البريكس وكسر القطبية الأحادية
عبد الستار قاسم
10/تموز/2015
تعقد دول البريكس المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا مؤتمر القمة السابع في مدينة أوفا في منطقة الفولغا الروسية والقضايا الاقتصادية تبقى على رأس جدول أعمالها. تشكل دول البريكس من الناحية الجغرافية حوالي ربع مساحة الأرض اليابسة، وحوالي 40% من سكان الأرض، وإنتاجها المحلي يبلغ حوالي 3 تريليون دولار سنويا، وهو يشكل حوالي 20% من الإنتاج الكلي العالمي. أما احتياطاتها النقدية بالعملات الأجنبية فتبلغ حوالي 4 تريليون دولار. كما أن دول البريكس تحقق نموا اقتصاديا رائدا، وهي تعتبر أسرع دول العالم في النمو الاقتصادي.
تتمسك دول البريكس بعدد من المبادئ أبرزها: عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام سيادتها، وترسيخ قيم المساواة على المستوى العالمي، وتحقيق المصالح المتبادلة. كما أن دول البريكس تناهض الحروب، وتعتبر الحوار هو أساس حل النزاعات على المستوى العالمي. ومنذ البدء أعربت دول البريكس عن عدم ارتياحها لعالم أحادي القطبية، وأنه من المفروض تطوير العالم ليصبح متعدد القطبية. لا يجوز، وفق البريكس، أن تبقى الولايات المتحدة هي القطب الواحد المهيمن على العالم بقدراته العسكرية والاقتصادية.
العولمة والعالمية
واضح من توجهات دول البريكس أنها تؤمن بالعالمية، أي بمجتمع عالمي متعدد الثقافات وبأبواب مفتوحة أمام كل الشعوب والأمم للتبادل الثقافي والتعاون في مختلف المجالات. توجه البريكس لا ينسجم مع العولمة التي كان همّ أصحابها تحويل شعوب الأرض عن ثقافاتها وتبني الثقافة والفكر الأمريكيين لكي تصبح الشعوب أمركية بالثقافة والتربية. دول البريكس مع التنوع والتعدد، وهي تناهض كل أشكال الهيمنة الثقافية ومحاولات إلغاء أو طمس ثقافات. العالم بوضع أفضل في ظل التعدد، بينما الاحتكار الثقافي يولد الخصومات والنزاعات. وهذا يعني أن دول البريكس لا تتساوق مع عالم أحادي القطبية لما في ذلك من مخاطر على الحضارة العالمية، وهي تناهض سياسات الولايات المتحدة في تحويل العالم إلى واحة أمريكية.
منظمة اقتصادية
دول البريكس منظمة اقتصادية بالدرجة الأولى وليست منظمة أمنية أو عسكرية. هي منظمة تمقت الحروب، وترى أن لا طائل من حروب تهدد العالم وتهوي باقتصادات الدول. ولهذا تركز البريكس على النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم، وأنشأت لهذا الغرض بنك التنمية والذي مقره شنغهاي في الصين والذي يهدف إلى تمويل المشاريع الاقتصادية في أنحاء العالم. رأسمال البنك يبلغ 100 مليار دولار، وله احتياطات نقدية تبلغ أيضا 100 مليار دولار. وهذا بنك يعتبر موازيا للمؤسسات المالية الغربية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن شروطه مختلفة عن شروط أهل الغرب. أمريكا تحكمت بالبنك الدولي وصندوق النفد الدولي وربطت القروض التي تعطى للدول بسياسات اقتصادية تنسجم مع الرأسمالية الليبرالية الحديثة. فمثلا يشترط البنكان في العادة خصخصة المنافع العامة على النمظ الغربي، وفرض ضرائب جديدة على المواطنين، وخفض قيمة العملة المحلية، ورفع الدعم المالي عن احتياجات الفقراء، الخ، أما بنك التنمية فلا يضع شروطا تمس بسيادة الدول، ويقدم قروضا ميسرة للدول الفقيرة. ويبدو أن أفريقيا ستكون أكبر المستفيدين من هذا البنك. دول البريكس ذات استثمارات ضخمة في أفريقيا الآن، وهي استثمارات ستزداد مع تطور عمل البنك الذي من شأنه أن يقلص نفوذ أمريكا المالي على المستوى العالمي.
على الرغم من أن البريكس منظمة اقتصادية إلا أن دولها قوية عسكريا. ثلاث من دول البريكس تملك ترسانات نووية، أما البرازيل وجنوب أفريقيا نوويتان، ومن المحتمل أن تمتلكم البرازيل القنبلة النويية. أما الصين وروسيا فدولتان عظميان ودائمتا العضوية في مجلس الأمن، والهند دولة تطالب بعضوية دائمة في مجلس الأمن. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، دول البريكس لا تحمل أسلحتها على ظهرها وتطوف العالم متوعدة ومهددة.
لا حرب باردة
دول البريكي معنية بكسر احتكار الولايات المتحدة للقطبية إذ ترى أن العالم سيكون أفضل بتعدد القطبية. لكن هذه الدول ليست مهتمة بحرب باردة أو ساخنة مع الولايات المتحدة، وعلى العكس هي لديها الاستعداد للتعاون مع أمريكا لكن شريطة احترام سيادة الدول، والابتعاد عن الطغيان على الثقافات الأخرى. ولهذا ليس من المتوقع أن تتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن تعارضا مع سياسات الولايات المتحدة سيظهر، وستجد الدول المغلوبة على أمرها من يقف معها ضد السطوة الأمريكية.
المنطقة العربية الإسلامية
إيران مقربة جدا من دول البريكس، والدول تقدر لها وقفتها في مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة. أما العرب فلا صوت لهم ولا حضور في مؤتمرات البريكس. فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، من المتوقع أن تميل دول البريكس لصالح الفلسطينيين في الصراع ضد إسرائيل، لكن هذا مرتبط بقدرة الفلسطينييين على صناعة الأصدقاء على المستوى العالمي. البرازيل وجنوب أفرقيا من أشد المناصرين للحقوق الفلسطينية، لكن يبقى على الفلسطينيين العمل لدى الدول الأخرى للضغط من أجل إحقاق الحق.