ملاك الجهني10/19/2014
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

"إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالاً رمزيًـا. لم تفُز إلا بما أراد الرجل التنازل عنـه.لم تأخذ شيئًا أبدًا بل تسلَّمت ما أُعطي إليهـا".سيمون دي بوفـواروُجِد مفهوم الآخر في ثقافات قديمة ومعاصرة، لكنه لم يتحول إلى مصطلح إلا في الفكر الأوروبي الحديث. وقد ورد مصطلح الآخر بمعان متعددة لدى عدد من المفكرين في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية كجان بول سارتر وميشيل فوكو وإيمانويل ليفانس وجاك دريدا وجاك لاكان، واستخدم المصطلح في الدراسات النفسية والأنثروبولوجية والاجتماعية والنقدية فجرى توظيفه في النقد النسوي والنقد ما بعد الاستعماري. وأدت إسهامات إدوارد سعيد النقدية للاستشراق إلى تطور المفهوم حيث استعمل سعيد الآخر أداة للتحليل السياسي والثقافي والسوسيو ثقافي، متناولاً صورة الشرق في المتخيل الغربي وموضحًا كيف تمت شرقنة الشرق في الأدبيات الاستشراقية، وكيف أدى ذلك إلى جعل الشرق آخرًا بالنسبة إلى الغرب، وكيف رصد الغرب السمات التي يختلف فيها الشرق عن الغرب بوصفها سمات (دونية) و(غير آدمية).وتتحدد دلالات الآخر - بحسب ما ذكره سعد البازعي في كتابه (الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف) - ضمن سياقين: سياق معرفي يُعتبر فيه الآخر مفهومًا تكوينيًا أساسًا للهوية، إذ تُحدد الذات هويتها استنادًا إلى آخر، وسياق قيمي آخلاقي يكتسب خلاله الآخر موقعًا في سلم تراتُبي يكون من خلاله مقبولاً أو مرفوضًا، سيئًا أو طيبًا، وهذين السياقين غالبًا ما يجتمعان فيكون تحديد الهوية جزءًا من موقف قيمي أو أخلاقي.أما توظيف مفهوم الآخر نقديًا في النقد النسوي فقد تم على يد الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار التي دشنت الموجة الثانية للنسوية الغربية بكتابها الصادر بالفرنسية والمترجم تحت عنوان (الجنس الآخر)، أو (الجنس الثاني) والذي تناولت فيه المؤلفة المرأة بوصفها آخرًا بالنسبة إلى الرجل، واستفتحت المؤلفة الفصل الأول من الكتاب بالتساؤل حول ماهية المرأة.وترى الدارِسات لفكر بوفوار أن الكتاب إنما هو طريقة جديدة في كتابة (الأنا) من وجهة نظر أنثوية تتحول معها المرأة من موضوع للآخرين إلى موضوع لذاتها. فما أثارته بوفوار في الكتاب تناول بعمق آخرية المرأة، محاولاً الإجابة على سؤال: ما الذي جعل الرجل لا يرى في المرأة سوى وجهًا للآخر؟ أو الآخر المطلق؟