كتاب يرصد واقع المرأة الفلسطينية منذ بداية القرن
بقلم : عماد موسى

" المرأة في الرواية العربية " كتاب في النقد الأدبي للفن الروائي الفلسطيني للكاتب " زكي العيلة " ، صدرعن منشورات مركز أوغاريت الثقافي للنشر والترجمة في رام الله العام 2003.

من الواضح أن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً في رصد مراجع الدراسة وحصرها وقراءتها ، ويبدو أيضاً أنها استغرقت منه وقتاً طويلاً ، الأمر الذي يتطلب صبراً وجلداً ونفساً طويلاً ، ما يعنى أن المرأة تحظى باهتمام كبير لدى الكاتب ، وتستحق هذا الجهد لمتابعة قضاياها منذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته.

محتويات الكتاب :
يحتوي الكتاب على ما يمكن أن يطلق عليه بالمدخل التاريخي ، لأن الكاتب قد عالج واقع المرأة تحت عنوان رئيس هو ( واقع المرأة في المجتمع الفلسطيني ) ثم قسم هذا المدخل إلى مراحل تاريخية جاءت على النحو التالي :" واقع المرأة في المجتمع الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين حتى نكبة 1948م ، المرأة الفلسطينية بين نكبتي 1948 1967، واقع المرأة منذ بداية الاحتلال 1967 إلى ما قبل الانتفاضة ، المرأة الفلسطينية في الانتفاضة 1987 1993 المرأة في عهد السلطة الوطنية 1994 2000 م . ويحتوي الكتاب على ستة فصول عالج في خمسة منها واقع المرأة كما تطرحه الأعمال الروائية للكتاب الفلسطينيين ، وجاءت الفصول الخمسة على النحو الآتي :

الفصل الأول يعالج فيه الكاتب ( الرواية الفلسطينية وقضايا المرأة قبل العام 1987م في الشتات) وهي : قضايا التعليم والتحرر والحب والعمل والنضال.
أما الفصل الثاني فقد تناول : " المرأة في الروايات الفلسطينية الصادرة في الضفة والقطاع قبل العام 1987) ، وجاء هذا الفصل كما يقول العيلة لإبراز " صورة المرأة الفلسطينية : المرأة الإيجابية ( الصلبة الفاعلة) ، المرأة السلبية ، المرأة المغتربة
( المتمردة ) ، المرأة اللعوب المرأة المناضلة ، المرأة الرمز ( الأرض ، الحكمة ، المثال) في حين أن الفصل الثالث حمل عنوان ( المرأة بين الواقع والرمز في الرواية الفلسطينية بعد 1987 ) و ذلك كما يشير الكاتب من أجل رصد تأثيرات الانتفاضة واتفاقيات أوسلو و مجيء السلطة الوطنية على نماذج المرأة الفلسطينية من خلال عدة محاور هي :

* المرأة الإيجابية الصلبة الفاعلة .

* المرأة المستغلة المنحرفة.

* المرأة الرمز .
وقد حمل الفصل الرابع عنوان ( المرأة بين التمرد والتبعية بعد العام 1987 ) بقصد ( إبراز تأثيرات الانتفاضة الشعبية وما أعقبها من متغيرات) من خلال قراءة الروايات الصادرة في الضفة والقطاع بعد العام 1987 على صورة المرأة بين التبعية والتمرد ) وجاء الفصل الخامس تحت عنوان ( المرأة في معترك السياسة والنضال بعد العام 1987 ) .
وأفرد الفصل السادس لمعالجة البناء الفني للرواية الفلسطينية حيث سعى الكاتب : " إلى رصد الوسائل الفنية التي وظفها الروائيون في معرض تناولهم للقضايا التي شكلت هم المرأة ، وأضاءت جوانب هامة من عوالمها الخارجية والداخلية " . ثم أنهى الكاتب دراسته بخاتمة.

