بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني.. تقسيم فلسطين لم يكن شرعياً

د.غازي حسين



هذا المقال رقم : 32 of 67 من العدد 15198-تاريخ30-11-2014

15198-تاريخ30-11-2014
ظهرت فكرة تقسيم فلسطين لأول مرة عام 1937 على إثر اندلاع ثورة 1936 في فلسطين والإضراب الذي دام ستة أشهر، حيث أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق المعروفة باسم لجنة بيل التي أوصت في تقريريها بتقسيم فلسطين، ولكن بريطانيا فشلت في فرض التقسيم لرفض الأمة والشعب العربي الفلسطيني والذي استأنف ثورته ضد بريطانيا، والهجرة اليهودية.. ولكن على إثر ارتفاع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين من جراء اتفاق ألمانيا النازية مع الحركة الصهيونية بموجب اتفاقية “هافارا” لتهجير يهود ألمانيا وأوروبا واستغلال الصهيونية لمعزوفتي “اللاسامية” و”الهولوكوست” قررت الحكومة البريطانية عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة ، ففي 26 شباط 1947 ألقى وزير الخارجية البريطاني آرنست بيفن خطاباً في مجلس العموم أعلن فيه أن قضية فلسطين أصبحت معقدة نتيجة لتشبث كل من العرب واليهود بمطالبهم ونتيجة للضغط الذي تقوم به الحكومة الأمريكية، استناداً إلى ذلك تقرر رفع الأمر إلى الأمم المتحدة، وقررت الحكومة البريطانية إدراج قضية فلسطين على جدول أعمال الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد أن لمست أن الوجود اليهودي في فلسطين قد تعزز من جراء الهجرة اليهودية من أوروبا، فأرادت أن تحقق سياستها في فلسطين عن طريق الأمم المتحدة بالانسحاب منها وإعلان تأسيس “إسرائيل”.
وبذلك تكون بريطانيا قد قررت استخدام الأمم المتحدة لتحقيق مصالحها ومصالح الصهيونية العالمية في الشرق الأوسط، للاعتبارات التالية:
- إن قرارات الأمم المتحدة تعفي بريطانيا من وعودها تجاه العرب، ومن واجباتها تجاههم المنصوص عليها في صك الانتداب .
- إن قيمة القرار الصادر عن الأمم المتحدة أكبر من قيمة أي قرار تصدره بريطانيا، وتجنبت بريطانيا إغضاب العرب والمسلمين بإصدار قرار التقسيم من الأمم المتحدة، نظراً لعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع العديد منهم.
- تخلصت بريطانيا من إلقاء العرب والمسلمين المسؤولية على عاتقها وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية تقسيم فلسطين.
وبتاريخ 8 نيسان 1947 بعثت الحكومة البريطانية بكتاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة تريغفلي، طلبت فيه: «إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة. ودعوة الجمعية العامة إلى عقد دورة استثنائية لتشكيل لجنة خاصة للنظر في قضية فلسطين ووضع تقرير ورفعه إلى الجمعية العامة في الدورة العادية المقبلة» (1).
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية في /27/ نيسان 1947 تلبية لطلب الحكومة البريطانية، وعند افتتاح الدورة طلب الوفد البريطاني أن يقتصر جدول الأعمال على الاقتراح البريطاني الذي نص على تشكيل لجنة للتحقيق، ولكن الدول العربية الأعضاء في الأم المتحدة آنذاك تقدمت بطلب إدراج إنهاء الانتداب على فلسطين وإعلان استقلالها، كما قدم وفد الاتحاد السوفييتي طلباً بإدراج تعيين لجنة تعمل على تحقيق استقلال فلسطين وإلغاء الانتداب في جدول الأعمال. قاومت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية كلاً من الاقتراحين العربي والسوفييتي، وعند التصويت سقطا وفاز اقتراح بريطانيا بموافقة الأكثرية على تشكيل لجنة خاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين.
أحالت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها إلى اللجنة السياسية (اللجنة الأولى ) للبحث في تشكيل اللجنة، وعقدت اللجنة السياسية عدة اجتماعات سادها انحياز الدول الغربية للمزاعم الصهيونية، وتم إبعاد الدول العربية عن عضوية اللجنة.
وقررت اللجنة السياسية أن تتألف لجنة التحقيق من إحدى عشرة دولة (2)، وجاء تشكيل اللجنة ضربة للموقف العربي، إذ ضمت ثماني دول من الكتلة الغربية ودولتين آسيويتين ودولة محايدة، هي يوغسلافيا.
ومن الجدير بالذكر بأنه تم انتخاب غواتيمالا واورغواي في اللجنة لأنهما أظهرتا انحيازاً سافراً خلال مناقشات الجمعية العامة للصهيونية وتأييدهما للتقسيم. ورفعت اللجنة السياسية قرارها بشأن تشكيل اللجنة إلى الجمعية العامة، فأقرته.
وجاءت الصلاحيات والاختصاصات التي حددتها الجمعية العامة للجنة، ضربة قوية لقضية فلسطين والمواقف العربية، إذ تم إعطاء اللجنة «أوسع السلطات لتسجل وتتأكد من الحقائق ، وتفحص جميع القضايا والمسائل التي لها علاقة بمسألة فلسطين … ودرس قضية فلسطين من جميع وجوهها ودرس أحوال اليهود المشردين في أوروبا والموجودين في مخيمات الاعتقال». (3)
عقدت اللجنة جلستها الأولى في نيويورك برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة تريغفلي، المعروف بنزعته الاستعمارية وميوله للصهيونية، والذي أظهر تحيزاً سافراً للصهيونية، خلال مناقشات الدورة الاستثنائية، مما حمل وفدي سورية وفلسطين على الاحتجاج رسمياً على تصرفاته. وانتقلت اللجنة إلى لندن، وزارت بعض البلدان الأوروبية واللاجئين اليهود واستمعت إلى آراء زعمائهم وممثليهم، ثم عقدت اجتماعاً لها في بيروت، استمعت فيه إلى رأي موحد للدول العربية، قدمه إلى اللجنة حميد فرنجية وزير خارجية لبنان آنذاك.
قرر الفلسطينيون بالإجماع مقاطعة اللجنة وعدم تعاونهم معها، وطالب الفلسطينيون من الدول العربية بمقاطعة اللجنة، ولكن الدول العربية لم توافق على هذا الطلب، فقاطعها الفلسطينيون عندما جاءت إلى فلسطين. وخلال إقامة اللجنة في فلسطين، نزل العديد من أعضائها في فنادق يهودية وقضوا سهراتهم في تل أبيب، وزاروا العديد من المستعمرات والمراكز اليهودية، وأعلنوا تأييدهم لليهود، ورحبوا في مقابلاتهم بفكرة التقسيم.
اختلف أعضاء اللجنة حول التوصيات التي سيقدمونها إلى الجمعية العامة، وانقسموا إلى فريقين.
فريق الأكثرية، ونص في تقريره على التوصية بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية وأخرى يهودية، ووضع القدس ومنطقتها تحت الوصاية الدولية، وعقد معاهدة اقتصادية بين الدولتين، وضم هذا الفريق سبع دول، وهي: السويد، وأورغواي، بيرو، غواتيمالا، هولندا، كندا، لوكسمبورغ، وفريق الأقلية، وتضمن تقريره التوصية بإقامة دولة اتحادية من دول عربية ،أخرى يهودية، وضم ثلاث دول وهي : إيران والهند ويوغسلافيا.
وفي الثالث من أيلول شكلت الجمعية العامة لجنة عامة من جميع الدول الأعضاء، وشكلت لجنتين فرعيتين، وقدمت كل من اللجنتين الفرعيتين الأولى والثانية توصياتها إلى اللجنة العامة، وجاء تقرير اللجنة الفرعية الأولى مؤيداً لتقرير فريق الأكثرية، أي مؤيداً للتقسيم، بينما أوصت اللجنة الفرعية الثانية بإنهاء الانتداب، واستقلال فلسطين، واستطلاع رأي المحكمة الدولية، فيما إذا يحق للأمم المتحدة فرض حل على فلسطين لا توافق عليه أكثرية السكان.
