كتاب جدير بالقراءة
-لرجل دين مثقف متنور
====

=وهذه بعض الصور النادرة له
-----------

مذكرات الإمام محمد عبده -

محمد عبده--

يعتبر هذا التحقيق هو الكتاب الثالث من المجموعة الاسلامية لتراث محمد عبده الذي قدمه طاهر الطناحي، فقد سبق له ان قدم وحقق كتابي الإمام ـ دين العلم والمدينة ودروس من القرآن الكريم.

ويقول الطناحي في تقديمه ان معرفته بحافظ ابراهيم ورشيد رضا والشيخ مصطفي عبد الرازق وابراهيم الهلباوي وهم جميعهم من اصدقاء وتلاميذ الإمام محمد عبده منحته الفرصة علي ان يقف علي أدق التفاصيل التاريخية والعلمية والأدبية والوطنية والوطنية في حياة الإمام.
كذلك يشير الطناحي الي ان الإمام حين توفي في سن السادسة والخمسين لم يكن قد أتيح له أن يجمع ما بحث وكتب من مؤلفاته كما فعل كثيرون من رجال العلم والأدب والاصلاح، فقام تلميذه المرحوم محمد رشيد رضا بجمع الكثير من كتاباته في الوقائع الرسمية وفي مجلة المنار ، وفي جريدة العروة الوثقي التي كان يصدرها مع السيد جمال الدين الافغاني في باريس، وتضيف المقدمة ان رضا نشر طائفة من تفسيره للقرآن ودون لها تاريخا جمع فيه الكثير من الابواب ولم يخرج للناس هذا التاريخ الذي اسماه ـ تاريخ الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ـ الا في عام 1931 أي بعد وفاة الإمام بستة وعشرين عاما، وقبل وفاته هو ببضع سنوات.
ويعلل الطناحي ذلك بضيق الوقت وكثرة النفقات لطبع مثل هذه الاعمال وهو ما اضطر الشيخ رشيد ان يجمل تاريخ الإمام ويدمج سيرته في سيرة السيد جمال الدين الافغاني ويضم حياته الشخصية الي حياته الدينية والسياسية، ويدخل حياته العلمية في حياته الاجتماعية، ويضيف فتاويه الي آرائه الاصلاحية ويخلط مذكراته الوطنية وكتاباته عن الثورة العرابية وآرائه في محمد علي واسماعيل، وتوفيق، وأعوانهم في مجموعة اخري مما ليس فيها، ثم يطبع هذه الاعمال مجتمعة في جزء واحد يقع في ألف وواحد وخمسين صفحة. ويقول الطناحي في مقدمته مردفا: ان دوافع هذه الترجمة المزدحمة المتداخلة انه كان علي عرش مصر أبناء محمد علي واسماعيل وتوفيق فلم يكن في مقدوره ان يخرج للناس حياة الإمام اخراجا ترضي عنه الحقيقة ويرضي عنه التاريخ.
ويؤكد طاهر الطناحي ان الشيخ رشيد عمد الي شيء لم يسبق اليه مترجم لحياة عظيم من عظماء التاريخ، ولا لتلميذ يكتب عن تاريخ استاذه، فقد وضع تاريخ الشيخ محمد عبده وما قام به من أعمال، وكأنه يضع تاريخا لنفسه ايضا، ويبرهن الطناحي علي ذلك مردفا: انك قد لا تري فصلا أو بحثا للسيد رشيد رضا عن الإمام الا وقد أشرك فيه نفسه، وكأن حياته جزء من حياة الإمام.
ويؤكد طاهر الطناحي اتهامه لرشيد رضا بالقول: انه استولي علي الكثير من آرائه وامتنع بأن له الحق في طبعها وشرحها والزيادة عليها دون احد غيره من تلامذة الإمام، الا انه يعود فيقول: الا ان واجب الانصاف يدعونا الي ان السيد محمد رشيد رضا حفظ لنا جانبا غير قليل من حياة الإمام، لولاه لضاع الكثير منها، ولنسي الكثير من آثاره.