الفصل الأول :
ـ التعلــيم :
يشير في هذا الفصل إلى " القضايا التي شكلت هاجس المرأة وهمها " في هذه المرحلة ما دفعه إلى تتبع التعليم بوصفه أحد هموم المرأة ، لأن " مفهوم تعليم المرأة قد أخذ يكتسب قيمة اجتماعية في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين " ما أدى إلى تغيير في نمط العلاقات داخل الأسرة الفلسطينية ، ودخولها معترك الحياة كعضو منتج أفرز ظواهر عديدة انعكست آثارها على الرواية الفلسطينية ".
ويرى العيلة أن رواية ( عكا والرحيل ) للكاتب إلياس أنيس الخوري أنها تقدم مظهرين هما : " الجنوح نحو تعليم المرأة تحت مسوغ اجتماعي طبقي ، ورفض تعليم المرأة تحت ذرائع اجتماعية موروثة ، وهو لقاء الجنس الآخر والسفور والأخلاق " ويعتبر العيلة أن شخصية ( سعاد الوقاد التي أرسلها والدها إلى جامعة دمشق العام 1962 ) في رواية ( برقوق نيسان ) لغسان كنفاني تمثل " صورة إيجابية للفتاة المثقفة " أما شخصية ( ندى ) في رواية ( العشاق) لرشاد أبو شاور فيقدمها الكاتب على أنها نموذج المرأة التي تمكنت من أن " تكمل تعليمها رغم قسوة الظروف" في حين أن شخصية ( سعاد ) في رواية ( وإن طال السفر) لأحمد عمر شاهين قد " أصبحت بفضل شهادتها العلمية معلمة في مدرسة بنات خان يونس ، تعيل أسرتها وتبث الوعي في نفوس تلميذاتها محرضة على مقاومة المحتلين " .

لقد عرض الكاتب عدداً من الشخصيات المرأوية التي وظفتها الرواية الفلسطينية في الشتات على أنها شخصيات تسعى إلى التعليم بقصد الوصول إلى الجامعة ، على الرغم من الظروف والصعوبات المادية والاجتماعية، بالإضافة إلى العوامل والأسباب التي فتحت آفاقاً لتعليم المرأة ، وفي هذا السياق يقول العيلة إن : " الروائيين الفلسطينيين قد شغلوا بقضية تعليم المرأة حيث حددوا مواقفهم منها ، وتمثلت في تأييد خروج الفتاة للتعلم و التعليم ، وإن اختلفوا في الوسائل والأسباب تبعاً للمرحلة التاريخية والواقع الاجتماعي المعيش ، ثم يشير الكاتب إلى الدوافع التي وقفت وراء تعليم المرأة حسبما وردت في الأعمال الروائية التي عمل على دراستها قائلاً :" إن بعض أبطال الروايات كان يقصد من تعليم المرأة المباهاة والتفاخر ومجاراة الموضة، في حين برزت نظرة آخرين بمن فيهم المرأة نفسها- تعاملت مع قضية تعليم المرأة بخوف وتوجس، حيث اعتبروا ذلك أمراً صعباً يتعارض مع الموروث الاجتماعي الذي يحسب أن خروج المرأة للتعلم لا يجلب لها سوى الخسران" هذا في الوقت الذي رأي فيه الكاتب أن " شخوصاً نسائية أصرت على إكمال مسيرتها التعليمية ما أكسبها إمكانية الاعتماد على نفسها والثقة بقدرتها ، فكان لها شأنها في تحقيق ذاتها وخدمة أسرتها والتأثير في مجتمعها ومحيطها ".

