= ذكرى وفاة مصطفى صادق الرافعي -10-5-1937-
-هذه الدراسة المتواضعة هي أول نص نشرته من -13- عاما- وقد أحببت إعادة نشرها بمناسبة ذكرى وفاته - رحمه الله
.....................................

.................................................. .................................................
=مصطفى صادق الرافعي
-------------------------

الأديب المبدع
-----------------------

1291-13560 هجري 1880-1937ميلادي
لقد كان الرافعي صاحب دعوة في العربية و الإسلام يدعو إليهم فحق على العربية و حق العربية على أدبائها و حق الإسلام على رجالاته أن نجدد دعوته وأن نبقي ذكره و أن ننشر رسالة فكره و أن نتغنى بما تركه لنا ونعتز بذلك .
حق على أهل المعرفة و الأدب أن يعرفوا أبناء العروبة و الإسلام على الرجل الذي دافع عن العربية ووقف وقفة الرجال في وجه دعاة التغريب الذين أرادوا أن يشوهوا العربية و الإسلام .....فمن هو الرافعي ؟
أحاول أن أجيب عن هذا السؤال من خلال دراستي المتواضعة هذه لعلي أفيه بعض حقه علينا 0
إنه مصطفى صادق الرافعي 00الذي عاش حياته يجاهد لأمته و يصنع ما لم يصنعه أديب غيره منذ قرون خلت 0
هذا الرجل الذي مات و لكن بقي اسمه و بقيت أعماله مدرسة ينهل منها كل طالب علم و حقيقة .
قال العلامة محمود محمد شاكر عن نشأته ................
/ وقد نشأ الرافعي أوليته أديباً يريد أن يشعر و يكتب و يتأدب وسلم شبابه يعمل حتى أمكنته اللغة من قيادها و ألقت إليه
بأسرارها فكان عالما ًفي العربية يقول الشعر ،و قال ....كان الرافعي من الكتاب و الأدباء و الشعراء الذين تتخذ حياتهم ميزاناً
لأعمالهم و آثارهم / .

و قال خيري السيد إبراهيم عن نشأته أيضاً :
/نشأ الرافعي نشأة دينية فيها كثير من الالتزام و فيها الكثير من التحصيل الديني و الأدبي على السواء إذ وجد في مكتبة أبيه
زاداً من الفقه و الشريعة و اللغة و الأدب العربي القديم و كان لا يرى إلا و في يديه كتاب , حفظ نهج البلاغة دون العشرين من عمره و هو في القطار, و كان ينصح من يريد أن يدخل إلى عالم الأدب و يجول في ميادينه بدراسة كليلة و دمنة و رسائل الجاحظ و كتاب الحيوان و البيان و التبيين و المثل السائر و يتيمية الدهر للثعالبي و العقد الفريد لابن عبد ربه و غير ذلك من كتب الأدب العربي , و كأنه بذلك يدل على الطريق الذي سلكه هو قبل أن يتمكن من ناحية الكتابة الأدبية/

أما أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة فقد قال عنه :
/كان الرافعي حجة في علوم اللسان ثقة في فنون الأدب عليماً بأسرار اللغة فكنت إذا ذاكرته في شيء من دقائق النحو و خواص التراكيب و فروق اللغة وجدته على ظهر لسانه كأنما انصرف من مراجعته لوقته/
هذا هو الرافعي الذي أدرك أهداف المستعمرين من التشكيك في القرآن الكريم فألف كتابه إعجاز القرآن- و رفض أن يترك التأثر بالأسلوب القرآني ليأتي أسلوبه عربي الألفاظ أوربي الصياغة و الروح -قال عنه صديقه سعيد العريان :
لقد عاش الرافعي في هذه الأمة و كأنه ليس منها فما أدت له في حياته واجباً و لا اعترفت له بحق و لا أقامت معه على رأي و كأنما اجتمع له هو وحده تراث الأجيال من هذه الأمة العربية المسلمة فعاش ما عاش ينبهها إلى حقائق وجودها, و مقومات قوميتها , على حين كانت تعيش هي في ضلال التقليد و أوهام التجديد .
و كان يرى الرافعي أنه فرض عين عليه أن يرد كيد الكتاب المأجورين الذين يشككون بكتاب الله و دينه,
فقد تناول أحدهم مرةً في مقال نشره التشكيك في آية قرآنية..... فقال الرافعي : مَن يقوم لهذا الأمر إن سكت الرافعي ,( وهذا ليس من اعتداده بنفسه و لكنه كان يعرف ما يُطلب منه).
كان حقاً أمة, قالوا عنه شاعر, و قالوا كاتب, وقالوا أديب,و قالوا مؤرخ, ولكنهم لم يقولوا الكلمات التي كان ينبغي أن تُقال:

" لقد كان الرافعي شاعراً و كاتباً وأديباً و مؤرخاً و عالماً ".
وقال العريان :
كان هبة الله إلى الأمة العربية و الإسلامية في هذا الزمان ينبهها إلى حقائق وجودها, و ليردها إلى مقوماتها , و ليشخص لها شخصيتها التي تعيش باسمها و لا تعيش فيها, و التي تعتز بها ولا تعمل لها .

إنه الرافعي الذي عاش في خدمة العربية و أعطاها من عمره القصير, ما وصل به حاضرها الماثل بماضيها البعيد,و كان عصراً من عصور الأدب و فصلاً من فصول مجد الإسلام, و كان تاريخاً حياً ينطق بالعبرة , و يجمع تجاريب الأجيال, يذكر الأمة العربية و الإسلامية بماضيها المجيد , وهو و إن مات و خَفَتَ صوته ,لكنه خلّف صداه في أذن كل عربي غيور و في قلب كل مسلم يدعوه إلى الجهاد لمجد العرب و لعز الإسلام .
وُلد الرافعي سنة 1880م في قرية بهتيم من قرى القليوبية في دار جده لأمه, وأمه سورية الأصل من حلب .
أبوه الشيخ عبد الرازق الرافعي رئيس المحاكم الشرعية .
و جده عبد القادر الرافعي عيّنه الخديو عباس مفتياً لمصر.
وأصل أسرته من طرابلس الشام (لبنان اليوم) , وإذا تتبعنا نسبة وجدناه ينتهي إلى عمر بن الخطاب و معظمهم أهل علم و قضاء و مع ذلك كان الرافعي لا يتعصب لبلد فكان يقول :
وطني وطن كل مسلم 0 و نشأ في أسرة تتلو القرآن فقرأه و سمع منها أخبار السلف و بعد العاشرة عمره دخل مدرسة دمنهور الإبتدائية وبعد ذلك إنتقل إلى مدرسة المنصورة الأميرية بعد ما تم تعيين والده قاضياً في محكمة المنصورة و نال منها الابتدائية و سنه يومئذ سبع عشرة سنة -و لم ينل الرافعي شهادة سوى الإبتدائية ففي هذه السنة أصيب بمرض أقعده في فراشه أشهر مما أدى لإصابته بعاهة مستديمة وهي فقدانه السمع 0 وانقطع بعد ذلك عن دنيا الناس و عن تحصيله العلمي الرسمي فلازم مكتبة والده الحافلة بنوادر كتب الفقه و الدين و الأدب و أكب عليها إكباب النهم على الطعام الذي يشتهيه -فما مضى إلا قليل حتى استوعبها و أحاط بكل ما فيها و طلب المزيد فقد كان يقرأ في كل يوم ثماني ساعات و بقي هكذا نهما في طلب العلم إلى آخر عمره -و كان إذا زاره زائر في مكتبه جلس قليلاً يحييه ثم يتناول كتاباً و يقول لمحدثه :تعال لنقرأ00 و هكذا كان في المقهى و القطار و الديوان لا يجد الرافعي إلا و في يده كتاب حتى حفظ نهج البلاغة في طريقه للعمل في القطار -وفي عام 1899 م عين الرافعي كاتبا ًبمحكمة طلخا الشرعية ثم نقل إلى محكمة إيناي البارود الشرعية ثم إلى طنطا و في طنطا انتقل من المحكمة الشرعية إلى المحكمة الأهلية و بقي فيها إلى يومه الأخير في دنياه -
قال عنه الأديب الكبير حفني ناصف بعدما وصلته عدة شكاوى عنه... أنه لا يلتزم بالدوام (إن الرافعي ليس من طبقة الموظفين الذين تعيهم الوزارة بهذه القيود- إن للرافعي حق على الأمة أن يعيش في أمن ودعة و حرية 0000 اتركوه يعمل و يفتن ويبدع لخدمة الأمة في آدابها ما شاء أن يبدع ) .
وقد كلف الرافعي بالشعر من أول نشأته و كان يعتز كثيراً بشعر محمود سامي البارودي و تأثر بشعره كما تأثر بشعر حافظ و الكاظمي -فبدأ بقرض الشعر قبل بلوغه العشرين من عمره و صار ينشره في الصحف و المجلات السورية التي صدرت في مصر مثل مجلة الضياء و البيان و الثريا و الزهراء و المقتطف و الهلال و غيرها 000 و أصدر في عام 1903 م الجزء الأول من ديوانه و قدم له بمقدمة حيرت عقول الأدباء -حتى قال فيه الأديب الناقد إبراهيم اليازجي (أشك أن يكون كاتبها من أبناء هذا العصر ) و كان عمره وقتئذ ثلاثا و عشرين سنة و بعد أن تأكد لليازجي أن المقدمة كتبها الرافعي 0 كتب في مجلة الضياء 1903 م يقرظه ........

