أمي العالية الحبيبة . . .
رحمك الله . . .

كانت أمي المرحومة قد اختارت رنة لهاتفها خاصة بي حتى إذا ما سمعتها عرفت أن ابنها الوحيد هو الذي يتصل بها . . . وهي أغنية الموسيقار فريد الأطرش . . . ( يا أحلى أحلى شيء في الكون ــ يا روح الروح يا نور يا عبير ) . . .
أمي الحبيية :
مازلت أذهب في كل يوم إلى الحديقة التي كنت تجلسين بها . . . تلك الحديقة الصغيرة في منطقة الحلبوني ، فأقف عند بابها وأرن لكِ على الموبايل باحثاً عنكِ ــ كما كنت أفعل دوماً ــ لأراك فوراً قد فتحت محفظتك ونظرتِ إلى اسمي وصورتي في الموبايل فتلتفين يمنة ويسرة باحثة عني . . . فأركض إليك . . .
هل تذكرين حينما جئت للمرة الأولى فعرفنني أصدقاؤك فوراً وقلن لك ( جاء ابنك ) . . .

ما زلت أذهب في كل يوم إلى الحديقة . . . فأرن لك على الباب ، وأبحث عنك . . . وأتمنى أن أراكِ . . .
دعيني أراك يا أمي لمرة واحدة فقط . . . أجلس أمامك . . . أحدثك وتحدثيني . . .

هل تذكرين كيف كنت أعدُّ صديقاتك اللواتي تجلسين بينهن فأخرج قليلاً لأشتري ضيافة لهن ، ثم أعود لأقف خلف الدرابزين وأرن لك على الموبايل فتأتي إلي لتأخذ من يدي ما جلبته لكِ من ضيافة لكِ ولهن مطابقة للعدد . . . فتأخذيها من يدي مبتسمة وتقولين لي : لماذا كلَّفت نفسك . . . الله يرضى عليك .
آه يا أمي . . . ليتني أرحل معك .

إنني أفعل هذا في كل يوم . . . أركض إليك . . . أدخل الحديقة . . . فلا أجدك . . . أرن لك على الموبايل فلا يجيبني أحد . . . أين أنت يا أمي .
آه . . . آه .
بل لقد استبد بي الوهم إلى أنني ذهبت إلى الحديقة الثانية التي أقامت بها الآن . . . ذهبت إلى قبرها وأسمعتها صوت موبايلها يرن ، علَّها تنهض من بين الأموات وتسير إلي لتسلم وتسألني كيفك أنس . . . ثم تعود إلى غفوتها . . . علِّي أسترد أنفاسي بلقائها . . .
فرأيتها . . .
نعم رأيتها . . .
رأيتها مبتسمة وكأنها تشكر الله لأنه أدخلها إلى الجنة .

لقد أسمعتها هذه الألحان وتلك الكلمات من هاتفها أمام القبر . . .
( يا أحلى أحلى شيء في الكون ــ يا روح الروح يا نور يا عبير ) . . .

هل سمعت ذلك يا أمي . . .
هل عرفت في العالم الآخر أن ابنك الوحيد قد جاء إليك ليزورك كما كان يأتي إليك في الدنيا . . .

ليس عبثاً أن اخترت لي تلك الأغنية . . . التي من كلماتها :
على جبيني هواك مكتوب
و مين يهرب من المكتوب

ويَّاك يا حبيبي لقيت
امان و صحبة وأهل و بيت

يا أحلى شيء في الكون
يا روح الروح يا نور يا عبير

عيونك أحلى خط لولو
و صوتك وشوشة عصافير

يا أحلى مافي عيون الليل
و أجمل ما في خدود الورد

انا في حبك قاسيت الويل
. . .

نعم يا أمي . . . لقد قاسيت الويل حقاً في حبك .
قاسيت ما هو أشد من الويل ، وعانيت مما هو أعتى من العناء .

أمي . . . يا الله . . . الموت قاهر للعباد .
آه . . . كم ذرفت من الدموع أمام قبرها . . .
رحمك الله يا أمي . . . رحمك الله .


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي