحاجة إلى إعادة تجديد شبابها من خلال تجديد إطارها الجامع على أسس وحدوية، و إستغلال كل الطاقات والخبرات وتشكيل الوعي الوطني الكفاحي وأهمية وحدة الفلسطينيين وتنظيم صفوفهم.
إعادة تشكيل المنظمة ومؤسساتها لا يتم بهذه الطريقة وعلى عجل ومن أجل استمرار الحال القائم، ولا يتم بإختزال عقد المجلس الوطني في إعادة انتخاب لجنة تنفيذية ورئيس لها، وترتيب أوراق وتغيير شخصيات، فهذا تشويه لمشروعنا الوطني و الإستمرار في الدوران في الحلقة المفرغة، وتكرار لإستراتيجية الرئيس ورؤيته للصراع.
مشوارنا طويل والعشرين عاماً الماضية أثارها السلبية على جلودنا و المشروع الوطني ما زالت قائمة و مكلفة، وإعادة إنتخاب لجنة تنفيذية ورئيس لها ليس غاية، ومهمتهم صعبة ويجب أن يكون العمل جماعي ومستعدون لدفع الثمن في مواجهة الإحتلال وسياساته، فهم ليسوا أعضاء مجلس إدارة في مؤسسة خيرية أو شركة خاصة.
عقد مجلس وطني توافقي ضرورة وطنية كي ينهض بالمشروع الوطني وبناء رؤية وطنية واضحة، واستراتيجيات وخطط عمل تنفيذية، وبرامج عمل جماعية بروح الفريق والتحلي بالمسؤولية الجماعية، وإعادة تشكيل المجلس بشكل توافقي يأخذ بالحسبان حجم القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية لإدارة المعركة بشكل وطني و إدراك حقيقي بالمخاطر والمهمات الصعبة.