ـ التـــحرر :

والقضية الثانية التي عالجها الكاتب في هذا الفصل هي التحرر، إذ يرى العيلة أن الرواية الفلسطينية قد ( تعرضت إلى مفهوم حرية المرأة من خلال بعض النماذج النسائية التي خلطت بين التحرر بمفهومه الإيجابي ، الذي يكسب المرأة القدرة على المشاركة في أوجه الحياة المختلفة، الأمر الذي مكن المرأة من ( إدارة أمورها الخاصة باستقلالية، دون أن يتعارض ذلك مع القيم الاجتماعية والمثل الأخلاقية ) و اعتبر الكاتب أن ( التحرر بمفهومه السلبي الذي يعنى الانحلال والسقوط في مستنقع الرذيلة دون أية ضوابط بدعاوي القهر أو الاستلاب والخواء العاطفي ) ما يفضي إلى " انزلاق بعض النماذج النسائية وانسلاخها عن واقعها المعيش" ويعرض الكاتب شخصيات مرأوية كنماذج للحرية في الروايات الفلسطينية ، فيرى أن شخصية ( هناء) في رواية ( البكاء على صدر الحبيب) لرشاد أبو شاور تمثل ( حالة الضياع النفسي والجنسي المفضيين إلى حالة التطهر عبر فكرة الانتحار والانتهاء بالموت) في حين أن شخصية ( سمية) في رواية ( صراخ في ليل طويل) لجبرا إبراهيم جبرا تعكس صورة المرأة كما يقول العيلة " في تمردها الفردي الذي يمنحها التميز في المجتمع، بحيث تبدو تصرفاتها غير منطقية وغير مبررة) تؤكد على أن شخصية ( سمية ) ليست فتاة فلسطينية ولا عربية" ويتابع العيلة عرض نماذجه المرأوية في الرواية نفسها ليجد أن شخصية ( ركزان) تمثل المرأة الشهوانية ، التي تعدت الأربعين من عمرها وتتسم بالانتقام لمجمل الإحباطات والاستلابات التي كبلتها بقيود أسلافها الموبوءة).

ويقدم الكاتب شخصية ( حنان) في رواية " بوصلة من أجل عباد الشمس " للكاتبة ليانة بدر قائلاً:" إننا نطالع طالبة المعهد ذات الأنثوية الجامحة ، الراغبة في تجاوز وصاية المجتمع نحو تأسيس مفاهيم جديدة، لذا نجدها ترفض القوانين التي تحد من قدراتها) ، فشخصية ( جنان) تطرح إشكالية في المجتمع الفلسطيني، وهي " أزمة مفهوم الحرية الفردية ، الذي اقتبس سلوك الغرب في العلاقة بين الجنسين دون التمييز بين طيبه وخبيثه".

ويصل الكاتب إلى استنتاج مفاده " أن تحرر المرأة قد احتل حيزاً في الروايات الفلسطينية " إلا أن بعض الشخصيات النسائية قد خلطت بين التحرر بمعناه الإيجابي، والتحرر بمعناه السلبي، ما تمخض عنه " ضياع كثير من الشخصيات التي بدت تصرفاتها المنفلتة، كأنها مقحمة على المجتمع الفلسطيني" الأمر الذي أدى إلى دفع " تلك الشخصيات إلى البحث عن خلاص ينتشلهن من حالة التخبط والضياع والاغتراب".

الحــــــــب :
عمل العيلة على إبراز " العلاقة التي تنشأ بين الرجل والمرأة بكل ما يتفرغ عنها من قضايا العشق والوعد بالزواج.. من خلال ما رصدته الرواية الفلسطينية لهذه القضايا ، فقد لجأ الروائي الفلسطيني " إلى الإعلاء من شأن الحب والعواطف النبيلة في محاولة منه إلى تحقيق التوازن بين الحياة العادية من جهة والمآسي التي يخلفها الصراع مع عدو من جهة أخرى".