وتُميز بوفوار بحسب ما ذكرته سلمى الحاج في بحثها المعنون بــ(التأسيس لهوية أنثوية خارج البراديغم الذكوري عند سيمون دي بوفوار) بين الآخر والآخر المطلق، استنادًا إلى جدلية (السيد والعبد) لدى هيجل، والفرق بين الآخر والآخر المطلق لدى بوفوار أن الأخير لا يمكنه أبدًا بلوغ مستوى التماثل بينما يمكن للأول الوصول للتماثل، فالعبد مثلاً في الجدل الهيجلي يوجد في حالة اضطهاد وهيمنة من قبل السيد، لكن الأمر هنا يتعلق باختلاف تراتبي وليس بغيرية عميقة حيث يمكن للعبد أن يتمرد ضد السيد ويَفتَكّ من سُلطته بواسطة الصراع والعمل، ومن خلالهما يمكن للعبد أن ينتزع الاعتراف من السيد ويتم تبادل مواقع الحرية بينهما، بخلاف المرأة التي يبدو وضعها - بنظر بوفوار - أكثر تدهورًا من وضع العبد لوجودها أصلاً خارج أية علاقة وأي تماثل.وسبب ذلك - برأيها - أن المرأة لم تجترئ تاريخيًا على دخول صراع مع الرجل، ولم يكن بينها وبينه سوى علاقة خضوع، وبتكريس عبوديتها له وعدم دخولها في أي نوع من أنواع المماثلة اعتبرت المرأة آخرية مطلقة.إن آخرية المرأة نسبة للرجل تشكلت داخل دائرة الجنس (ذكر/أنثى) وهي قائمة على أساس الصراع بوصفه فكرة محورية في الفكر الغربي، وعلى أساس إنسانوي وجودي عَرَّفت فيه بوفوار الإنسان "بأنه كائنٌ غير مُعطَى، وأنه يصنع نفسه بنفسه ويقرر ما هو عليه".أما آخرية المنقبة التي نطرحها هنا على ضوء مفهوم الآخر كما صاغه إدوارد سعيد، وتنويعًا على المفهوم المطروح من قبل بوفوار فلا نطرحها إيمانًا بتلك الأسس الإنسانوية ولوازمها، بل نطرحها أنموذجًا لمن يفكرون داخل النموذج الثقافي الغربي باعتباره الضامن الوحيد للحرية والتعددية والمساواة، ومن هنا يمكننا القول أن آخرية المنقبة تشكلت داخل عدة أطر أبرزها إطار (المختلف ثقافيًا) وهو الإطار الذي يُنظر من خلاله للمنقبة في الغرب، كما تشكلت آخرية المنقبة داخل (الوعي النِّسوي المستغرب)، و(الوعي الذكوري المستغرب) في البلاد العربية التي نشأت فيها حركات تحرير المرأة تحت غطاء سياسي بعد الصدمة الحضارية بالغرب الاستعماري وفَرْض العلمانية ونزع الحجاب بالقوة كما حدث في تونس.والمفارقة أن يُنظر للمنقبة في هذه البلاد - ذات الثقافة العربية الإسلامية - بوصفها آخرًا ليس له مطلقًا أن يبلغ مستوى التماثل إلا إذا تخلت المنتقبة عن نقابها فقط ودون حاجة لخوض أي صراع من أي نوع، فنزع الحجاب بالأصل تمّ بواسطة الرجل، إن بطريقة مباشرة كما فعل أبو رقيبة في تونس أو بطريقة غير مباشرة كما فعلت هدى شعرواي تحت رعاية سعد زغلول في مصر، وتنتقل المنتقبة في حال عدم استجابتها للإكراهات العلمانية بنزع النقاب من آخرية تجعل التماثل في حدود الإمكان إلى آخرية (مطلقة) تخُرج المنقبة من نطاق الإنسانية برمتها، مما يجعلنا نتساءل: هل يمكن للمنتقبة التي جمعت بين محددين أحدهما كونها امرأة والآخر كونها منتقبة وُصفت دومًا بكونها منقبة لا منتقبة أي مفعول به للغير، هل يمكن أن تتحدد بوصفها (أنا) فاعلة، أو هل لها أن تمتلك الفعل، أي أن تنتقب مختارة بوصفها ذاتًا فاعلة؟