( والمساواة بين الانبياء نص وتفضيل الرسول الكريم نص..
لا نفرق بين أحد من رسله
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض
ولا بد من قبول أحدهما وتأويل الآخر...
وأنا مع النص الذي يقبله العالم كله في اطار احترام مقدسات الشعوب وهو الخيار العقلاني الاصلح للحياة والسلام وهو المساواة بين الجميع..
ورسول الله هو ضوء عيني وحب فؤادي وزاد قلبي وشفيعي عند الله ) إنتهى


قلت : أمّا قوله تعالى ( لا نفرّق بين أحد من رسله ) فسياق الآية الكريمة سباقاً يوضّح تتمّة الاية لحاقاً ؛ إذ المقصود من ذلك عدم التفريق بينهم في أصل الإيمان بهم من حيث إنهم رسل الله تعالى جميعاً ، ذلك أنّ الاية كلها واردة في سياق أصول الإيمان حيث قال تعالى ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد*من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ( البقرة 285) فلا يستقيم إيمان أحد إلا بإيمانه برسل الله جميعاً ! فذا مقصود الآية ومنطوقها
إذا علم ذلك وبان ، يكون مفهوم قوله تعالى ( تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض) ( البقرة:253) قد بدا واستبان ، وكذا قوله تعالى مؤكّداً ( ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض ) (الإسراء:55)فهو تفضيل في مكانتهم عند الله تعالى ،ولإيضاح ذلك وفي ضوئه يتقرّر :
تفضيل الأَنْبِيَاء بعضهم عَلَى بعض حقّ ، وتفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق ، بنصّ كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حيث يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (البقرة:253) ويقول (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض )(الإسراء:55)
واختص الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعض أنبيائه بخصائص كما هو معلوم من اختصاص إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام بأن جعله إماماً للناس، قَالَ: ( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)(البقرة:124)
واختص موسى عَلَيْهِ السَّلام بكلامه ( وكلّم الله موسى تكليما ) ( النساء164) واختصّ محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخصائص كما جاء في قوله – صلى الله عليه وسلم - ( فُضلت على الأنبياء بست ، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) ( مسلم 523 )فبهذا يتضح أن تفضيله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأنبياء، وتفضيل بعض الأَنْبِيَاء عَلَى بعض، صحيح وثابت لا شك فيه
وهنا جاز التساؤل :فماذا عن قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تفضلوني على الأنبياء)هل يتعارض في ظاهره مع حديث{ أنا سيد النَّاس يَوْمَ القِيَامَةِ } (مسلم 5830) و{ أنا سيد ولد آدم ولا فخر } (سنن ابن ماجة 4306، ومسند أبي يعلى الموصلي 4243)
والجواب : لا تعارض بين الأحاديث المذكورة ، فأحاديث النهي عن المفاضلة بين الأنبياء محمولة على اعتقاد جانب النقص في حقّ بعضهم ، فذا كفر يتنزّه عنه المسلم ، في حين اعتقاد فضل الجميع ، ثمّ تمايزهم في هذا الفضل ، فلا حرج فيه شرعاً ، بل هذا منطوق النصوص كما سلف !غير أنه ثمّ قيد لهذا التفضيل :فالتفضيل لهوى وعصبيّة ، مذموم ، ولذلك لا يجوز التفضيل عَلَى هذا السبيل ، ومن العلماء من حمل النهي عن التفضيل المعين، أي: لا تقل: نوح أفضل من موسى أو موسى أفضل من عيسى، فالتفضيل المعين يشعر بانتقاص هذا المفضل عليه، كما لو قلت: فلان أفضل من فلان، فإنك تشعر بأنه أنقص، لكنك لو قلت فلان أفضل أهل البلد لكان أولى ، لأنّك لمّا عمّمت لم يكن في هذا التعميم ما يسيء إلى أحد بعينه، فهو معقول ولا بأس أن تقوله، وبناءً عَلَى هذا نقول: إن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الأنبياء، لكن لا نعين واحداً منهم فنقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من النبي ...، لكيلا يوهم من يسمعه بانتقاص المفضول .
وقال الحليميّ : ( الأحاديث الواردة في النّهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب ، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة ، لأنّ المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر ، فأمّا إذا كان التخيير مستنداً إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرّجحان فلا يدخل في النّهي )( فتح الباري بشرح صحيح البخارري لابن حجر العسقلاني 6/514)
وقال ابن حجر : ( قال العلماء في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التفضيل : إنما نهى عن ذلك من يقوله بغير دليل ، أو يقوله من حيث يؤدي إلى تنقيص المفضول ، أو يؤدي إلى الخصومة والنزاع ) ( فتح الباري بشرح صحيح البخارري لابن حجر العسقلاني 6/514)