لقد تتبع العيلة " حجم الحب الذي جمع بين الزوجين أحمد النجار وخديجة في رواية عكا والرحيل ، فوجد أن هذه " العلاقة تسمو بالاستمرارية والتجذر" ويرصد الكاتب حالة الفقد وما يكتنف صاحبها من آلام، مثل حالة شخصية الشايب في رواية " نشيد الحياة " ليحيى يخلف، هذه الشخصية التي فقدت القدرة على النوم، لأنها مصابة بالكآبة و يستعرض الكاتب نماذج متعددة للعلاقة بين الرجل والمرأة، فهذا " أبو خليل " في رواية " العشاق " قد صعقته وفاة زوجته ، وأن تظاهر بتحمل الصدمة " وكذلك بقي " غول الوحدة يعتصر ( زليخة) في نشيد الحياة بعد افتقادها لزوجها الغائب منذ زمن طويل، لتقضي باقي عمرها تحلم بعودته " وهذه أم محمود في ( العشاق) تغرس في وجدان ولديها صورة طيبة لأبيهما الذي استشهد عندما كان عائداً من عملية ضد المحتلين " وها هي ( ثريا) الأرملة الجميلة في رواية ( الشوارع) التي فقدت زوجها في حرب 1948 لتعيش وحيدة ، تثير عودتها المتأخرة في الليل أقاويل المخيم، بحيث أصبحت مطمعاً للبعض ممن لم يستطيعوا النيل منها ".

لقد وجد العيلة بعد دراسته للرواية الفلسطينية التي عالجت الحب وقضاياه" أن الحب الحقيقي قد غير واقع بعض النماذج النسائية للأفضل، حيث ساهم في تجاوز حالة الضياع التي مرت بها أو عاشتها تلك النماذج" ويرى العيلة بأن " الحب الروائي الفلسطيني يبدو رمزاً لجيل يحاول أن يفرض مفاهيماً ، متخطياً واقع الحواجز والوصاية، غير أن سطوة التقاليد، التي تدفع المجتمع بأن لا يتسامح مع من " يخرج عن ضوابطه الأخلاقية" ويلاحظ الكاتب " أن الرواية الفلسطينية " قد قامت برصد " الواقع المأساوي للمرأة ".

العمـــل :
يقول العيلة : " أن المتأمل للرواية الفلسطينية يجد العديد من الشخصيات النسوية على اختلاف بيئاتهن وتنوع أعمالهن ، انطلاقاً من إيمانهن بأن العمل هو النشاط الوجودي للمرأة، أي النشاط الذي يتوقف عليه بناء شخصيتها الإنسانية بأوجهها المتعددة العقلية ، والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.

ويعمم الكاتب رأيه بعرض نماذج مرأوية في الروايات الفلسطينية ، فها هي شخصية ( سليمة الحاجة ) في رواية ( بوصلة من أجل عباد الشمس) تمثل المرأة الكادحة التي فقدت زوجها ، فقامت على تربية بنيها رافضة شفقة الآخرين) أما شخصية أم حسن في رواية ( العشاق) فهي نموذج للمرأة الفلاحة الصابرة ذات الوعي الفطري، التي أرغمت زوجها المزواج على الطلاق منها بعد أن لم تر منه سوى القسوة " وتطل علينا شخصية ( أم صالح ) في رواية ( النهر الغريق) والتي استشهد زوجها في الاعتداء الإسرائيلي على قلقيلية العام 1955، ترهن حياتها لتربية أولادها وتعليمهم و يعرض الكاتب نماذج مرأوية متعددة من أجل أن تغطي مساحات شاسعة للصفات المتباينة ، فمن بين هذه النماذج شخصية ( زليخة) المرأة الصابرة المعذبة في رواية ( نشيد الحياة) ، في حين تجسد ( أم سعد) عند كنفاني شخصية المرأة الفقيرة الكادحة التي تعيش في المخيم، ومن الجدير بالذكر أن الكاتب لم يعثر أثناء قراءته للروايات الفلسطينية ، إلا على عدد قليل لشخصيات مرأوية " يتنازلن عن أجسادهن في سبيل إعاشة أسرهن" وقد وجد العيلة " أن الرواية الفلسطينية " قد تمكنت إلى حد كبير من " تتبع الشخصيات النسوية العاملة على اختلاف أماكن تواجدهن وتنوع أعمالهن " دون أن يشير الكاتب لا من قريب أو بعيد إلى ثقافة الروائي وأيديولوجيته ، التي أسهمت إلى حد كبير في انعكاس ذلك على الشخصيات المرأوية في الروايات الفلسطينية.

