الكاتب : أحمد ابوبكرة الترباني



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد :


من المؤسف حقاً ، أن يتصدر لعلم الأنساب الجاهل في أصول هذا العلم ودروبه ، فعلم الأنساب له قواعد وأصول ومن فقدها أساء لهذا العلم وأساء لنفسه .


ومن هذا الباب فقد أحببت أن أكتب هذه الرسالة في بيان المنهج العلمي في روايات العوام في علم الأنساب ، وقد جعلتها على الأقسام التالية :


1ـ تعريف العوام .


2ـ العوام هوام !! .


3ـ أقوال العلماء في العوام .


4ـ روايات العوام في ميزان المنهج العلمي .


5ـ الرد على بعض شبهات العوام !! .


وأسأل الله أن يوفقنا لكل خير .


باب 1ـ ( تعريف العوام ) .


العوام وهم : عامة الناس .


باب 2ـ ( العوام هوام !! ) .


الهوام هي الحشرات من ذوات السموم ، أخرج مسلم في ( صحيحه ) ( 1926) من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه وعن أمه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ) .


قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث ( 1926) : ( لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطريق لسهولتها .... ) .


قلت : والعوام كالهوام الغالب عليهم الشر والإيذاء إلا ما رحم الله .
باب 3ـ ( أقوال العلماء في العوام ) .


قال الفلاني في ( إيقاظ همم أولي الأبصار ) ( 55) : ( العوام الذين هم كالهوام لا يفهمون معنى الحديث ومراده ولا يميزون بين صحيحه وضعيفه …. ) .


أشاع بعض العوام أن العلامة عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ تمنى أن يرى الإبل ، فقد جاء في ( مسائل ابن باز ) ( 290 ) : ( قول بعض الناس : أنكم تمنيتم رؤية الإبل ، لأن الله عز وجل قال ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ؟


الجواب : العوام ما عندهم سالفة ! أنا ما كفّ بصري إلا وعمري تسع عشرة سنة وقد رأيت الإبل ) انتهى .


قلت : أنظر إلى روايات العوام وأكاذيبهم !!


قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ كما في ( فتاوى نور على الدرب ) ( 13/115) : ( ومن العجائب أن العامة كما قيل : إن العوام هوام .. ) .


سئل المحدث مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ كما في ( المقترح ) ( 122) : السؤال 122 قولهم : ( فلان كان من العوام ) أو ( فلان من العوام ) أهي مثل قولهم : ( كان من الناس ) ؟!


الجواب : قولهم : ( من العوام ) يدل على أنه ليس من أهل العلم ولا من أهل الضبط .).


قلت : فالعوام ليسوا من أهل الضبط .




باب 4 ـ ( روايات العوام في ميزان المنهج العلمي ) .




روايات العوام يجب أن يتحقق من صحتها أو بطلانها ، وذلك لأن العوام يطربون للغرائب والحكايات والخرافات والمنامات والقصص ، فالعوام لا يدركون معنى التحقيق من ضعف الرواية وصحتها ، فهم في تصورهم أن كل قصة يسمعونها صحيحة لا غبار عليها .


وتجد بعضهم يتقمّلُ في المشراق ويروي قصصاً في أنساب العرب كقصص الغول والسعلاة والعنقاء !!


ولهذا فإن روايات العوام في ميزان المنهج العلمي تخضع للغربلة والتحقيق وبيان صحتها من ضعفها ، لأن قد يترتب على روايات هؤلاء العوام أحكام ، ونسوق لكم نبذة عن بعض روايات العوام وموقف المنهج العلمي منها .


• بعض رواة العوام ينسبون أنفسهم إلى الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح !!


وموقف المنهج العلمي من هذه الروايات بأنها باطلة لا صحة لها ، وذلك أن أبي عبيدة عامر بن الجراح قد درج عقبه ، قال أبو نعيم الأصفهاني في ( معرفة الصحابة ) ( 4/2049) : ( توفي بالشام في طاعون عمواس سنة ثمان عشر ولم يعقب ) وقال ابن الجوزي في ( التلقيح ) ( 86) : ( ذكر ابن سعد انه كان له من الولد يزيد و عمير وأمهما هند بنت جابر ، فدرجا فلم يبق له عقب ) .


• بعض رواة العوام ينسبون أنفسهم إلى الصحابي معاذ بن جبل !!


وموقف المنهج العلمي من هذه الرواية بأنها باطلة ، وذلك لأن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ لم يعقب ، قال ابن عبدالبر في ( الاستيعاب ) ( 2/202) : ( ليس له عقب ) .


• بعض رواة العوام ينسبون أنفسهم إلى الصحابي خالد بن الوليد !!


وموقف المنهج العلمي من هذه الرواية بأنها باطلة ، وذلك لأن الإجماع على انقطاع عقبه ، نقل ذلك المقريزي في ( البيان والإعراب ) (20) وقد بين ذلك نسابة قريش ، قال ابن الزبير في ( نسب قريش ) (120 ) : ( وقد أنقرض ولد خالد بن الوليد فلم يبق منهم أحد ) وكذلك الزبير بن بكار في ( النسب ) وابن قدامة في ( التبيين في أنساب القرشيين ) .


• بعض رواة العوام ينسبون أنفسهم لقبائل قديمة بناءاً على تشابه الأسماء !!