وناقشت اللجنة العامة تقريري اللجنتين الفرعيتين، حيث عارضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تقرير اللجنة الفرعية الثانية، وبشكل خاص استطلاع رأي المحكمة الدولية، وفاز تقرير اللجنة الفرعية الأولى بأكثرية 25 صوتاً ضد 13 صوتاً وامتناع 17 دولة عن التصويت وغياب دولتين، وأحيل قرار اللجنة العامة إلى الجمعية العامة للبحث والتصويت في 26 تشرين الثاني 1947، حيث مارس الصهاينة والولايات المتحدة أبشع أنواع الضغط والابتزاز على العديد من الدول ، مما حمل بعض الدول على تعديل مواقفها وتأييد التقسيم. وكتب هاري ترومان الرئيس الأمريكي آنذاك في مذكراته يقول: «لقد أعطيت تعليمات إلى وزارة الخارجية بأن تؤيد أمريكا مشروع التقسيم». (4)
وأخذ مندوبو الولايات المتحدة في الأمم المتحدة يطلبون من كل وفد اتخاذ موقف إيجابي وتأييد التقسيم، مستعملين التهديد والوعيد، مما حمل العديد من الدول على تغيير موقفها مثل بلجيكا وفرنسا وليبيريا وبرغواي والفلبين وهولندا ولوكسمبورغ. ومارس الصهاينة أبشع أنواع الضغوط على الوفود المعارضة للتقسيم متهمين بعض الوفود باللا سامية، ولقد اعترف الرئيس ترومان في مذكراته بالضغوط التي مارستها الصهيونية، وكتب يقول: «في الواقع لم تكن الأمم المتحدة وحدها التي أخضعت لضغوط لم تعرفها من قبل، بل إن البيت الأبيض نفسه تحمل دفعاً من الضغط ، ولا أعتقد أنني تعرضت يوماً لحملة دعائية بهذه الشدة». (5).
لقد تعرضت عواصم الدول التي تعارض وفودها التقسيم في عشية إقراره إلى ضغوط أمريكية ويهودية هائلة، وشكل زعماء اليهود ومؤيدوهم من السياسيين الأمريكيين لجنة الطوارىء للتقسيم من عدد أصحاب النفوذ الكبير في داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتولت السيدة روزفلت الاتصال برجال السياسة الأمريكية والرئيس ترومان، وتعهد برنارد باروخ عضو اللجنة للوفد الفرنسي بتقديم مساعدات أمريكية وفيرة لفرنسا بموجب مشروع مارشال ، ومارس عضو اللجنة هارفي فايرستون نفوذه الاقتصادي على ليبيريا وضغط على حكومتها. ومارست الولايات المتحدة ضغطاً كبيراً على مندوب الفلبين الذي كان من أشد المعارضين للتقسيم، ولكن حكومته نصحته بالتصويت إلى جانب التقسيم صيانة للصداقة الأمريكية الفلبينية. وكان مندوب هاييتي معارضاً للتقسيم، ولكنه تلقى تعليمات من حكومته نتيجة للضغط الذي وقع عليها إلى تأييد التقسيم، فوصل عدد الأصوات المؤيدة للتقسيم إلى 33 نتيجة للضغط الأمريكي، وكانت السياسة الأمريكية تحث بعض الدول المعارضة للتقسيم على الامتناع عن التصويت، ويمكن القول إن الولايات المتحدة لعبت الدور الأساسي في إنجاح مشروع التقسيم.