ويضيف الطناحي: وليس عليه ـ وقد كان كاتبا عصاميا، وناشرا عصاميا ـ ان يقدم لنا حياة الإمام تقديما كاملا مخدوما من جميع جوانبه، وخصوصا ان حياته حياة ضخمة متعددة الجوانب، واسعة الأفق، وحسبه ما قدم لجيله من مجهود.
تنتقل المقدمة بعد ذلك الي منطقة اخري في حياة الإمام وهي الجوانب الوطنية غير ان الطناحي يقول ان رشيد رضا اجمل في هذا الجانب وحاول ان يدافع عن اشتراك الإمام في الثورة العرابية، حيث كان هو مواليا لأسرة محمد علي ومدافعا عن الخديوي توفيق ومنتقدا لأحمد عرابي وصحبته، وغير موافق علي ثورته، وينقل الطناحي عن احد الصحافيين في ذلك العصر كتب عن الثورة العرابية بمناسبة العفو عن زعمائها المنفيين في جزيرة سيلان، وأسند للإمام انه كان احد أركان هذه الثورة فانبري له رشيد رضا وكتب مقالا في مجلد المنار عام1901م وكان خديوي مصر في ذلك الحين هو عباس حلمي الثاني، فدافع عن اشتراك محمد عبده في الثورة العرابية، وينقل عنه الطناحي قوله: عرض هذا الصحافي المتحذلق بذكر الفتنة العرابية، ويعرف المتهورين فيها والناصحين لهم بالاعتدال، فهو لا يعرف ولا يجب ان يعرف، فاذا أحب أن يعرف، فليسأل العارفين، وليراجع كتابه الكاتبين وعند ذلك تظهر له مزية من عرض به ان كان من المنصفين، فيظهر له ان هذا الرجل الكبير العقل، السديد الرأي كان ينتقد اعمال عرابي وتهوره في جريدة الوقائع الرسمية في القسم الأدبي، علي حين ترتعد فرائص قصر الخديوي من عرابي، وعلي حين يري هذا المنتقد الشجاع ان رئيس النظار رياض باشا ينزل من ديوانه بأمر عرابي مكرها، ويسمع من اتباعه ما يكره، ثم تظهر له تلك الخطبة التي خطبها هذا الرجل العظيم في زعماء الثورة العرابية عندما ألزموه حضور مجتمعهم، وأن يقوم فيهم خطيبا.
ثم يذكر السيد رشيد رضا ان موضوع الخطبة ـ حسبما نقل الطناحي عنه ـ كان معارضا كل المعارضة للثورة العرابية وزعمائها.
وهنا يعلق الطناحي بأن الثورة التي تكلم عنها السيد رشيد لم تكن وقتئذ قد بدأت بدءا جديا أو اشتركت فيها الأمة اشتراكا فعليا، وكان عرابي ما زال برتبة أميرالاي حتي انه بعد سقوط وزارة رياض باشا وتولي محمد شريف باشا الوزارة، نقل هو وفرقته الي رأس الوادي بالشرقية، وكانت الثورة ما زالت في دور التكوين.
ويضيف الطناحي ان الشيخ محمد عبده وقتئذ كان من أعلام الكتابة وقادة الرأي في مصر، اذ كان رئيسا لجريدة الوقائع الرسمية، وكان يكتب قبل الثورة العراقية، ومنذ تعيينه محرر في هذه الجريدة عام 1879م، مقالات وطنية وادبية واجتماعية ودينية، وكلها تهدف الي الاصلاح القومي ونشر الحرية ومعارضة الظلم والاستبداد، وكان يهدف في كل مقالة الي رفع مستوي الامة، ويضيف الطناحي: ان الإمام كان ينتقد رجال الحكـــــومة انتقــادا كان من اهم اسباب سقوط وزارة نوبار باشا، وكان رجال الجيش وسائر المتعلمين في الامة يرونه الرائد الاول ليقظة البلاد بعد خروج جمال الدين الافغاني من مصر بأيدي الخديوي توفيق وأعوانه ويستعرض الطناحي بعض مقالات الإمام في هذه الفترة وينقل عنه في مقال شهير كتبه تحت عنوان ـ الشوري والقانون ـ ويقول فيه الإمام: ـ ان استعداد الناس لأن ينهجوا منهج الشوري غير متوقف علي ان يكونوا متدربين في البحث والنظر علي أصول الجدل المقرر لدي أهله، بل يكفي كونهم نصبوا أنفسهم وطمحت أبصارهم للحق وضبط المصالح علي نظام موافقة لمصالح البلاد، وأحوال العباد.