الطرح العلماني الليبرالي يستبعد تمامًا هذه الفكرة فالمنقبات مجرد موضوعات للغير، فهن منقبات لأجل الغير، ومحميات جنسية للغير، وأدوات للمناورة السياسية على الأرض، المنقبة مغررٌ بها أبدًا ومستلبٌ وعيها أو مزيفٌ أبدًا.إننا يمكن أن نتفهم الرؤية الغربية للحجاب والنقاب بصفة أخص في إطار الاختلاف الثقافي مستحضرين جهد ادوارد سعيد حول الآخر المختلف ثقافيًا عن الغرب، ووفقًا للمركزية الغربية التي تصطفي نموذجها وتعمل على جعله كونيًا.لكن ما يصعب تفهمه هو أن تصبح المنقبة آخرًا في مجتمعات إسلامية لا تفرض الدولة فيها الحجاب، وأن يجري استعداء السلطة عليها والتحريض على تصفيتها والقضاء على وجودها في المجتمع لا بسيف السياسة الشرعية بل بسيف السياسة المدنية، حيث لا يمكن أن يستوعب الفضاء العلماني المنقبة كما لا يمكن أن يكون نقاب المنتقبة خيارًا شخصيًا حُرًا، ذلك أن نقابها مكمنٌ من مكامن العنف بحسب النِّسوية التونسية رجاء بن سلامة، والتي ترى أن النقاب "إذا لم يقصد منه التحيل وإخفاء الهوية فإنه نوع من القتل أو الانتحار الاجتماعيين، ولا يقل خطورة عن القتل أو الانتحار الواقعيين، ويستوجب التدخل لإنقاذ القتيل، لأن جسد الإنسان ليس ملكاً له وحده، ولأن الحياة والحق في الحياة من جهة، ومنع الألم من جهة أخرى من المقاصد الأساسية لسياسة المدنيَّة وللسياسي".ووفقًا لهذا النمط الاستعلائي الإقصائي يتم استبعاد المنقبة داخل حدود الجغرافيا الإسلامية وخارجها، ولا يعني هذا استبقاء المحجبة فالمحجبة توصف بكونها كائنًا مشطوبًا جسديًا واجتماعيًا وسياسيًا، ووجودها يهدد الحق بعدم التحجب، والحق في نزع الحجاب حتى وإن لم تدعُ غيرها للحجاب، إذ قد يتحول الحجاب بفعلها إلى فريضة لا تفرضها الدولة بل يفرضها المجتمع!والموقف من المنقبة يدخل ضمن الموقف من الحجاب غير أن النقاب يواجَه بدرجة أكبر من العنصرية الإقصائية.وفي هذا تقول الكاتبة نفسها في سياق الهجوم على الحجاب: "أما المنتقبات المتشحات بالعباءات السوداء فإن وضعيتهن أصبحت وجهًا من وجوه اللامعقول يسري في حياتنا اليومية. فلا وجه لهن يميزهن بين الناس، بل لا وجه لهن يجعلهن من الناس. لقد قيل إن كلمة إنسان مشتقة في العربية من الأنس، وهو في أحد أهم معانيه الظهور، ولذلك تُقابل العربية بين الإنس والجن، على اعتبار أن الإنس سموا (إنسًا) لأنهم يظهرون، والجن سموا جنًّا من الجنون وهو الخفاء. فأي منزلة باعثة على الجنون لنساء يكن إنسيات في بيوتهن، ويتحولن إلى أشباح نهارية سوداء، جنيّات ممحوة في الفضاءات العامة؟".ويرى الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني الرؤية نفسها ويأتي كلامه نسجًا على نسج ونصًا على نص إن لم يكن نسخًا لمضمون النص فيقول: "حين تغطي امرأة وجهها ماذا يتبقى منها؟ ألا تتحول إلى مارد أسود بلا ملامح؟. الإنسان مشتقٌ من الأنس أي من ألفة الوجه وائتلاف الملامح بين الناظرين إلى بعضهم البعض... لذلك فمن تنتقب تتنكر عمدًا ومن ثم تخرج من دائرة الهوية المؤنسنة إلى دائرة الآخرية المتوحشة".