النضــــال :
يقول العيلة إن " الروائي الفلسطيني " قد حرص على إبراز كثير من أشكال نضال المرأة الفلسطينية ويورد الكاتب أهم " الصور النضالية النسوية التي حفلت بها الرواية الفلسطينية وهي :" التشبث بالأرض، وحمل السلاح والمقاومة " وحول مشاركة المرأة في النضال ، يرى العيلة بأنه على الرغم من " تلك الصور النضالية النسائية المختلفة، إلا أن هناك قطاعات واسعة في المجتمع الفلسطيني ، لا تزال تنظر بعين التوجس إلى مشاركة المرأة للرجل في حمل السلاح، بدعوى أن ذلك يتعارض مع الأعراف الاجتماعية المتوارثة.

الفصل الثاني :

قام العيلة بتتبع حضور المرأة في هذه الروايات الصادرة في الضفة والقطاع قبل العام 1987 فوجد أنها قد " حرصت على إبراز صورة المرأة في محاور متعددة كجزء من واقع اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي ساهم في تكوينها، وبالتالي تحديد رؤيتها " ومن المحاور التي احتوى عليها هذا الفصل :
أولاً : المرأة الإيجابية الصلبة الفاعلة ، التي تمثلها شخصية ( سعدية ) في رواية ( عباد الشمس ) لسحر خليفة ، وشخصية ( صفية) في رواية ( ضوء في النفق الطويل) . ثانياً : المرأة السلبية التي تمثلها شخصية ( أم أسامة) في رواية الصبار، وكذلك
( عيشة) في الرواية نفسها.

ثالثاً : المرأة المغتربة المتمردة والتي تعتبر نموذجاً لها شخصية ( رفيف) في رواية ( عباد الشمس ) ، وشخصية ( أمل ) في رواية ( إسماعيل) والتي يتنافس على الزواج منها شباب العائلة.

رابعاً : المرأة اللعوب، و تمثل هذا النموذج الزوجة ( نادية) في رواية ( الذين يبحثون عن الشمس ) وكذلك الزوجة ( يسرى) في الرواية نفسها ،و حول شخصية المرأة اللعوب يقول الكاتب إنه على الرغم من " عثورنا على نموذج متفرد للمرأة البغي ( خضرة) التي ترجع الرواية سقوطها إلى ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة " ، إلا أن " ذلك التبرير لا يبيح انحرافها وانحلالها ومتاجرتها بجسدها " ، من هنا وجد الكاتب أن النماذج النسائية العاهرة التي حرصت الرواية على رصدها تبدو نتاجاً ملفوظاً معزولاً خارجاً عن السياق الطبيعي، فالكاتب يرفض مثل هذا النموذج ، حتى في الأعمال الروائية ، وهو في ذلك الحكم النقدي خاضع لموقف أخلاقي مسبق ، إذ من الممكن أن يوظف الروائي الموضوعية الجنسية أو الأخلاقية لخدمة عمله الروائي ، ولا يعني أن الروائي مؤمن بها بقدر ما هي أداة فنية محضة .

خامساً: المرأة المناضلة : وتمثل هذه السمة شخصية ( لينة) في رواية ( الصبار) وشخصية ( سعدية ) التي تعمل على إخفاء الأسلحة ، وشخصية ( حليمة) في رواية ( العربة والليل ) فتعمل على نقل الطعام إلى مجموعات المقاومة.