(و قد صدره الناظم بمقدمة طويلة في تعريف الشعر ذهب فيها مذهبا عزيزاً في البلاغة و تبسيط ما شاء في وصف الشعر و تقسيمه و بيان مزيته في كلام تضمن من فنون المجاز و ضروب الخيال ما إذا تدبرته وجدته هو الشعر بعينه )
و بقي الرافعي يقول الشعر حتى صار من الشعراء المعدودين في عصره فأصدر سنة 1904 م الجزء الثاني من الديوان و أتبعه بالجزء الثالث سنة 1904 م و في عام 1908 م أصدر الجزء الأول من ديوان النظرات و في عام 1911م تفرغ لكتابة الأدب و النقد و بدأت خصوماته مع أدباء عصره 00 و أشهرها مع طه حسين و العقاد و أول مقال نشره في ذلك في مجلة الثريا عن شعراء العصر 1905 م أما سنة 1911م ففيها بدأ بطبع كتابه ( تاريخ آداب العرب ) هذا الكتاب جعل آدباء عصره كلهم يمدحونه و تكلموا عنه و قرظوه إلا طه حسين الذي كتب عنه 1912 م قوله (هذا الكتاب الذي نشهد الله على أننا لم نفهمه 00) ؛ (لكنه عاد و صحح رأيه فيه سنة 1926 م فاعترف أنه لم يعجبه أحد ممن ألفوا في الأدب العربي إلا الرافعي ) و نال الرافعي بكتابه هذا مكاناً سامياً بين أدباء عصره و شغل به العلماء كثيراً حتى أن أحمد لطفي السيد قضى أسبوعا يخطب عنه في مجالس العاصمة و كتب عنه عدة مقالات 000 ومما قاله عنه (إن أسلوب الرافعي سليم من الشوائب الأعجمية التي تقع لنا في كتاباتنا نحن العرب المتأخرين فكأني و أنا أقرؤه أقرأ من قلم المبرد في استعماله المساواة و إلباس المعاني ألفاظ سابغة مفصلة عليها لا طويلة تتعثر فيها و لا قصيرة عن مداها تودي ببعض أجزائها ) أما أديب العربية الأمير شكيب أرسلان فقال عنه في صدر المؤيد : ( و لو عكف على غير كتاب الله في نواشىء الأسحار لكان جديراً بأن يعكف عليه ) و في سنة 1912 م أصدر الرافعي "رحمه الله " إعجاز القرآن و البلاغة النبوية .
و في سنة 1917 م طبع كتابه المساكين الذي قال عنه أحمد زكي باشا (لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير ، و هيجو كما للفرنسيين هيجو ، وجوته كما للألمان جوته 00) و سبب كتابته للمساكين هو أهوال الحرب التي حطت على مصر بالجوع و القحط و الغلاء 000 كما حطت على غيرها من البلاد ، فصودرت أقوات الشعب المصري و حملت إلى المتحاربين و ترك الناس يتضورون جوعاً، و كان الرافعي و هو الشاعر المرهف الحس الرقيق القلب ، القوي العاطفة ، يرى هذا فتنفعل به نفسه و تتحرك خواطره و يتفطر قلبه فأثرت به مناظر البائسين و أحوال المساكين .
و في سنة 1923 م أخرج رسائل الأحزان وهو خواطر في فلسفة الجمال و الحب - و يعد كتابا فريدا من نوعه في العربية في أسلوبه ومعانيه و بيانه الرائع - و بعده أخرج كتابه (السحاب الأحمر ) و هو كتاب يتحدث عن فلسفة البغض و طيش الحب و بعده أخرج كتابه (أوراق الورد).
و فيه حنين العاشق المهجور و منية المتمني و ذكريات السالي و فن ُالأديب و شعر الشاعر و قد رأى الرافعي في دعوى التجويد ذريعة للنيل من العربية في أرفع أساليبها و سبيلها إلى الطعن في القرآن الكريم و إعجازه و باباً للزراية بالتراث منذ كان للعرب شعر و بيان فنشط يجاهد هذه الدعوى ووقف قلمه لتفنيدها و كشف

