النكبة وأركانها الأربعة
د. فايز أبو شمالة
لم تكن النكبة التي حلب بالشعب الفلسطيني وأرضه فعلاً يهودياً خالصاً، فقد اعتمد اليهود على أدوات ومستشارين ومساعدين ومنفذين من كل الديانان ومن كل القوميات ومن كل الأعراق، ومن ضمنهم مسلمون وعرب وفلسطينيون ارتضوا أن يكونوا عبيداً للصهيونية، وخدماً للمخطط اليهودي مقابل حفنة من المال، أو بعض الوظائف الحقيرة.
لم تبدأ نكبة الشعب الفلسطيني يوم 15/5/1948، تاريخ اغتصاب الأرض الفلسطينية، وإنما بدأت النكبة من تاريخ المؤامرة الغربية على المنطقة العربية والإسلامية ككل، ولم تنته النكبة بقيام دولة الكيان الصهيوني، فالنكبات تواصلت بحق الشعب الفلسطيني، وكلها تهدف إلى القفز عن النكبة الأولى، ليغرق الناس في جديد النكبات.
كانت النكبة الثانية التي حلبت بالشعب الفلسطيني هي الاعتراف الرسمي الفلسطيني بحق إسرائيل بالوجود، وحقها بالأرض الفلسطينية التي اغتصبتها سنة 1948، مع الاعتراف الفلسطيني بعدم شرعية المقاومة، وهذه النكبة أقسى طعناً من النكبة الأولى.
أما النكبة الثالثة فيجسدها الإعلان الرسمي الفلسطيني عن الاحتفال بيوم النكبة، فكيف يصير ذلك؟ كيف تعترف القيادة الفلسطينية لليهود بحقهم بالوجود، وحقهم في العيش على الأرض المغتصبة بسلام، وفي الوقت نفسه تذرف الدموع في ذكرى النكبة؟ هل هذه كذبة، أم نكتة، أم نكبة، أم شهقة موت؟ .
أما النكبة الرابعة فإنها تتمثل بأولئك اللاجئين والمشردين والمطرودين من أرضهم والمغربين عنها والمعذبين في الأرض، وفي الوقت نفسه تجدهم يدافعون عن القيادة التاريخية التي أسهمت في صناعة النكبة الثانية والثالثة؟ فكيف يصير ذلك؟ كيف تتوه البوصلة من الفلسطيني الذي اغتصب اليهودي أرضه، وتركه بلا وطن، كيف يدافع هذا عن صناع النكبة مقابل بعض المصالح المؤقتة، أو مقابل راتب حقير في آخر الشهر؟
لن أقول: إن النكبة الخامسة تتمثل بأولئك الفلسطينيين الذين لما يزل يراهنون على امكانية إصلاح صناع النكبة الثانية، وإمكانية اللقاء معهم، والتعاون المشترك، والتفاهم معهم على برنامج عمل سياسي مشترك، وإنما سأقول: إن هنالك نكبات متتالية حلت بالشعب الفلسطيني جراء تفتت الأمة العربية، والصراع على السلطة، وغياب الديمقراطية.
ورغم تعدد النكبات، فإنني لا أختلف مع القائلين: إن النكبة الأولى هي الأصل، وإن العداوة مع الغاصبين الصهاينة هل الأولى، ولكنني أوافق أصحاب الرأي بأن الذي يضعف عزيمتنا، ويديم نكبتنا، ويقيم جدار الفصل بيننا وبين تحرير أرضنا، هم صناع النكبة الثانية.
فما أحوجنا نحن الفلسطينيين في يوم النكبة إلى الوحدة الوطنية والإسلامية! نعم، ما أحوجنا إلى الوحدة الوطنية والإسلامية القائمة على فضح كل من يسهم في صناعة النكبة!.