ومما تقدم سرده، تعلم ان اهالي بلادنا المصرية دبت فيهم روح الاتحاد، وأشرفت نفوسهم منه مدارك الرأي العام، وأخذوا يتنصلون من جرم الاهمال، ويستيقظون من نومة الاغفال، وقد مرت عليهم حوادث كقطع الليل المظلم.
ويري الطناحي أن مقالات الإمام محمد عبده كانت من بواعث الثورة من تلامذة الأفغاني الذين أسسوا حزبا يطالب الخديوي اسماعيل بالتنازل عن الحكم ويطالب بالاصلاح وقد سعي الإمام لدي محمد شريف باشا ـ حسب الطناحي ـ لكي يقنع اسماعيل بالتنازل وينتقل الطناحي مرة أخري جزءا من مقال للامام تحت عنوان ـ الحياة السياسية والوطن والوطنية في تشرين الثاني (نوفمبر) 1881 وقبل احتدام الثورة بعد موافقة الخديوي علي طلب العرابيين وصدور قانون مجلس النواب يقول الإمام: الوطن في اللغة محل الانسان مطلقا فهو والسكن بمعني: استوطن القوم هذه الأرض وتوطؤوها أي اتخذوها سكنات وهو ثمن أهل السياسة مكانك الذي تنسب اليه ويحفظ حقك فيه ويعلم حقه عليك وتأمن فيه علي نفسك وآلك ومالك ومن أقوالهم فيه: لا وطن الا مع الحرية وقال لابروير الحكيم الفرنسي: لا وطن في حالة الاستبداد ولكن هناك مصالح خصوصية ومفاخر ذاتية ومناصب رسمية وكان حد الوطن عند قدماء الرومانيين المكان الذي فيه للمرء حقوق وواجبات سياسية.
ويرد الطناحي الفضل للامام في هبوب الثورة العرابية بسبب ذلك البعث ـ حسب قوله ـ الذي نشأ من مقالاته وآرائه التي أثرت في الأزمة ما بين عسكريين وغير عسكريين وما بين فقراء وأغنياء وكذلك يذكر الطناحي ما قام به الإمام من مساعدة العرابيين بعد أن انضموا الي الأمة وانضمت الأمة اليهم واتحد الجميع علي الحرية والخلاص من الظلم والاستبداد. ويذكر الطناحي أنه لكل هذه الأسباب كان الإمام في مقدمة الزعماء المقبوض عليهم وحُكم عليه بالنفي ثلاث سنوات خارج مصر فاختار لبنان كمنفي له وجرد حينها من وظيفته.
ولم يقتصر طاهر الطناحي علي الوقوف في هذه المذكرات أمام الثورة العرابية بل جميع كتاباته الوطنية وآرائه في محمد علي واسماعيل وتوفيق وما كتبه بالتفصيل عن الثورة العرابية وأسبابها وقد قام الطناحي بتحقيق ذلك وشرحه وعلق عليه تعليقا علميا وتاريخيا دقيقا.
ويذكر الطناحي أنه كان قد مضي علي الشيخ محمد عبده ثلاث سنوات في طلب العلم بالجامع الأزهر حين وفد علي مصر السيد جمال الدين الأفغاني وكان قد أصاب منذ التحاقه بالجامع الأحمدي حتي حضور الأفغاني حظا غير قليل من قراءة العلوم العقلية والنقلية علي الشيخ محمد بسيوني وغيرهم من العلماء ثم استقل بدراسة علوم اللغة والفلسفة والمنطق والتوحيد ووجهه توجيها اجتماعيا وأدبيا ووطنيا وسياسيا واسلاميا جديدا وظهر ذلك فيما بعد في كتاباته ودروسه وجهاده السياسي والاسلامي.
يقع الكتاب في عشرة فصول تبدأ بتقديم مطول ومسهب لطاهر الطناحي، ثم المذكرات والعهد الجديد، وزارة رياض باشا، حكومة توفيق، الثورة العرابية، مجلس النواب، اسباب الحادثة، سفر عرابي الي رأس الوادي، مندوب السلطان، ضرب الاسكندرية، والإمام في السجن.