سادساً : المرأة " الرمز، الأرض ، الحكمة المثال "، ويرى العيلة بأن الرواية قد اختارت " الاتجاه الواقعي لمسيرتها " ومع ذلك لم يمنع الرواية " من استخدام الرموز الجزئية أو الشاملة داخل إطارها الواقعي، " حيث وجد الكاتب اختلاط الرموز بالواقع في رواية " المفاتيح تدور في الأقفال " ، إذ تتحول ( سمية ) إلى رمز لقضية كبرى تبعث في الشباب المعتقلين في السجن المقاومة والتمرد".

الفصل الثالـث :
تتبع الكاتب النماذج بين الواقع والرمز في الروايات بعد العام 1987 فوجدها على النحو التالي:

أولاً: المرأة الإيجابية وتمثلها ( الست زكية ) في رواية ( باب الساحة) و( الست أميرة ) في رواية ( الميراث ).

ثانياً: المرأة المستغلة وتعد شخصية ( سلفيا ) في رواية ( بقايا ) نموذجاً لها.

ثالثاً: المرأة الرمز التي اكتشف العيلة بأن هناك " ندرة في استخدام الرمز في رسم نموذج المرأة الفلسطينية في الروايات الصادرة بعد الانتفاضة 1987، قياساً بالمرحلة السابقة حيث أكسب الحدث الممتد الملتهب المعالجات الروائية مزيداً من الجرأة التي أدت إلى أن يصبح الرمز أكثر وضوحاً وأقرب إلى الواقع ".
من هنا يعتبر الكاتب شخصية ( رقية ) في رواية ( آخر القرن) ، رمزاً لأنها تجسد القوة الروحية الصلبة الرافضة للكسر، في مواجهة غطرسة العدو وقهره ، أما موت
( فتنة ) على الحاجز الإسرائيلي في رواية الميراث ، فوجده يحمل دلالات إيجابية " ولكنها لا تصل على ما يبدو إلى درجة الرمز ، ما دفع الكاتب إلى التأكيد على أن " روايات هذه المرحلة " لم تتكئ على الرمز في استحضار صورة المرأة ".

الفصل الرابع :

يهدف هذا الفصل كما يقول العيلة إلى " إظهار تأثيرات الانتفاضة الشعبية وما أعقبها من متغيرات على صورة المرأة الفلسطينية من خلال مستويين : تبعية لم تستطع المرأة الفكاك منها .
وتمرداً حاولت بعض النماذج النسائية استثماره من خلال تشكل بعض القناعات الجديدة .

أولاً: المرأة المتمردة والتي تمثلها ( زينة حمدان ) في رواية الميراث ، وكذلك شخصية ( نهلة ) في الرواية نفسها.

ثانياً : المرأة التابعة التي تمثلها شخصية أم عزام في رواية باب الساحة ، يعتقد العيلة بأن روايات هذه الفترة قد " أزاحت الغطاء عن كثير من المحرمات بطرحها أسئلة تحتاج إلى إجابات حقيقية " " خصوصاً في ظل وجود إحساس بالظلم لدى بعض هذه النماذج المرأوية " ما أدى إلى فقدانها الثقة بأولئك الذين استثمروا خصوصيتها كامرأة في مجتمع تقليدي وقد تمخض عن ذلك " انفصالها عن واقعها وإحساسها بالضياع و الاغتراب".

الفصل الخامس :
وجد الباحث أن " الرواية الفلسطينية في الضفة والقطاع بعد 1987" قد عكست بعض الرؤى الجديدة التي ساهمت في صوغ صورة المرأة التي حملتها الانتفاضة المتفجرة أعباء إضافية ، تمثلت في اختيارها نهج المقاومة السياسية والعسكرية " وقد تتبع العيلة نضال المرأة في هذه الفترة من خلال عرضه " لنماذج نسوية متنوعة جسدها الروائي الفلسطيني " فهذه ( سروة ) في رواية ( الحواف ) لعزت الغزاوي يعتبرها الكاتب شخصية واقعية مغلفة برموز غير منغلقة شاهدة على الأحداث ، وتشارك في صنعها " فهذه الشخصية " تلتحم بأولئك الذين يحملون هموم الناس وهم مطاردون في الجبال يقاومون الخراب والعفن " أما شخصية ( وديعة ) في رواية ( بقايا ) فتشارك في النضال الوطني .

