نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

بقلم: ماريجكي جونغبلود

يحتاج استكشاف جبال حجر إلى العديد من الرحلات. لكن بين الدروب الكثيرة التي يمكن اختيارها لعبور هذه السلسلة الجبلية، فإن أحد الدروب المحببة إلى قلبي هو ذلك الذي يأخذنا إلى واحة شيش. يبدأ الطريق عند الساحل الشرقي ويمر بداية عبر جيب مضا العماني الذي ينام في ثنية الوادي. ولهذا ترى الدرب يتخفض بالراحل إلى بطن الوادي عند مدخله ومرة أخرى عند القرية التي تخرج عبرها منه. في الأوقات المطيرة يصبح هذا الطريق عصياً على العبور. والواحة التي توجد على الطرف الآخر من القرية هي جنة نباتية تنمو فيها بعض النباتات النادرة مثل داليكامبيا سكاندنز وكروتاريا ريتوسا اللتان سجل وجودهما فيها.

حالما يتجاوز الطريق قعر الوادي للمرة الثانية يصبح جانباه مكاناً تنتشر فيه أشجار تيكوميلا أنديولاتا الجميلة بوفرة. والأزهار الكبيرة التي تشبه الأبواق في هذه الشجرة تنمو مباشرة من الأغصان بدون أن يكون لها أي ساق عملياً. وفي تلك المنطقة أقامت الحكومة منطقة للتنزه مزودة بطاولات ومظلات. وحين يكون النهر جارياً لن تجد مكاناً أجمل لقضاء يوم الإجازة الأسبوعية!

لكن بالنسبة لمغامر حقيقي فإن الأنحاء الأفضل تمتد خلف هذا المكان ولبلوغها على المرء أن يمر أولاً بقرية حديثة العهد ثم يأخذه الطريق أعمق فأعمق حتى يبلغ الجبال. وعلى امتداد الطريق يشاهد المرء صخوراً متباينة الأنواع والألوان لدرجة تجعل كل من يراها يشتهي لو أنه كان جيولوجياً.

وفي الحقيقة، فإن جبال حجر تمثل موقعاً بالغ الأهمية لخبراء الجيولوجيا لأنها واحدة من مواقع قليلة في العالم يمكن فيها دراسة الصخور البركانية التي كانت في زمن سابق قابعة في عمق المحيط على سطح الأرض وبدون غطاء نباتي كثيف يحجبها. في تلك المنطقة تجد شبكة من "جداول" بيضاء متشكلة من لحقيلت كربونات الكالسيوم المتبلورة (الكالسيت) تتلألأ بينها عروق الميكا وكأنها أحجار من الماس. وينتشر الحجر الصواني الأحمر الغامق جنباً إلى جنب مع فلزات الميكا الذهبية المتلألئة. وحتى العقيق الأحمر عثر عليه في المنطقة. ذات مرة كنت محظوظة برؤية هذه الصخور فيما كانت السماء تمطر. كانت الألوان حينها أكثر بريقاً بكثير نتيجة كونها رطبة.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


الوديان الجانبية تغوي المستكشف ليمشي إلى ما بعد تلك المسافات الخضراء والزرقاء. هناك أماكن كثيرة لسباحة منعشة. لكن مايؤسف له هو أن بعض الناس الذين استمتعوا بهذه النعمة تركوا وراءهم رسومهم على الصخور ونفاياتهم في قاع الوادي. لا أصدق أن أي إنسان لديه الجرأة على الطبيعة ليقوم بهذه الفعلة. كم هو أمر ممتع أن يغادر الإنسان المكان مثلما أتاه: نظيفاً وجميلاً وسالماً من كل أذى.

في صبيحة يوم صيفي حار عثرت على كهف خفيض فيه مئات الفراشات. في مثل هذه الكهوف تستطيع فراشة الصخور البنية بيضاء الحافة (هيبارشيا باريساتيس) أن تنمو من حرارة فصل الصيف.



في بطن الوادي تنتشر نباتات الخزامى والقصب السكري والكثير من النباتات الصغيرة الأخرى التي وجدت لنفسها فجوة بين الجلاميد. وتنتقل اليعاسيب بينها بسرعة تبلغ 70 كيلومتراً في الساعة كما يستطيع المرء أن يراها أزواجاً على الحشائش والأغصان الغضة. ذات مرة وجدت حشرة غريبة بين الصخور هنا. في البداية ظننتها عنكبوت الصوف، غير أني حين دققت النظر فيها بالعدسات المكبرة عرفت أنها عنكبوت الجمل لكنه صغير جداً. وحين حاولت التقاط صورة له، وضع ساقيه الأماميتين فوق رأسه. كانت تلك حركة دفاعية ولاريب، لكنها بدت وكأنه يحاول أن يغطي عينيه من هذا العملاق الواقف أمامه. وما كان مني إلا أن غادرت سريعاً لأتركه يعيش بسلام.

من أحد المعابر الشاهقة تظهر أمامك فجأة بقعة خضراء رائعة بين الصخور البنية المحمرة والسوداء. هذه هي واحة بني حميد. وعلى جانبي الطريق الذي يتنقل بين هذه الحدائق الطبيعية تنتشر أشجار التين (فيكوس كارداتا) والسدر (زيزيفوس سبيناكريست) القديمة جداً. ولأشجار السدر أزهار حلوة الرائحة تتغذى عليها الماعز فيما ثمارها الصفراء الصغيرة التي تظهر بعد الأزهار يأكلها الموارعون. إنها مثل التفاح الصغير الحامض. المزارعون هناك سيرحبون بالزائر ليستريح في ظلال أشجار النخيل شرط ألا يدوس المحاصيل ويخرب سواقي الماء.

بين حقول الذرة الحلوة وأشجار النخيل والحمضيات هناك الكثير من الأزهار البرية التي يمكن الاستمتاع باستكشافها. أزهار الريحان الأبيض الصغيرة العطرة (أوسيموم باسيليكوم) تتنافس على المكان مع أزهار أوريسبيروم بيكرويدس الصفراء وأغصان الجت الطويلة كورشوروس تريلوكولاريس. سراخس كزبرة البئر الصغيرة (أديانتوم كابيلوس – فينيريس) تبطن سواقي الماء.



في أيام الصيف المبكرة تجد المزارعين يغنون وهم يعملون في بساتين النخل. لكن في باقي الأيام لايقطع الصمت سوى خرير المياه وأغاريد الطيور. تقدمنا أكثر في تلك الأراضي حتى وصلنا مكاناً قطع شلال فيه الطريق على السيارة. هذه هي واحة شيس التي ترحب بالقادم إليها بالظهور المفاجئ لمصابيح إنارة عامة في بطن الوادي. أما برك الماء عند مهبط الشلال فهي موقع آخر في المنطقة مفضل عند المتنزهين وللأسف أيضاً موقع آخر أضر به التلوث جداً على يد الزوار العابثين.

من الأسفل بمقدور الرء أن يمشي عبر بساتين النخل ألى اليسار صعوداً نحو أعلى الشلال ليساير من هناك مجرى الوادي وجدول الماء لعدة أميال أخرى. أهالي القرية يرفضون أن يسبح الزوار في أعالي الجدول وهو أمر مفهوم باعتبار أنه مصدر مياه شربهم. وهناك تستطيع أن ترى الأنابيب والقناة التي تنقل المياه عبر الجروف العالية إلى البيوت المتفرقة المبنية على امتدادها.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


بين صخور تخوم المزارع وجدت سحالي لاسيرتا جاياكاري ملاذاً لها. وهذه السحلية واحدة من نوعين من الزواحف الأصيلة في جبال حجر (الأخرى هي لاسينتا سيانورا رائعة الألوان ذات الذقن و البطن والذيل الزرق اللماعة). وكلمة أصيل هنا تعني أن هذه الحيوانات لا توجد في أي مكان آخر في العالم. إن سحلية جاكاياري بحجمها الكبير (يبلغ طولها 60 سم) وجلدها الأزرق الأردوازي المبرقع هي مخلوق يستحق الحماية بكل تأكيد. ومن حسن الطالع أن الأهالي هناك لا يقتلونها أبداً مهما كان السبب حسب علمي وأن هناك الكثير منها
.


ومن الزواحف الأخرى الشائعة في المنطقة عداءة الوادي النحيلة والسريعة كولوبر رودوراشيس. وهذه الأفعى ذات الناب الخلفي ليست خطرة على الناس لأن نابها موجود عميقاً داخل فمها وبالتالي لا تستطيع أن تطال به أي شيء كبير الحجم كما أن سمها لايقتل سوى فرائس مثل سمكة أو علجوم أو ثدييات صغيرة. وهذه الأفعى غير الخطرة يمكن تمييزها عن الأفاعي السامة الأخرى من شكل جسمها ورأسها ومن سلوكها أيضاً. ذلك أن رأس الثعابين السامة يكون عادة مثلث الشكل ولها عنق واضح وجسد ثخين جلي. أما الأفاعي النحيلة والسريعة فلها رؤوس تشبه الرصاصة وبدون عنق مميز عن باقي الجسد. كما أن الثعابين السامة زواحف بطيئة الحركة وكسولة نوعاً ما. ولهذا فليس من الغريب أن تجد نفسك وأنت تطأ على ثعبان سام دون أن تقصد ذلك (وقد سبق أن حدث هذا الشيء معي ومع متنزه آخر في الوادي فعلاً). والأفاعي لا تهاجم إلا إذا أوذيت أو شعرت بالتهديد. كما أن سمها قوي ويتطلب نقل الملدوغ إلى المستشفى فوراً. ومع أن علاج لدغتها مؤلم ومزعج إلا أنها بدون هذا العلاج الفوري قد تكون قاتلة.

في إحدى الزيارات صادفت مثالاً مثيراً عن إعادة التدوير الطبيعي: عش طائر مهجور أصبح عشاً للدبابير. كانت خلايا الدبابير معلقة من القمة المقوسة للعش الكروي لتستفيد من ظله.

ولمحبي الطيور نصيب طيب من مثل هذه الرحلات أيضاً وذلك لتنوع أشكال المحيط الحيوي: حدائق وصخور مجوفة وجداول ندية. ومن أكثر الطيور إثارة من التي صادفتها هنا لقلق أبو مطرقة، مع أن خبراء الطيور قالوا لي إنه من المستبعد جداً أن يكون هذا الطائر الإفريقي قد انتقل هذه المسافة البعيدة شمالاً وشرقاً، ولهذا ربما كان الأمر كله من فعل خيالي.

ورغم أن طريق العودة هو نفسه طريق المجيء إلا أن المشاهد تكون مختلفة كما تسترع انتباهك نباتات مختلفة أيضاً. فتحت ضوء العصر يصبح للنباتات الكبيرة المزهرة مثل كلييم روبيكولا أو لافاندولا سوبنودا جمال خاص مختلف. وبعد غطسة أخيرة في بركة عميقة لغسل غبار الرحلة تصبح مستعداً لطريق العودة الطويل.



المرجع
http://www.alshindagah.com/janfeb200...A_FILJIBAL.htm