وموقف المنهج العلمي من هذا بأنها طرق باطلة ، مثل رجل ينتهي نسبه باسم ( سُليم ) فيلصق نسبه بـ ( بني سُليم ) بناءاً على تشابه الاسم وليس على ضوء أقوال علماء النسب !! فاسم ( سُليم ) كثير بين العرب ، فلا يربط النسب بتلك القبيلة إلا بنصوص واضحة وليس بتشابه الأسماء ، وهنا للفائدة أنقل قول حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ في مثل هذه المسألة كما في ( مجلة العرب ) حيث قال : ( واسم المساعيد يطلق على عدد من العشائر منها من لايزال معروفاً بين قبائل عصرنا مع تباعدها في النسب ، ولا داعي للإطالة بذكر أمثلة ذلك ، ومعروف أن اسم مسعود من الأسماء المحببة التي تستعمل كثيراً ؛ولهذا فلا غرابة أن تكثر العشائر التي تنتسب إلى ذلك الاسم ) .


وقال عاتق البلادي ـ رحمه الله ـ في تعليقه على رسالة شحص يدعى ( حاتم ) كما في ( رسائل ومسائل في الأنساب ) ( 1/100) : ( يا أخي حاتم ليس كل أسم يوجد اليوم يرجع أصله إلى قبيلة قديمة مشهورة ، فهذه أسماء عربية ، أنت تسمي ابنك صالحاً ، وأنا كذلك ولا رابطة نسبية بينها ، فقد يكون ( ذيبان ) هذه من جهينة وقد تكون من غطفان وقد يكون رجل من بجيلة اسم ( ذيبان ) وهؤلاء أبناؤه .. ) .




باب 5 ـ ( الرد على بعض شبهات العوام ) !! .


* قد يقول قائل : الأنساب أكثرها من روايات العوام ، فكيف لا يقبل رواياتهم ؟!


قلت : رواياتهم تخضع للتحقيق ، والعلماء المحققين الذين أخذوا بروايات العوام قد غربلوها وأثبتوا الصحيح منها ونبذوا السقيم ، ولو عُطل منهج التحقيق لضاعت الأنساب وقطعت الأرحام ، وقد ضربت أمثلة سابقة على هذا ، كمن نسب نفسه إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح وهو لم يعقب ، فلو ترك هذا الأمر فإنه باب لضياع الأنساب وتمييعها وانقطاع صلة الرحم .


* قد يقول قائل : الناس مؤتمنون على أنسابهم ؟!


قلت : قد بينت هذه المسألة في كثير من مقالاتي ، وأنقل لكم قول الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ كما في ( فقه النوازل ) ( 122) : ( وهاهنا فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا ( أي مقولة الناس مؤتمنون على أنسابهم ) ليس معناه تصديق من يدعي نسباً قبلياً بلا برهان ، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب واتسعت الدعوى ، وعاش الناس في أمر مريج ، ولا يكون بين الوضيع والشريف إلا أن ينسب نفسه إليه ، وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء فضلاً عن تقريره .... ) .


• قد يقول قائل : أثبت نسبنا فلان النسابة !!


قلت : قد يكون هذا النسابة !! من ( العوام هوام ) وما أكثرهم اليوم ، فلا عبرة لقوله إذا خالف نصوص أهل النسب .


• قد يقول قائل : نسبنا مشهور ومستفيض بين الناس ، بأننا من عقب خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ !!


قلت : الشهرة والاستفاضة لها شروط وضوابط ، ولا تؤخذ على العموم ، فمن شروط الشهرة والاستفاضة موافقة قول أهل النسب المحققين ، فمن أشتهر نسبه بين الناس بأنه من عقب خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ فهذه الشهرة باطلة ، وذلك لأن علماء الأنساب قديماً بينوا انقطاع عقب خالد بن الوليد ، والشهرة هذه مصدرها ( العوام ) وكما قلنا آنفاً : ( العوام هوام ) ، فالشهرة يؤخذ بها ما لم يتكلم فيها نسابة محقق ولم تخالف نصوص علماء النسب ولم ينقضها أحد من أهلها ، حينها تترك على ما هي ، فهذه شهرة نسب بني القدح اليهود سار بها الركبان ومع ذلك نقضوها العلماء كـ ( الباقلاني و أبو شامة وابن الجوزي والقدوري .... وغيرهم ) فلا تسمى هذه شهرة ولا يؤخذ بها في ثبوت النسب .


• قد يقول قائل : هذا الكلبي عند علماء الحديث ( كذاب ) وأيضاً أنتم تأخذون بأقوال المستشرقين وتتركون أقوال العوام ؟!


قلت : أولاً : الكلبي في رواية الحديث لا يؤخذ بروايته لأنه مجروح عند علماء الحديث ومتهم بالكذب ، أما في علم الأنساب فهو قد شهد له الإمام أحمد بن حنبل إمام زمانه حيث قال عنه ( صاحب سمر ونسب ) كما عند العقيلي في ( الضعفاء ) (654) .


ثانياً : أقوال المستشرقين تخضع لمنهج التحقيق والغربلة كروايات العوام ، فما صح منها أثبتناه وما تبين بطلانه نبذناه .


ثالثاً : نحن لا نترك روايات العوام ، بل نأخذها ونغربلها ونحققها ، فما وافق منها النصوص أخذنا بها ، وما خالف منها نبذناها .


وفي الختام ، فإن أرحام الخلق من الواجب حفظها وصيانتها ، وتحقيق الروايات وتمييز الصحيح منها والسقيم ، وإذا لم نسلك منهج التحقيق في هذا العلم لأصبح الوضيع ينتسب للشريف ، والعجم تدخل في أنساب العرب !!
http://assawsana.com/portal/pages.php?newsid=144651