دخيلتها و غاياتها الحقيقية وما كان عمله ذلك إلا جهاداً تحت راية القرآن فمن ثمَّ كان الاسم الذي جمع به كل ما كتب عن المعركة بين القديم و الجديد و الكتاب من
خير ما أبدعت العربية في النقد و أحسن مثال في مكافحة الرأي بالرأي مع الإطلاع الواسع و الفكر الدقيق فكان كتاب ( تحت راية القرآن ) و يأتي هذا الكتاب بعد

كتابه (وحي القلم ) وهو جمع لمقالاته في مجلة الرسالة من حيث المكانة بين
كتب الرافعي و الكتاب جمع لمقالاته في هذا الموضوع من سنة 1908 م حتى سنة
1926 م و كتابه على السُّفود وهو نظرات في ديوان العقاد نشره على شكل
مقالات في مجلة العصور ثم جُمعت في كتاب و صدر سنة 1930 م وهكذا توفي
الرافعي في يوم الاثنين 10/5/1937م بعد صلاته للفجر و قراءته للقرآن كعادته صباح
كل يوم رحمه الله لقد خلّف لنا إرثاً عظيماً لا يعد له مالا و لا جاه و لا يقدر بثمن ،
لقد رحل الرافعي وترك لنا مدرسة أدبية عظيمة لننهل منها بصدق ولنرد كيد
الأعادي المشككين في لغتنا و ديننا
00000


المراجع :
1- حياة الرافعي – سعيد العريان – ط- 1939م مطبعة الرسالة القاهرة
2- على السُّفود للرافعي (تحقيق حسن السمامي سويدان "ط" دار البشائر و دار المعلمة 2000م )
3- الصراع الحضاري في أدب الرافعي - خيري السيد إبراهيم مجلة الفيصل عدد 262
4- مصطفى صادق الرافعي – أحمد إبراهيم برعي – مجلة الكويت عدد 19
5- محمد سعيد العريان – محمد كامل حتة –مجلة العربي عدد 126/1969م
6- حديث القمر للرافعي "ط 7 " دار الكتاب العربي بيروت 1974م
7- السحاب الأحمر " ط 8 " دار الكتاب العربي بيروت 1982م
8- محطات الكتابة في ديوان الرافعي – ياسين الأيوبي – مجلة الكويت عدد228
9- الرافعي –شاعراً – عبد العزيز بن صالح العسكر – المجلة العربية عدد 313
10-مذكرات السفير الأديب أحمد بن علي المبارك – المجلة العربية عدد شوال 1423هجري
11-رسائل الأحزان "ط " دار الكتاب العربي بيروت-
محمد عيد الخربوطلي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي