فيلم ‘نوح’، الذي يسرد قصة النبي نوح عليه السلام، أثار الجدل في العالم الاسلامي والمسيحي قبل ان يعرض في صالات السينما. ولكن بعد مشاهدة الفيلم، سحب الكثير من رجال الدين المسيحيين اعتراضهم للفيلم وباتوا يروجون له مؤكدين ان مضمونه وجوهره لا يختلفان عما ورد في الكتب المقدسة عن نوح وسفينته التي بناها بأمر خالقه ليحمي عائلته والمخلوقات من الطوفان الذي أودى بحياة الطغاة.و ان هذه اسطورة عظيمة تربط الانسانية كلها بغض النظر عن الانتماء العقيدي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يقوم مخرج ملحد بصنع فيلم عن نبي مقدس؟ ‘
ولكن عندما قابلت نجم الفيلم راسل كرو الذي يجسد النبي نوح، قال لي انه لم يكن يعلم ان نوح كان نبياً عند المسلمين، مؤكدا انه لم يقصد ان يستفز مشاعر اي شخص مسلم أو آخر،’أنا كممثل حاولت ان اركز على ان نوح كان فردا كغيره من البشر وليس سوبرمان’. ويقول كرو ‘بالنسية لي، مسيرة هذا الشخص هي أهم من القصة، فهو يواجه مهمة ضخمة وهذه مسؤولية صعبة. لانه بعد ان يقوم بواجبه عليه ان يفكر بنتيجة فعله. هو انقذ الانسانية والمخلوقات الاخرى من الفناء ولكن الكثير من الابرياء لقوا حتفهم في الطوفان لانه لم يسمح لهم بالصعود على متن سفينته. ولهذا يعيش بقية حياته معذبا بشعور الاثم’.
وهذا ما هو واضح في الفيلم. نوح لا يظهر كنبي ذي قوى خارقة وانما كرجل عادي يحاول ان يحمي عائلته من الهلاك بالطوفان. هناك مشاهد قليلة نراه يتكلم مع ربه وفي بعض المشاهد نرى سفينته تعج بالحيوانات والطيور ولكن الجزء الاكبر من الفيلم يدور حول علاقة نوح مع زوجته وابنائه. وليس هناك بعد ديني لهذا الفيلم الذي لا يختلف كثيرا عن افلام هوليوود الخيالية المليئة بالمؤثرات الخاصة والبصريات المدهشة.
وفي مقابلة اخرى اجريتها مع مخرج الفيلم، دارين اورونوفسكي، قال لي ان قصة نوح هي اسطورة مثل اساطير اليونانيين القدماء، وان ما عرضه في فيلمه ليس سرداً حرفياً لما ورد في الكتب المقدسة عن نوح وانما تفسير للقصة بما يلائم هذا العصر. .
الجدير بالذكر أن المخرج اورونوفسكي علماني نشوئي، يؤمن بنظريات داروين التي اساسها ان اصل البشر هو من حيوانات مائية تطورت عبر ملايين السنين وليس من آدم وحواء كما ذكر في الكتب المقدسة.
كرو الذي ليس أكثر تدينا من مخرجه، يوافق معه قائلا بحماس: ‘انا لا أرى إلا نتائج ايجابية من تحفة فنية مثل هذا الفيلم. انه يلهم نقاشاً في مواضيع مهمة مثل الروحانيات، الحفاظ على البيئة، احترام الارض وعلاقتنا مع الحيوانات. هذا هو هدف الفن. قصة نوح هي نسيج يربط كل البشر ودياناتهم وتعبر عن تجربة انسانية مشتركة ولهذا كان سهلا أن افهم واجسد دور نوح’.