الإرهاب اليهودي

عبد الستار قاسم


يتحدث العالم عن الإرهاب الإسلامي، وعن الإسلام كدين قتل وسفك دماء. هذا العالم لم يقرأ النصوص الدينية الإسلامية، وهو فقط ينظر إلى أعمال مسلمين، ويعمم بعد ذلك ليشمل كل المسلمين والنصوص الدينية الإسلامية. وبات يتحدث أناس كثيرون يشمئزون من المسلمين ويناصبونهم العداء ويلاحقونهم، وملاحظ أن المسلم والعربي يعانيان في مطارات العالم وموانئه من كثرة الإجراءات والتدقيق مخافة دخول الإرهابيين والعبث بأمن الدول. المسلمون بصورة عامة لا ينكرون وجود إرهابيين يستعملون الدين الإسلامي لتبرير سوء أعمالهم، وهؤلاء هم الذين يشوهون صورة الإسلام والمسلمين ويرسخون انطباعا قائما بأن الإسلام دين دموي ويتعامل مع الآخرين بلا رحمة. وربما لا يوجد عتب على الناس العاديين على المستوى العالمي لأنهم يتأثرون بالإعلام والتصريحات السياسية وبرامج الدول، فيأخذون بما يقوله الإعلاميون والسياسيون، لكن الملامة تقع على الذين يصفون أنفسهم بالمثقفين والأكاديميين ولا يقرأون ليتبينوا حقيقة الأمر. فهناك وسائل إعلالم أوروبية وأمريكية مثل تشارلي إيبدو لا تنفك عن كيل السباب والشتائم للمسلمين وتجريدهم من إنسانيتهم، وهم بالتأكيد يتعمدون الإساءة وهناك من يدفعهم إلى مواصلة الهجوم على الإسلام والعرب بالأخص الصهاينة ومن والاهم.

المقارنة مع اليهودية

الإسلام أمر المسلمين بمقاتلة من يقاتلون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم ويظاهرون على قتالهم وإخراجهم، لكن إذا نظرنا إلى التوراة التي بين أيدي اليهود الآن فالأمر مختلف تماما لأنها تقيم فكرا إرهابيا حقيقيا باسم الرب، وعلى اليهود أن يلتزموا. وعندما نتحدث عن التوراة فنحن نتحدث عن العهد القديم الذي يؤمن به المسيحيون أيضا، ودائرة الالتزام باليهودية تشمل المسيحيين كما تشمل اليهود.

يقول اليهود الصهاينة إنهم ورثة أنبياء بني إسرائيل الذين أوحى لهم الله بتعاليمه السماوية وأرسل من خلالهم النعم والبركات والتبريكات. يقولون إنهم ورثة بني إسرائيل الأوائل الذين رعاهم الله ووعدهم برعاية أبنائهم وأحفادهم من بعدهم. إنهم تبعا لذلك، حسب قولهم، ورثة الحكمة والمعرفة والهداية ومحبة الناس، وورثة فعل الخير وإقامة العدل ونشر الوعي بالتعاليم والوصايا الحميدة. ويضيفون بأن هذا التراث الطيب الموروث قد امتد عبر الأجيال ليميز اليهود في حسن صنيعهم وليجعل منهم الشمعة التي لم تعجب العديد من الطغاة والاستبداديين الذين لاحقوا اليهود واضطهدوهم وألحقوا بهم العذاب والدمار.

هذه أقوال تكررت وترددت كثيرا في الدعاية الصهيونية في الغرب، والتي تهدف إلى تحقيق عدد من المآرب: أولها كان الضرب على الوتر الديني الذي يجد آذانا صاغية في العالم الغربي المسيحي. الغرب المسيحي يؤمن بأن التراث اليهودي المكتوب في التوراة هو العهد القديم الذي جاء الإنجيل متمما له، ومن شأن هذا أن يولد تعاطفا لصالح الصهاينة في سعيهم لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وتحويل هذه الفكرة إلى دولة. وقد ركزت الدعاية الصهيونية على أرض الميعاد التي يقطنها، حسب وصفهم، الغرباء ممن يسمونهم المحمديين الذين أضلوا الناس وأبعدوهم عن دين المسيح. وثانيها يكمن في بعث التلاحم اليهودي-المسيحي في مواجهة أهل الإلحاد والكفر في الشرق العربي الإسلامي. باسم الدين أتى المسيحيون في حروب صليبية إلى هذه البلاد، ولا يجد الصهاينة مانعا من استثارة العنصر الديني في استدرار العطف وكسب التأييد. وثالثها هو خلق الانطباع بأن اليهود وقفوا تاريخيا مع ما هو حق، وأن الاضطهاد الذي تعرضوا له لم يكونوا هم سببا فيه، وإنما بسبب عدم قدرة الآخرين على رؤية هذا الحق.
الفكر التوراتي الإنساني

تتحدث التوراة عن العلاقة مع غير العبرانيين أو الشعوب الأخرى على ثلاث مستويات: أبناء سيدنا إبراهيم من زوجه هاجر، وسكان البلاد المحليين بخاصة الكنعانيين، والشعوب الأخرى خارج الأرض المقدسة مثل المصريين والعمونيين. الواضح منذ البدء أن التوراة تصبغ هذه العلاقة بنظرة فوقية تضع اليهود على قمة الجبل بينما تضع الآخرين في قعر الوادي. هذه نظرة محكومة بمسألة احتكار الرب من قبل العبرانيين وحرمانه من ربوبيته للآخرين. إنهم شعب الله المختار المحاطون بالرعاية والعناية، وأولئك مجرد شعوب هائمة لا تحظى بمزايا راقية أو باحترام. هذا تفكير منسجم مع الاعتقاد العبراني السائد بأن العالم ينقسم إلى قسمين: شعب له الله ونعمه ومحبته، وشعوب أخرى بهيمية متوحشة خارجة عن رعاية الرب.
تحرم التوراة على العبرانيين الاختلاط مع الشعوب الأخرى لأن هذه الشعوب نجسة وحقيرة، وهي عبارة عن حيوانات بصورة بشر، وبما أن العبرانيين هم شعب الله المختار فلا يجوز للمختارين أن يختلطوا مع الأنجاس. ولهذا فإن التوراة ترسم سبب خلق الله للشعوب الأخرى: وهو تسخيرها للهزائم أمام بني إسرائيل عندما يكون الإسرائيليون في طاعة الرب ويطبقون وصاياه، واستعمالهم من قبل الرب لإلحاق الهزائم ببني إسرائيل عندما يعصون الرب. الشعوب الأخرى موجودة فقط لكي يتلذذ العبرانيون بالانتصار عليهم أو لكي يعذب الله العبرانيين بهم.
أما مستويات التعامل مع الشعوب الأخرى، حسب النصوص التوراتية فتنحصر بالتالي:
1- القتل. يفضل رب بني إسرائيل قتل الشعوب الأخرى والتخلص من نجسهم ودنسهم. وقد أمر الرب مرارا بني إسرائيل بالقضاء المبرم على الآخرين حسب نصوص التوراة. فمثلا أمر الرب جيش العبرانيين عندما دخل أريحا في زمن يهوشع بن نون أن يحرم كل نفس حية فيها (يحرم يعني يقتل). أمرهم الرب بأن يقتلوا الناس جميعا بمن فيهم النساء والأطفال، وأمر بقتل الحيوانات والبهائم وحرق الزرع وهدم البيوت. وتتفاخر التوراة بأن جيش العبرانيين قام بقتل سكان بلدة عاي التي كانت تقع بين أريحا ورام الله والبالغ تعدادهم حينئذ، وفق التوراة، 12000 نسمة. وفي مواقع عدة أشارت التوراة إلى أن الرب يأمر بالقتل والذبح.
2- الطرد. الأفضلية الثانية عند رب التوراة تتمثل بطرد الناس من الأماكن التي يتواجد فيها العبرانيون. وجود الشعوب الأخرى بين العبرانيين يؤثر سلبا على العبرانيين فيصيبهم بالدنس والنجس، ولا يجوز أن تبقى شعوب قذرة بين المختارين المباركين والمقدسين. ثم من المحتمل أن تغوي الشعوب الأخرى شعب الله المختار فيتحولوا عن عبادة الرب ويقعوا بالمعصية والآثام. الشعوب الأخرى ضالة، وتعمل دائما على إيقاع الآخرين بالضلال. ألم يدع الحاخام اليهودي عوباديا يوسف لطرد الفلسطينيين من فلسطينيين لأنهم نجس وأولاد أفاعي كما قال؟ وحتى الآن تقوم سياسة إسرائيل على التخلص من الفلسطينيين بطريقة أو أخرى، ويعتبر المتدينون اليهود وجود الفلسطينيين على أرض الميعاد كما يصفونها معصية كبيرة سيعاقبهم الرب عليها.
3- الاستعباد. يأمر الرب باستعباد الشعوب الأخرى إن لم يكن الطرد ممكنا. تقول التوارة لشعب الله المختار أن الرب سيجعل الشعوب الأخرى خدامهم وكراميهم، وسيدعهم يستعملونهم كما يشاؤون وفق أهوائهم.