هكذا بكل يسر وسهولة ودون أدنى تأنيب من الضمير الإنساني للفيلسوف يُجرد المسكيني المنقبة من إنسانيتها ويحيلها (وحشًا) كما أحالتها الكاتبة النِّسوية السابقة (جِنًّـا)!ويتساءل المسكيني: "ما الذي يدفع المعروف إلى التنكر؟ و(الهو) إلى أن يصبح (آخرًا)؟".يرى المسكيني "أن النقاب والحجاب وكل أجهزة الإخفاء التقليدية لاعلاقة لها بالجماليات ولا الدين ولا السياسة بحصْر المعنى. إنها ترتبط بتصور معين للهوية ومن ثم بتصور معين للحقيقة بعامة"، كما أن النزوع للتنقب ليس مجرد سلوك ديني مأمور به أو مندوب إليه بل يُخفي وراءه خوفًا من الحقيقة ورغبة بحمايتها، إضافة إلى أن"ثمة خوف ما يصاحب كل ما هو مخفي أو ينبغي إخفاؤه. وذلك يعني أن المخفي يحمل عُريًا أو عارًا أو رعبًا ما علينا حماية أنفسنا منه أو على الأقل التصرف وكأنه غير حقيقي أو غير موجود".يواصل المسكيني تساؤلاته حول الأسباب الوجودية الدافعة لاحتجاب المرأة وانتقابها اللذين يعنيان برأيه الإحالة المباشرة على الجنس وخوف المنقبة على لحمها من النهش والافتراس، أو أنها تفترض لنفسها القداسة وتتعالى على البشر متشبعة بالعجب بالنفس ومتشبهة بالذات الإلهية، وهذا التشبه يصادف رغبة خفية من الطرف المقابل بهتك الحجاب، فبرأي المسكيني: "يبدو أن التنقب يُخفي نحوًا معقدًا من التشبه بالله أو رغبة كظيمة أو خجولة بالتأله أو التربّب على عادة الإله التوحيدي، نعني الميل إلى الاختفاء عن النظر البشري والطمع في اعتلاء منصب القداسة والحال أنها محرمة على الآدميين. هل يكون النقاب هو آخر تقنيات التألُّه التي بقيت متاحة في ثقافتنا العميقة؟ هل تصبو المنقبة في سرها إلى أن تصبح قديسة؟ قديسة تقف بين عالمين، أحدهما مرئي والآخر غير مرئي، خوفًا من شراهة الناظرين، وفي ثقافة تعتبر رؤية الله هي (أكبر متع) يوم القيامة؟ كل من تتنقب تمنع النظر البشري من الوصول إليها وتتحول إلى كائن يُطلب فلا تدركه الأبصار".هكذا يفلسف المسكيني النقاب ويسطو على عقل المنقبة ليحلل رؤيتها للوجود، ورؤيتها لذاتها، وموقفها من الحقيقة، وإرادتها ارتداء النقاب تارة تحليلاً انطولوجيًا وتارة تحليلاً نفسانيًا إيروسيًا وتارة تحليلاً أخلاقيًا وهو في جميع تاراته محض مكرر لمقولات سابقيه كروزين لامبان وغيرها، فما قدمه لنا المسكيني ليس تحليلاً بديعًا مبتكرًا من وجهة نظر أستاذ الفلسفة الضائق بانتشار النقاب في جامعته وحرمانه من "المساحة الوَجهيَّة الرائعة" للطالبة الأنثى، والحال أن "المشاركة الوجهية - برأيه - هي شرط الإمكان الأخلاقي الحاسم للانتماء إلى دائرة الإنسانية". الأمر الذي دفعه للتساؤل: "ما الذي يدفع شابات في عنفوان الشباب إلى التخلي الطوعي عن هذه المساحة الوجهية الرائعة، وتعويضها بحيز عازل من القماش الآدمي المزيف؟".
ونتساءل من جهتنا: تُرى ماذا بقي للمنتقبة أو ماذا بقي منها وكل أشكال العنف المعنوي تمارس عليها وكل صنوف الإسقاطات النفسية والرمزية تنهال عليها؟
إن التأويلات الدينية التي تنبني على النص الشرعي وتخبرنا بشرعية النقاب ودورانه في دائرة الراجح والمرجوح لا تتردد وحدها في الفضاء الثقافي المفتوح، بل تتردد بمقابلها التأويلات العلمانية والليبرالية عن دلالات الحجاب غير البريئة، ومشابهة المنقبات للجان، وإلغاء حضورهن الجسدي والمعنوي، وشحن النقاب بالإيحاءات الجنسية وغيرها.. مقولات يكرر فيها العلمانيون بعضهم بعضًا وتتضايف مقولاتهم تحت عناوين واحدة انطلاقًا من نفس المنطلقات الإنسانوية ووصولاً لذات النتيجة..فما الذي حمل العلمانيين بمختلف مشاربهم النقدية على التواصي علنًا في مؤلفاتهم ومقالاتهم على نقل الجهد التأويلي للحجاب والنقاب بخاصة من دائرة الحلال والحرام كما يسمونها إلى دائرة الظواهر الإنسانية؟ أهو عدم انهزام المنتقبة أمام مقولاتهم الإقصائية ودعواتهم المتطرفة لتنقية الفضاء العام من ظِلالها، أو عدم انصياعها لرؤيتهم بالأصح؟يبدو أن السبب في إخراج الجدل العلماني حول الحجاب للحجاب والنقاب كليهما من دائرة (الديني) إلى الدائرة الإنسانية هو كونها الطريقة الأنسب لزعزعة الفكرة الدينية وتجريد المنقبة من خياراتها الإيمانية، والحجر عليها وإلقائها في السجون المظلمة الواقعة خلف خطوط الحرية، هذه الحرية التي لا تستأهلها ولا تستحقها المنقبات ولا يملكن فيها أجسادهن ولا الحق بالاختيار، بينما يستحقها الشواذ جنسيًا والسحاقيات، والعراة والمتاجرات بأجسادهن، والمتمسكات بما يسمى بـ(الحق بالاختيار) أي الحق بقتل الأجنة الغير مرغوب بها إجهاضًا، بل تسع الحرية الحق بالردة عن الإسلام وحماية هذا الحق وإنكار مصادرته على النحو الذي ذكرته إحدى العلمانيات التونسيات في كتابها عن الردة في الإسلام.إن سبب ارتداء المنقبة للنقاب في بلاد تُعلي من شأن الحريات غالبًا سببٌ إيماني، ينبع عن قناعة المنتقبة شخصيًا بخيارها الإيماني باعتبار مسؤوليتها الذاتية أمام الله تبارك وتعالى، وكم من منتقبة في الغرب أو في العالم الإسلامي تحتفظ بنقابها وإن لم تك ذات ولي، فما الذي يحملها على ذلك ولأي رجل تحتفظ بودائعها المخفية؟ أليس الإيماني وحده ما يحملها على هذا رغم تعدد الخيارات وغياب الضامن للتطبيق؟ أم أن الإيماني ظاهري وسطحي وزائف ولا يفي بالجواب لدى الرافضين للنقاب، بينما تبقى الأسباب الحقيقية والدلالات الغائبة والمعاني العميقة المتكلفة للحجاب والنقاب موجودة حصرًا لدى الفيلسوف والسيمولوجي والناقدة النِّسوية!أيُّة مصادرة عقلية هذه التي تذكرنا بقول سقراط: (تكلَّم حتى أراك!) فإذا كان الكلام المعبر عن الحضور العقلي للإنسان محددًا رئيسًا لرؤيته في نظر الفيلسوف الإغريقي، فالمنقبة بنظر بعض متفلسفة العالم الإسلامي لا يكفيها الكلام مُعبرًا عن حضورها العقلي ولا قيمة له وإن كانت في قاعة الجامعة وإن حملت أعلى الدرجات العلمية، بل لابد لها من خلع النقاب لتُرى وتُسمع ويُعترف بوجودها أولاً وعقلها ثانيًا وكأن الحكمة السقراطية تحولت لديهم إلى: (انزعي نقابك حتى أراك!) أراكِ وجهًا وعقلاً والثاني مرتبطٌ ضرورة بالأول، بل لا وجود له بغير وجود الأول!إن كل ما يجري إسقاطه من تأويلات ذاتية على المنتقبات لا يعني أنهن غائبات ولا مغيبّات وإنما هو إرادة تغييبٍ قسري، وعدوانٌ على إنسانية المنتقبة وذاتها الأنثوية، ومصادرة حقها في الرؤية والاختيار، وفي عيش حياتها وفقًا لما تؤمن به وتدين الله به، لا وفقًا للتأويلات العلمانية الليبرالية واستبدادها وتحكمها.