ويرى الباحث في نهاية المطاف بأن " الرواية الفلسطينية قد حفلت بالعديد من النماذج النسوية التي انخرطت في المعترك السياسي والنضالي بعد تفجر الانتفاضة العام 1987 على المستويين السياسي والعسكري، حيث شاركت النساء في التظاهرات والمسيرات والأعمال المسلحة.

الفصل السادس :
وضع الكاتب هذا الفصل لدراسة البناء الفني للرواية الفلسطينية ، بقصد " تتبع الأساليب الفنية التي وظفها الروائيون الفلسطينيون " أثناء معالجتهم " للقضايا التي شكلت هاجس المرأة الفلسطينية " فقد عملت هذه الأساليب على إبانة " الجوانب المهمة من عوالم المرأة الداخلية والخارجية " ، وقد حدد العيلة هذه الأساليب باللغة والسرد والحوار والمكان والزمن.

أولاً: اللغة : إذ يرى العيلة أنها جاءت عند بعض الروائيين مليئة بالقلق والتوتر والتمزق الإنساني، ناقلة لنا الواقع المأساوي الذي تعيشه النماذج النسائية عبر استخدام الألفاظ الدالة "، ويمكن تلمس ذلك عبر قراءتنا لما تقوله شخصية ( ثريا) في رواية ( بوصلة من أجل عباد الشمس) ، حيث " تكشف اللغة العالم الداخلي لهذه الشخصية بكل أبعاده النفسية المفعمة بالألم والتمزق ، بعد فجيعتها بخطيبها الذي سقط وهو يجتاز النهر في إحدى العمليات الانتحارية ". ذات اللغة التي تجسد المرارة المعبرة عن أوجاع الشخصية ، وجدها الكاتب في شخصية( جنان ) وتتبع الكاتب اللغة " التي تعكس نفسية الإنسان الذي يتمزق أمام مجتمعه ووجوده في وصف السارد لحالة الفتاة المثقفة " سمر" التي انتابها إحساس بالهزيمة والانسحاق ، بعد تعرضها للإهانة والضرب من أخوتها إثر تأخرها في بيت( نزهة ) بسبب منع التجول المفروض على مدينة نابلس . ووجد الكاتب أن " لغة بعض الشخصيات النسائية في الرواية الفلسطينية " قد امتازت " بالشفافية والتكثيف والإيحاء بحيث بدت أقرب إلى لغة الشعر في مواجهة إحباطات الواقع وآلامه واكتشف العيلة بأن هذه اللغة تتسم " بالتكرار لبعض الألفاظ والمفردات العامية من أجل الاقتراب من الحياة الواقعية بتلقائيتها وعفويتها . وكذلك توظيف التراث الشعبي من أمثال شعبية التي تتناول أشكال الحياة وأنماط السلوك المختلفة رغبة منها في تصوير الشخوص بدقة وصدق ، والكشف عن ملامحها الاجتماعية والعقلية ويوظف الروائيون الفلسطينيون الأغاني الشعبية من أجل التعبير عن الحالات المختلفة ، التي تعايشها الشخصيات النسوية ، وكذلك وظف بعض الروائيين الرؤى والأحلام من أجل تفجير طاقات لغة الحلم المقترنة عادة بملامح الحيرة والانتظار عبر مفردات دالة ، تعمق الإحساس بقسوة الواقع وجبروته .

ويرى العيلة بأن " الروائيين قد مالوا إلى استعمال اللغة المرنة البعيدة عن الابتذال والمبالغة في معالجتهم للموضوعات الحياتية المتشابكة .