وعندما لاحظ الصهاينة أن مساحة الدولة اليهودية أقل بكثير مما يريدون توجه حاييم وايزمان إلى واشنطن، واجتمع مع الرئيس ترومان في 19/11/1947، ويقول وايزمان في مذكراته عن هذا الاجتماع: «تحدثت إليه عن منطقة النقب والعقبة، وأنها يجب أن تكون من نصيب الدولة اليهودية… وابتهجت جداً عندما رأيت الرئيس يرجع إلى الخريطة ويدرسها بدقة واهتمام، ثم وعدني أن يتصل فوراً بالوفد الأمريكي… إن المستر ترومان كان صادقاً في قوله، وإنه بعد ساعات قليلة من اجتماعي به أصدر التعليمات اللازمة للوفد الأمريكي لجعل النقب والعقبة من نصيب اليهود». اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947، وقال رئيس الجمعية العامة ازولدا ارانيا بأن ثلثي الأصوات قد أصبحت متوفرة لإقراره. اقترح الوفد اللبناني، كمحاولة أخيرة لمنع صدور قرار التقسيم، تشكيل دولة اتحادية في فلسطين، ولكن اقتراحه رفض، وصوتت الجمعية العامة على التقسيم، ففاز بـ 33 صوتاً ضد 13، مع امتناع عشرة عن التصويت، وغياب دولة واحدة، وكانت الدول المؤيدة للتقسيم 33، منها الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وفرنسا. (6). وكان من الدول المعارضة للتقسيم: سورية، لبنان، السعودية، مصر، اليمن، العراق، الهند، باكستان، أفغانستان، اليونان، تركيا، كوبا.
أعلنت وفود الدول العربية في الأمم المتحدة رفضها تقسيم فلسطين فور صدور القرار، كما أعلن الشعب العربي الفلسطيني استنكاره ورفضه الشديدين لقرار التقسيم، لأنه إنهاء لعروبة فلسطين، وتقويض للكيان العربي فيها، ومقدمة لتهويدها، وأصدر رؤساء، وممثلو الدول العربية عقب اجتماع عقدوه في القاهرة بتاريخ 17 كانون الأول 1947 بياناً أعلنوا فيه رفضهم للتقسيم، واستنكارهم له. (7).
وبالعودة إلى قرار التقسيم الذي بموجبه أسست العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة “إسرائيل”، نجد أنه ينص على ضمان حقوق متساوية للسكان، فالباب الثاني منه ينص على أنه: «لا تمييز بين السكان من أي نوع على أساس العرق، أو الدين، أو اللغة، أو الجنس.
- يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في حماية القانون بالتساوي.
- لا يسمح بمصادرة أي أرض تخص عربياً في الدولة اليهودية، أو يهودياً في الدولة العربية، إلا للمنفعة العامة، وفي جميع الحالات المصادرة يدفع تعويض كامل قبل نزع الملكية، تحدده ذلك المحكمة العليا». (8).
وجاء فيما سمي ببيان الاستقلال عام 1948 عند تأسيس إسرائيل: «إن مذهب الصهيونية سيكون الأساس للأيديولوجيا والسياسة الإسرائيلية». وبالتالي أصبحت العنصرية، والاستعلاء، والانغلاق العنصري عقيدة رسمية لإسرائيل، وللأيديولوجيا السائدة فيها، ولجميع الأحزاب، والمؤسسات الحكومية، والتعليمية، والثقافية، والعسكرية، انعكست في قوانين، وممارسات، وحروب عدوانية، ومجازر جماعية، واستعمار استيطاني يهودي في فلسطين، وامبريالية إسرائيلية في الوطن العربي. لكن التاريخ أثبت زوال أنظمة الاستعمار، والاستعمار الاستيطاني، والعنصرية، فزالت النازية من ألمانيا، والفاشية من ايطاليا، واسبانيا، والعنصرية من روديسيا، والأبارتايد من جنوب أفريقيا، ومصير الكيان الصهيوني إلى الزوال.
المصادر:
1- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين،(كتب)، إصدار الهيئة العربية العليا لفلسطين، بيروت 1961 ص5.
2- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1973، ص3، (رقم القرار 106 الدورة الاستثنائية تاريخ 15 أيار 1947).
3- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، مصدر سابق، ص6.
4- ندوة القانونيين العرب عن القضية الفلسطينية في الجزائر عام 1976، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1968، ص73، نقلاً عن مذكرات ترومان، الجزء الثاني، باريس 1965، ص 188.
5- ندوة القانونيين العرب، مصدر سابق ص74.
6- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق ص13.
7- المؤامرة الكبرى على تقسيم فلسطين، الهيئة العربية العليا لفلسطين، مصدر سابق ص 14.
8- قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين 1947-1972، مصدر سابق ص6-7.
د. غازي حسين
Vvvvvv=====