- الحموات-
هل هن.. نعمة أم.. نقمة
صراع قديم.. متجدد
-------------------------------
محمد عيد الخربوطلي

مشكلة الحموات مشكلة قديمة، عانت منها المجتمعات في كل العصور، فمثلاً اضطر المصريون القدماء إلى وضع قانون لتنظيم العلاقة الاجتماعية بين الزوجة وأم الزوج - الحماة - وينص على معاهدة سلام دائم توقعها الزوجة وحماتها ويعد هذا جزء من مراسيم الزواج.
وتنص هذه المعاهدة على ضرورة تبادل الزوجة والحماة الهدايا في المناسبات، ومن نصوصه تحديد المدة التي يسمح فيه للحماة بالبقاء في بيت ابنها المتزوج، ونرى من هذه النصوص أنها عالجت مشكلة الحموات فوضعت النصوص القانونية لتدارك ما قد يعتور الحياة الزوجية من مشكلات وعواصف، ونرى أن هذه القوانين القديمة قد سبقت أرقى القوانين الحديثة التي غفلت عن تنظيم العلاقة بين الكنة والحماة.
فكم من زواج تهدم وكم من كنة طلقت لسوء طبع حماتها ومشكلة الحموات ليست موجودة في بلادنا فقط ، بل إن الدول الأوربية تعاني منها أيضاً، فقد جاء في تقرير صدر في أوروبا: أن الحموات هن السبب الرئيسي في معظم المشاحنات الأسرية والعنف البدني والطلاق وهذا ما أكدته جمعية الرفق بالأطفال وإرشاد المواطنين, أما في الولايات المتحدة الأمريكية فهم يحاولون علاج هذه المشكلة بمجاملة الحموات، فقد خصصوا يوماً في كل عام للاحتفال بعيد الحماة، وهو يوم الأحد الثالث من شهر أكتوبر من كل عام، وفي موضوع الحماة يقول الشاعر الفرنسي - فرانسو بارنية - لقد كان آدم هو الأسعد بين الرجال إذ لم تكن له حماة ، وفي أغلب الدول الغربية يطلق الأزواج على حمواتهم أسماء غربية متنوعة مثل: البلطة، التنين, العجوز، قنبلة، ويروون عن المارشال الفرنسي - فوش - القائد العام لجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى أنه زار الولايات الأمريكية ووقف على طرف جرف عظيم الغور، وكان عمدة البلدة يتأهب لسماع مديح لهذا المنظر من المارشال فقال له المارشال: ما أصلح هذا المكان لكي يلقي المرء فيه بحماته!
وفي كتاب الأغاني نقرأ قول أبي النجم العجلي لأبنته:

سبي الحماة وافتري عليها
وإن دنت فازدلفي إليها
وأوجعي بالقرص ركبتيها
ومرفقيها واضربي جنبيها
وكأنه يحذرها من غدر حماتها، وعادة لا تتفق الحماة مع الكنة كما يقول المثل الشعبي: مكتوب على باب الجنة الحماة ضد الكنة، والحقيقة أن هذا الداء هو عداء قديم بين الكنة والحماة كما قال الشاعر السوري أمين حاج حسين:
عداء قديم عاد طبعا محكما
فشا داؤه بين الكنائن والحما
عداء به الأمثال تضرب في الورى
إذا حل في بيت دعاه مهدما
وينظم شعرا حوارا بين كنة وحماتها وهو حوار واقعي يحصل في كثير من البيوت فيقول:
تقول له: طعني كما طعت أمرها
فتصطرخ الأخرى علام.. وكيفما
أنا زوجه فلتفهمي يا حبيبتي
إذا كادني فالبيت يغدو مهدّما
أنا أمه فلتعلمي يا عزيزتي
إذا عقني يلقى الشقاء المجسّما
كفي اسكتي ياست يكفي نصائحاً
وأنت اسكتي يا أم أو اهجر الحمى
أنا ليس لي صبر على زوجك التي
تحاكي بتدبير الدسائس أرقما
أنا لا أطيق العيش مع أمك التي
أحالتك من بعد الحلاوة علقما
وبعد أن عانى من زوجته وأمه الأمرّين قال متمنياً:
فليس يرى إلا التطاحن حوله
وليس يرى إلا التناحر في الحمى
فيا ليت من يبلى بأم وزوجة
ولا يستطيع الفصل بين كليهما
يكون أصماً ليس يسمع همسة
ويرتاح من مرأى النقائض بالعمى
وكتب أحدهم في مذكراته بعد أن عانى من حماته كثيراً:
- حماتي امرأة رقيقة الحس فهي دائمة الاهتمام بالآخرين وتحرص على شعورهم، إنها حين قتلت زوجها استعملت القوس والنشاب لئلا تزعج الجيران بصوت المسدس.
ولعل علاقة ما بين العذاب والحماة! فحينما يقول الزوج لزوجته أذهبي إلى الجحيم فتذهب فوراً إلى أمها، ويتابع قائلاً في مذكراته:
ولا أظن أن حماتي دميمة... ولكن أحد مصممي الباصات سأل ما إذا كنا نسمح له باتخاذ وجهها موديل لمؤخرة الباص، وقال: حماتي تحمل بوليصة تأمين على حياتها ضد الحريق لأنها تعرف إلى أين ستذهب بعد موتها.
وقال:فكتوريان صاردو: إذا خيرت بين الحياة مع حماتك، أو إلهاب دماغك بالرصاص فلا تتردد في إلهاب دماغها، أما الدكتور أحمد زكي فيقول: الحماة.. ولاشيء غير الحماة.. فهو عنوان ملأ الدنيا، إن قصر لفظه فقد طال معناه.
ونختم هذه الدراسة الطريفة بذكر ما كتبه أحد الظرفاء في مذكراته:
/الواقع لولا الحماة لأصبحت الحياة الزوجية راكدة تبعث على السأم والملل، لقد علمتني حماتي الدبلوماسية واليقظة وبعد النظر ومواجهة حرب الأعصاب واللعب بالبيضة والحجر فلا اندفع في تيار الغضب، ولا أجادلها أو أصحح لها أغلاطها، بل اجتهد في أن أضم ابنتها إلى صفي، أو أن أنضم أنا إلى صفها ضد ابنتها ، وبذلك أتفادى مشكلة تكتل القوى واضعاً نصب عيني المبدأ القائل –فرق تسد-/.
إنه قانون الحماة لا يبدل حتى تتبدل الأرض والسماء ويفنى العباد من هذه الدنيا ولكن كل الخوف من الحموات في الآخرة.

===============================
مقال قديم متجدد
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي