الدكتور عدنان درويش ، لا يمكنك أن تفهم شخصيته في العقدين الأخيرين من حياته ، حين انطوى على نفسه واعتزل الدنيا ومن فيها.
إن اردت أن تعرفه فانظر إلى الرجل الذي أنشأ خلية بعثية واحدة في القاهرة وأخرى في حماة من بعد حفاظاً على العقيدة التي آمن بها وناضل في سبيلها، ولا تنس أن ذلك في عهد عبد الناصر ، وكلنا يعرف ما معنى ذلك في عهد عبد الناصر.
انظر إلى الرجل الذي استقال من البعث بعيد الثامن من آذار سنة 1963، بعدما كان من مؤسسيه من قبل اندماج العربي الاشتراكي الحموي بالبعث العربي الدمشقي، إذ رأى أن مهمته قد انتهت فليفرغ إلى عمله الثقافي العلمي.
انظر إلى الرجل الذي أعطته الجامعة الفرنسية درجة الماجستير دون أطروحة مكتفين بفهرسته إحدى كبرى مكتبات أوربة الشرقية.
انظر إلى الرجل الذي حاز شهادة الدكتوراه عن تحقيقه كتاباً في التاريخ يحتاج مؤسسة كاملة لتنهض به، أنجزه وحده وأضاف في تحقيقه إضافات مميزة يعجز عنها كبار الباحثين.
انظر إلى الرجل الذي رفض أن يكون رئيس دائرة كبرى في وزارة التعليم العالي عند تأسيسها ، لا لشيء إلا ليكمل مهمته المقدسة في إحياء التراث لا في مركز خليجي
أو دار نشر كبرى، بل في وزارة الثقافة الحكومية، موظفاً لا ينال إلا راتبه البسيط أول كل شهر.
انظر إلى الرجل الذي جعل كتب التراث في يد عامة الشعب بأسعار زهيدة بواسطة مشروعه في الاختيارات الذي رعته وزارة الثقافة وباعت النسخ بأجور زهيدة بل لعلها رمزية .
انظر إلى الرجل المحقق الذي غادر الدنيا في قبوه المتواضع الذي سكنه مذ أتى دمشق في الستينيات، وطلاب طلابه حازوا القصور وكبرى العمائر.
انظر إلى الرجل الذي رفض كبرى العروض للعمل في المراكز التراثية الكبرى ليلبث في وزارة الثقافة السورية، قائلاً: يجب أن أخدم وطني حتى الرمق الأخير، وألا أفارق الوزارة التي تعتمد علي.
انظر إلى الرجل الذي بعد أن قدم كل تلك التضحيات، بُخل عليه بأي تكريم، بحفل تأبين، بخبر في قناة تلفازية.
ثم لا تسأل: لم اعتزل الدنيا وما فيها ومن فيها.