خزاعة بين الوسيط والنصير

( نُصِرْتَ يا عمروَ بنَ سالم )

إقرأ التاريخ إذ فيه العبر ... ضلّ قومٌ ليس يدرون الخبر

ومن العبر المكنونة في صفحات تاريخنا المجيد : قصة خزاعة ، وما أدراك ما خزاعة ؟ هي إرهاصة من إرصاصات تاريخنا الإسلامي العظيم ، ظاهر لفظها باعث ألم وحزن وأسىً ، إنْ في الزمن الغابر أو في الوقت الحاضر ؛ في الزمن الغابر حين ارتكب ساسة قريش وصناديدها من قبيلة بكر حلفاء قريش مُزوّدين وممدودين بالسلاح من قريش إرتكبوا مذبحة ومجزرة بحق قبيلة خزاعة ، وكانت قبيلة بكر قد دخلت في حلف قريش ، كما دخلت خزاعة مؤمنها وكافرها في حلف محمّد – صلى الله عليه وسلم – وذلك عقب صلح الحديبية !
وغدت خزاعة باعثَ أسىً في واقعنا المعاصر حين ارتكب الصهاينة الهمجيّون المتبربرون المجزرة المروّعة بحق أهلنا في خزاعة كسائر مجازرهم في قطاع العزة كافة ، وهنا هرول أبو سفيان الى النبيّ – صلى الله عليه وسلم – ليجعل منه وسيطاً بين قريش وخزاعة ، في حين هرول عمرو بن سالم الخزاعي يستنصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليجعل منه نصيرا في مظلمة قومه تلك !

فيا تُرى : أيّ الطائفتين أصاب وأيّهما خاب ؟! أبو سفيان بن حرب زعيم قريش الذي جاء ليجعل من النبيّ – صلى الله عليه وسلم – وسيطا يغضّ الطرف عن مذبحة خزاعة ، ويلملم ملفّها لتمضي الهدنة مع قريش على حالها إلى مدّتها ، أم عمرو بن سالم الخزاعيّ الذي يريد من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن ينصر خزاعة ، وينتصف لدمائها المسفوحة ظلماً وبغياًَ وعدوانا ؟
أمّا أبو سفيان فقد أشاح النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بوجهه عنه ، فلم يكلّمه ازدراءً لقريش وتثريباً لها على فعلتها الجبانة تلك !
فانطلق أبو سفيان إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ليشفع له عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فرفض عمر - رضي الله عنه -
ذلك قائلا لأبي سفيان : ( والله لو لم نجد إلا الذّر لقاتلناكم به )
أمّا عمرو بن سالم رسول خزاعة إلى النبيّ – صلى الله عليه وسلم – فقد دخل على النبيّ – عليه الصلاة والسلام مستنصراً قائلاً له :
يا ربِّ إني نــــــــــاشدٌ محمـّـــــدا

حلفَ أبينــــــا وأبيـــه الأتلــــــــدا

قد كنتـــــم وَلــَــدا وكنـــا والـــِــدا

ثمـــت أسلمنــــا فلــــم ننزع يَــدَا

فانصــر هـــداكَ اللهُ نصراً أعْتَـــدَا

وادْعُ عبــــــادَ اللهِ يأتـــوا مَــــدَدا

فيهم رســــــولُ الله قـــد تجــــرَّدا

إنْ سيــــم خسفــــا وجهُـه تـربّدا

إنَّ قريشــــاً أخلفــــوك الموعـِـدا

ونقضـــوا ميثــــاقك المُؤكـــّــــدا

وزعمـــوا أنْ لستُ أدعــو أحــَدا

وهــــم أذلُّ وأقــــــــلُّ عَــــــــددا

هم بيّتــــــونا بالوتيــــــر هُجّـدَا

وقتـــــلونا رُكعاً وسُـــــــجَّـــــدَا



إزاء ذلك : رفض النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أن يكون وسيطاً ودماء أبناء ملّته من خزاعة ينزف ويُسفَح ، واختار أن يكون عليه الصلاة والسلام لخزاعة ظهيراً ونصيرا ! فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلمته المشهورة التي سجّلها التاريخ بأحرف من ذهب على صفحات من نور ( نصرت َ يا عمروَ بنَ سالم )السيرة النبوية لابن هشام : 364 وتاريخ الطبري السنة الثامنة هـ ص 225
وجهّز النبيّ – صلى الله عليه وسلم – جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل ودخل مكّة فاتحا ، وهكذا كانت مجزرة خزاعة في زمان المصطفى – صلى الله عليه وسلم - ممهّدة لفتح مكّة ، فعسى أن تكون مجزرة خزاعة في زماننا الحاضر ممهّدة لفتح بيت المقدس وتحرير القدس ، وما ذلك على الله بعزيز ! ألا فهل مِنْ مُدّكر ؟!