ثانيا: السرد : ويرى الكاتب أن أبرز الأنماط السردية في الرواية الفلسطينية هي :

1-السارد الموضوعي العليم ، الذي يكثر من اللجوء إلى الأفعال الماضية أو المضارع المنفي ، واستخدام الضمير الثالث الغائب هو، هي " وهذا النمط يمثل الصيغة الأكثر تداولاً في الرواية الفلسطينية .

2- السادر الذاتي المتكلم الذي يبرز من خلال استخدام تقنية السرد الذاتي في الروايات الفلسطينية تماهي الكثير من الشخصيات النسائية مع السارد ، حيث يناسب هذا النمط من السرد طبيعة المرأة المثقلة بالهموم، كما وظف بعض الروائيين " السرد الذاتي مختلطاً بالموضوعي في استنطاق مظاهر الطبيعة " ويرى الباحث في نهاية دراسته للسرد بأن " الروايات الفلسطينية قد رواحت بين أسلوب السرد الموضوعي الكلاسيكي و السرد الذاتي ، مستعينة بتداخل الضمائر وتناوبها في رصدها لما يجول في أعماق شخوصها النسائية من مشاعر متباينة مختلفة ، وإن مالت العديد من الروايات إلى توظيف تقنيات السارد العليم المهيمن العارف بكل شئ "، ويلاحظ أيضاً أن " بعض الروايات التي عمدت إلى استخدام تلك التقنية ، قد جنحت أحياناً إلى التدخل عبر شخوصها النسائية بالتفسير و الشرح والخطابية والوعظ بما يمثله ذلك من استخفاف بوعي القارئ ".

ثالثا: الحوار : يرى الباحث بأنه قد " تعددت الأنماط الحوارية التي لجأت إليها الرواية الفلسطينية في تعاملها مع الشخصيات النسوية ، بغرض إظهار معالمها وإبراز سماتها النفسية والاجتماعية والفكرية".

رابعاً: المكان والزمان : يقول الكاتب إن " المكان والزمان" يمثلان " أحد المكونات الأساسية في بناء الرواية " ويتابع الباحث قائلاً : " إذا كان الزمن يمثل الخط الذي تسير عليه الأحداث، فإن المكان يظهر على هذا الخط ويصاحبه و يحتويه فالمكان هو الإطار الذي تقع فيه الأحداث، وهناك اختلاف بين طريقة إدراك الزمن وطريقة إدراك المكان ، حيث أن الزمن يرتبط بالإدراك النفسي أما المكان فيرتبط بالإدراك الحسي.

* المكان : يقول الكاتب إن المكان ظهر في الأعمال الروائية من خلال وجهة نظر شخصية معينة ومن خلال وجهة نظر الراوي ، إذ يبدو متجاوزاً قيمته كإطار جغرافي صرف، ليدخل في جدلية مع الأشخاص و نفسياتهم والأحداث ودلالاتها فيكون وصف الطبيعة والمنازل والأثاث وسيلة لوصف الشخصيات وحالتها النفسية ، بذلك يصبح المكان ( عنصراً بنائياً ودلالياً في القصص ).
* الزمان : يرى العيلة بأن الرواية الفلسطينية قد " تعاملت مع الزمن من خلال عنصرين :
الأول : الزمن الخارجي التاريخي حيث فطن الكتاب إلى أهميته في البناء الروائي، فكان حضور الماضي مرتبطاً بذكريات الوطن.
الثاني : الزمن النفسي الداخلي المنفصم عن الزمن الخارجي ، حيث يدهم الإحساس بتسرب سنوات العمر ، وتبدد مرحلة الشباب دون جدوى لدى كثير من الشخصيات النسائية ما دفع بعضهن إلى البحث عن خلاص يواجهن به حالة القلق والضياع والعزلة التي تحاصرهن. وفي الختام نستطيع القول : إن الباحث قام ببذل مجهود كبير ومع هذا ذلك فإن البحث جدير بالقراءة ، وهو خطوة رائدة لرصد المرأة في الرواية الفلسطينية