مارست إسرائيل والصهيونية هذه المستويات ضد الفلسطينيين. فقبل قيام الدولة، تعمدت المنظمات الصهيونية إعمال القتل بالفلسطينيين ونفذت عددا من المجازر بحقهم وفق أوامر الرب. اقترفت مجزرة في الدوايمة وحيفا ودير ياسين والطنوطورة واللد، الخ، بهدف الإرهاب والتخويف ليهرب الفلسطينيون من قراهم ومدنهم ويلجأوا إلى البلدان العربية المجاورة. فهي مارست الطرد أيضا من خلال المجازر. أما من بقي من الفلسطينيين على أرض فلسطين سواء في الجزء المحتل/48ن أو المحتل/67 فتم اسعباده من قبل الإسرائيليين في المزارع والمنشآت الإسرائيلية ليصبحوا أدوات إنتاج مهمة في الاقتصاد الإسرائيلي.
التوراة لا تعتبر إسماعيل من ذرية إبراهيم عليه السلام، وتقول بأن اسحق هو الابن الوحيد لإبراهيم، وبإسحق يدعى له ولد. وقد أسهبت التوراة في كيل التهم لإسماعيل ومن ينبثق من صلبه من ذرية.
الأرض
ينسجم ترتيب توزيع الأراضي الرباني في التوراة مع فكرة شعب الله المختار والشعوب الضالة النجسة. تكتب التوراة حول الأرض وتتعامل معها وفق المستويات التالية:
أ‌- يتمثل المستوى الأول بأرض إسرائيل الكبرى التي وعد الرب سيدنا إبراهيم بها وخصصها له ولذريته من بعده. تقول التوراة بأن الرب قال لإبراهيم: " أنظر هذه الأرض التي ترى شمالا وشرقا وجنوبا وغربا لك ولنسلك أعطيها من بعدك." هذه الأرض تشمل بلاد الشام كلها وأرض العراق غرب الفرات وسيناء وأرض مصر شرق النيل. وقد طبعت إسرائيل خريطة هذه الأرض على عملتها من فئة العشرة آجورة. والخريطة تظهر واضحة في أطلس إسرائيل.
ب‌- أما المستوى الثاني فيتمث بأرض الميعاد وهي القطعة الجغرافية التي وعد الرب بها موسى عليه السلام، وهي محددة بالتفصيل في التوراة وتشمل أرض كنعان جميعها والتي هي فلسطين التاريخية. تشمل هذه القطعة فلسطين الانتدابية القائمة حاليا ما عدا الطرف الجنوبي من النقب ولبنان ما عدا مدينة طرابلس ومنطقة عكار وجنوب غرب سوريا بما في ذلك دمشق وجزءا صغيرا من شمال الأردن، ونهر الأردن والبحر الميت والجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء بما في ذلك العريش.
ت‌- المستوى الثالث هو مملكة داوود التي تشمل أرض فلسطين الانتدابية وجزء كبير من لبنان وشرقي الأردن. هذا الميتوى يعكس تصور اليهود للملكة التي أقامها داود عليه السلام، والتي عجز عن أن يضم إليها مملكتي غزة وصيدا.
ث‌- وفي النهاية قال الرب لبني إسرائيل بأن كل أرض تطأها أقدامهم فهي لهم، على اعتبار أنهم مقدسون، والأرض تكسب قدسيتها وبركتها من أقدامهم.
من هو الإرهابي؟
التفاصيل في التوراة حول هكذا مواضيع كثيرة، وحاولت أن أختصر على أن تصل الرسالة للناس. إذا كان لنا أن ندقق في الأديان، فسنجد أن الأفكار القائمة عن الإسلام غير دقيقة وتحتاج إلى مراجعة، ومن المفروض أن ننتبه إلى التعاليم التي يسوقها أعداء الإسلام. لقد قتلت إسرائيل حوالي ألفين من الفلسطينيين في غزة في حربها عام 2014، وهدمت البيوت وشردت النساء والأطفال. هذا إرهاب منصوص عليه دينيا ومبارك من قبل ربهم، بل مطلوب منهم كأمانة يجب أن يؤدوها للرب. وهنا من المهم أن أشير إلى أن حال المرأة في التوراة ليس أفضل من حال الشعوب الأخرى. المرأة محتقرة توراتيا وموصوفة بصفات سيئة، وهي نجسة في بعض الأحيان ويجب عزلها عن البيت وعن مختلف النشاطات الحياتية. المسلمون متهمون باحتقار المرأة، وعلى الذين يوجهون الاتهام أن يقرأوا ما يؤمنون به قبل توجيه الاتهامات.